تميز الأسبوع المنصرم بارتفاع عدد ضحايا حوادث السير وبارتفاع احتمال تجاوز عتبة معدل ضحايا حرب الطرق ليتجاوز 11 قتيلا في اليوم، وبعدما بات من الواضح أن لشاحنات وحافلات النقل العمومي دورا كبيرا في ارتفاع عدد الحوادث وحدة الخسائر البشرية والمادية، فإن الصعوبات التي تواجهها تعاضدية التأمينات لأرباب النقل المتحدين «لا ماتو MATU» صارت تطرح بحدة إشكالية ما إذا كان الضحايا وذوو الحقوق سيحصلون على التعويضات المستحقة في الآجال المحددة أم أن الصعوبات المالية التي تجتازها التعاضدية ستزيد من معاناتهم لتتحول حوادث السير الطارئة إلى عاهات جسدية ومادية مستدامة، وبالموازاة مع ذلك صارت المخاوف من الفشل في تأهيل التعاضدية لتكون في مستوى المهام المنوطة بها تهدد بوقوع كارثة اجتماعية بفعل اضطرار المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الكف عن مزاولة أنشطة النقل التي تعتبر مصدر عيش الآلاف من الأسر المغربية وبفعل الدور الذي تلعبه هذه الفئة من المقاولات في الحد من ارتفاع أسعار النقل. لقد اختار العديد من مالكي العربات العاملة في قطاع النقل العمومي الانخراط في تعاضدية التأمين من منطلق أنها توفر لهم إمكانية الحصول على الوثائق الضرورية لمزاولة نشاطهم بكلفة تقل بكثير عن القيم التي تطالب بها شركات التأمين ذات الطابع التجاري، وبعد أن كان من المرتقب أن تساعد الامتيازات الضريبية المخولة للعمل التعاضدي عن تقوية «لا ماتو» فإن مديرية التأمين سحبت منها عدة رخص وصارت تهدد بإغلاقها إن هي لم تبادر إلى وضع مخطط تقويمي يساير مقتضيات مدونة 2006 للتأمين، وإذا كان المجلس الإداري المكون من 15 عضواً قد جدد 8 أعضاء وعوضهم بعناصر وصفت بأنها ذات مصداقية لأنها تتوفر على شركات كبيرة الحجم إذ تتوفر علي ما يزيد عن 50 شاحنة ومنها من يتوفر على أزيد من 100 حافلة بالإضافة إلى الشاحنات، فإن مرحلة ما بعد الاستغناء في ماي 2009 عن خدمات المدير العام السابق تزامنت مع حلول العطلة الصيفية ورمضان والعمرة، وبذلك ظل المدير العام المؤقت يعاني من نفس الوضعية المالية التي يعرفها جيداً بحكم أنه كان من قبل يشغل منصب المدير المالي للتعاضدية، بل إن من المهنيين من اعتبر أن قررت مصالح وزارة المالية منذ حوالي شهرين الحكم على التعاضدية بغرامة تقدر بحوالي 200 مليون عقاباً لها على عدم تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة ضدها، عمق حدة الأزمة المالية التي تتخبط فيها والتي تحتاج إلى إجراءات جريئة لتفادي الخلل الذي يعود إلى عدة سنين والذي تشكل فيه الديون المترتبة على المنخرطين عائقاً حقيقياً أمام التوصل إلى حلول تؤمن استمرارية نشاط التعاضدية وتوفر لها إمكانية استعادة الرخص التي سحبت منها، فالمنخرطون مدينون للتعاضدية بحوالي 341 مليون درهم، ونسبة هامة من هذه الديون صارت غير قابلة للتحصيل إما بسبب وفاة المدينين أو بسبب تخليهم عن مزاولة أنشطة النقل العمومي أو بأسباب أخرى . صعوبة المشاكل التي تعاني منها «لا ماتو» تطرح بحدة إشكالية مصير قطاع النقل العمومي الطرقي للمسافرين والسلع، ذلك أن الاقتصار على تنفيذ المقتضيات القانونية سيؤدي بشكل شبه حتمي إلى إفلاس هذه التعاضدية، في حين أن الإبقاء على الوضع الحالي سيؤدي إلى حرمان نسبة هامة من ضحايا حوادث السير من الحصول على مستحقاتهم القانونية، وفي كلتا الحالتين فإن الآمال التي كانت معقودة على تحرير قطاع النقل، وخاصة ما يرتبط منها بإدماج المقاولات الصغيرة التي تمثل أكثر من 85% من حظيرة النقل العمومي، ستجد نفسها عرضة للإفلاس، لأن مجرد كلفة التأمين ستتضاعف لتصل إلى ما بين 3 و 5 أضعاف القيم التي تؤدى للتعاضدية. إن إشكالية تعاضدية التأمينات لأرباب النقل المتحدين، إشكالية متعددة الأبعاد، ومهما تعددت الأسباب، فإن الوقوف عند رصد مختلف أشكال الخلل التي تعاني منها لن يفيد في شيء، ولذلك صار من المفروض أن تعمل كافة الأطراف المعنية على مواكبة المنخرطين ودعمهم ليتمكنوا من بلوغ الانخراط الفعلي في المنظومة الجديدة لقطاع التأمين، وإذا ما تعذر ذلك فمن غير المستبعد أن يتم تعويض المقاولات المغربية المكونة من مركبتين أو ثلاث بحافلات تابعة لشركات أجنبية، ووضع مثل هذا سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار وإلى فقدان السيطرة على قطاع النقل الذي يمثل حلقة أساسية ضمن مجموع الحلقات المكونة لقطاع اللوجيستيك، فمجرد واجب حماية حقوق ضحايا حوادث السير يفرض الحرص على أن يسفر تحرير قطاع النقل عن تقليص معدل عدد قتلى حرب الطرق إلى أقل من 10 في اليوم وعلى تقليص تحملات خزينة الدولة إلى أقل من 10 ملايير درهم في السنة، وبعد أن أبان العمل التعاضدي عن نجاعته في عدة قطاعات سواء داخل المغرب أو خارجه، فقد صار من المفروض التساؤل عما إذا كانت السلطات المعنية ستكتفي بالتضحية به أم أنها ستكون في مستوى حمايته وصيانته ليكون في مستوى المهام المنوطة به.