بدءا، لنتأمل هذه اللمحات اللامعة من الحياة الاكاديمية للفنان المغربي عبد الكريم الوزاني، فهذا النحات والتشكيلي هو خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بتطوان والمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بباريس، ويشتغل راهنا مديرا للمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، عرض أعماله في العديد من المدن المغربية منذ سنة 1976، وبالعديد من الدول بالخارج مثل فرنسا واسبانيا والولايات المتحدةالامريكية والبرتغال، نال على إثرها العديد من الاوسمة المشرفة، كما تم تكريمه في بعض هذه الدول. ثم لنتأمل بعد ذلك، أعماله التي يقدمها لزوار معرضه الاخير، بقاعة أركان بالرباط والذي يمتد من 18 يونيو الجاري إلى 31 منه. ولنقل بداية، ان المعرض يتضمن لوحات فنية تشكيلية الى جانب منحوتات، لكن من يريد ان يدقق في الامر، سيجد لا مفهوم اللوحة هو مفهوم خالص ومخلص للوحة، ولا مفهوم المنحوتة مفهوم خالص ومخلص للمنحوتة. اننا هنا، أمام اعمال هذا المعرض، نجد أنفسنا في صلب التداخل، فاللوحات تكاد تكون جميعها رسومات لمنحوتات، في حين نجد ان ما أسميناه تجاوزا منحوتات، هي أشبه ما تكون بأعمال وألعاب يدوية، نعم إننا إزاء اللعب، بل ان هذا اللعب هو الاصل والمبتغى في هذا العمل الفني سواء كان لوحة أو «منحوتة» لذلك فإن الفنان اللاعب، او الفنان الطفل يتغلب على الاكاديمي هنا. وكما يصنع الطفل كرته مثلا من شرائط الخرق او النباتات، كذلك يجيز الفنان الوزاني في صناعته لأشكاله ومخلوقاته الحرية كل الحرية، ولاشيء هنا يحاكي الواقع، لدرجة ان الاسماك تستطيع ان تحلق فوق الطيور! لنقل إننا أمام عين طفولية، ويد طفولية تصنع وتبدع مخلوقاتها الصغيرة والجميلة والملونة في اللوحة كما في «النحت» مثلما تخلق مصنوعاتها الكبيرة والخرافية. هكذا يصبح للعجلة رأس عصفور او طائر، ويصبح المقود جناحا مثلا، ويصبح يد المظلة تفاحة، فوقها رفّ من التفاح، مثلما تتحول كرات القدم الى بيضات تخرج منها الكتاكيت، مع هيمنة العجلة او الدائرة، والمقود او نصف الدائرة، والنباتات والاوراق او الاجنحة التي هي الاثداء أيضا، وهيمنة اللون الاخضر والاحمر والاصفر والازرق، لكن الهيمنة الكبرى هنا تبقى لهذه البساطة الممتنعة شكلا ورسما ولونا ونحتا، والتي تقول ما أصعب ان يعود المرء ليصبح طفلا من جديد، او ليصبح طفلا مجددا من جديد.