الخفافيش تعشق، كما كانت دوما، الظلام. وظل سادرا خلف وهم يطل من مأدبة اللئام. نسيم يتلظى وعبوة القلب ينسفها الكلام. يعلن النخل حداده. يتلمظ الكائن الشوكي مؤخرته، يتشدق برغوة الحليب فينسكب الرغام. يمتطي الكائن الشوكي بداوته. يسبي غربالا شمسيا فلا يرى الشمس تعلق ثديها الغربان. هسيس ا لنخل يوسوس للعيان: - سلاما أيتها الغربان سلاما أيها الإنسان سلاما يا من كان قبل وبعد السواد إنسانا. غراب... غراب - قافْ... قرْقلاَّفٌ أعلن السواد صوته. غرابْ... غرابْ هكذا أتاه بل شحذ مسامعه صوت الغراب. يصله سواد الصوت. النخل يمم جهة الريح ومرت، بمخيلته، أطياف لصوت الحمام: - بيت لليمام. آية لليمام. ضوء فنار خافت وصورة لعاشق يتيم تطهر بالخوف. المصباح خافت وزيت الإكسير يعرش في الفنار. بياض الأوراق أسود (يوشيه) (يحييه) مداد أبيض. حبر لولبي. من سواد الغربان يلوح سراب نسر في يد الماريشال «زَبالو» . وحده يسكن الخيمة. الخيمة من شعر الماعز الأسود والأبيض. «ZAPPALO» يمسح، بمناخيره، أسرار المكان. «زبالو» كائن ثلجي، يحرس أنفاسه يهاب الصهد.. الماريشال «ZAPPALO» كائن صوفي. هنا في خيمة «خيبر» يقرأ سيرة «عنترة». يحمل سيفا من العرعار. خمار امرأة سوداء أضافت إكسيرا لضوء الفنار. الماريشال «زبالو» يتهجد أشعار «المتنبي». الكتيبة راقدة تتوسد توجسها. يخترق صوته ضوء الفنار. يتلقفه غراب يجوس بداخله: - قاعْ قاف قَرْقَلافْ. الماريشال «ZAPPALO» يفتي في البراري - رصاص.. رصاص، جلجلة بنادق وزحف فيلة. الخيمة باردة وصورة «تشي غيڤارا» يرى، في مرآتها، زابالو وجهه. يكشر. يبدو مبتسما. وجهه حليق وعينه اليسرى ترفرف. حدثه صوت الراوي الأطلسي: يا الماريشال سلامي ليك هدية إلَ كنتي عطشان الما ليك وكل ما فالسبنية شرب من دمك إعافيك وفيق ملكَلبة صبح قبل ملعتنية برودة المكيف تزيح صوت الراوي و»ZAPPALO» وحده في الخيمة يتذكر. صوت «هيلين» ابنته الصغرى قبل أن يغادر: - بابا... بابا أريد لعبة. - HELEN.... HELEN لم أنس اللعبة... HELEN HELEN HELEN سآتيك بتلك اللعبة. - قاع.. قاع صوت «هيلين» في مهدها ناع و هذا الغراب يسبي الصوت. صوت المكبريردد الصدى: - و العلامة.. والقيامة والعلامة... والقيامة. ولكن «زبالو» لم يقرأ سيرة القيامة ولم يتخيل، كطفل، صورة عزرائيل. لأنه، وبكل أناقة، لا يستطيب بخور الشرق ولكنه الشوق، شوقه ل HELEN وللذكرى. غير أنه كان واثقا من أنه الماريشال «ZAPPALO». الماريشال «زبالو» وحده يتلو سيرة الموت. الغلاف أسود تتوسطه مكعبات بيضاء في حجم مقبرة.. غير أنه الماريشال والماريشال لا يهابه الموت. يسرسر، من تحته، صوت ماسخ لزج: - والماريشال ومال عويناتك خارجين والماريشال ومال اعويناتك خارجين صوت «هيلين» الناعية في مهدها تهتف في قلب الماريشال: - بابا.. بابا لا تنس اللعبة. يدغدغ همس «هيلين» حواشي كأس طينية. هي هدية من جارية عربية. Maria كاعب غجرية. البنت الكبرى للماريشال «زبالو». الماريشال «ZAPPALO» حين استراح في حرب تترية نكح، بلا عقد، سيدة عربية، وحين المخاض سماها «Maria»، و»مريا» تعشق الورود هدية. الماريشال «ZAPPALO» ود لو يستطيع جمع باقة ورد ندية وهذه النباتات الشوكية تحوط الخيمة. تحرسها. تحولها، في خياله، قطعة أثرية. صوت الغراب يكسر صمت السارد: قاف... قرقلاف... Maria...Maria الماريشال «زبالو» يهديك الخوف هدية. الخيمة وبرية وصوت المؤذن يشرخ آذانه السرية. ولكن «زبالو» يكره الصوت. صوت هيلين و»مريا». الكاغط أبيض هامشه أسود. حركته الريح. داعب قدمي الماريشال «ZAPPALO». خاله أفعى. أ طلق رصاصة. عاوده سكونه حين أدرك أنها مجرد ورقة برية. من الماريشال «ZAPPALO»إلى الغالية MARIA: بابا يقبلك ويذكرك بذلك الشريط. تأتيه الآن الذكرى. حين ر أت، ذات مساء، رجلا يشبهه الماريشال تداعب كعباه الأزرار. يقتل.. أشلاء... أشلاء، جثث، عفن. وحينما عاد، راجلين، قتلته حين قالت: - بابا... بابا... ذلك هو المار يشال، أما أنت فبابا. كره أن يكون البابا. - العزيزة MARIA، أنا ا لماريشال «ZAPPALO»، سأهجر جبة البابا وسأصير ماريشالا. لقد أبدتهم جميعا. الدم.. الدم.. أشلاء.. أشلاء قتلى وغربان. - قاع... قاع.... صوت HELEN ينكسر بداخله. - العزيزة HELEN، بابا يحبك. ويعدك بالعودة إليك قريبا بالهدية. الماريشال «قيبو» يحدش لايقين السارد. بجواده الأدهم اعتلى صهوة الأطلسي.. يدندن الماريشال «قيبو». هدهدات أوركسترا «بوسيفون» تسبح للشجر: - ومنين أنا ومنين أنتا واهيوين وانا من حوض العلام ياخويا. الساعة حارة حاذقة وصوت الغراب ينبعث، يتجدد. الساعة التي هو فيها. موعد الخروج اقترب. الريح تحمل صدى آهات ثكلى. ذرات رمل ثقيلة عطشى تتلمس الطريق. الماريشا «زبالو» هادئ يترقب. أنفاس الريح تتصاعد. عاتية صرصرا. أصوات الرعد زئير. يزبد البرق من عيني الماريشال. الريح تتسامق. ذرات الرمل تتوحد، تتفصد، تهز أركان الخيمة. المارشال «زبالو» جاث يحضن الإكسير وضوء الفنار يشرف في وجه الماريشال. الماريشال «ZAPPALO» « يمسك الرسائل. رسائل «هيلين» و»مريا». تسيح به قدماه في لج الرمل. تحوم حوله الغربان: - قاع.. قاع تغوص به ناقلتاه. يمسك الرسائل. يضيف شيئا. الغربان تنقر قنة ا لماريشال. يتطاير المخ ... المارشال «زبالو» هامد، كتب على ظهر الغلاف: HELEN MARIA هذه رسالتي! ساعي البريد يحمل إشراقة الصباح. يطرق الباب. يسلمها الرسالة. الرسالة خاوية. على ظهرها كتب الماريشال بالدم المهراق: - وصلت رسائلي أم لم تصل: شكرا ساعي البريد. تجرني هذه الافتراضات إلى طرح سؤال بعينه وهو سؤال علاقة الكاتب بالكتابة الالكترونية، هذا السؤال يجرنا إلى ما طرحته تجربة الكتابة في المغرب آواخر السبعينات، خاصة الكتابة الشعرية أو ما سماها احد روادها بالكتابة - الجسد أي كيف نعطي للحرف المغربي فضاءً معمارياً يحمل القصيدة ويحتفي بها؟ لقد خلقت هاتة الاطروحة نقاشاً في الزمن ذاته بل أكثر من ذلك طرح نقاشاً عما هو الاسبق في الكتابة بهذه الطريقة بين بن سالم حميش ومحمد بنيس وللتاريخ فإن الاول سبق على المستوى الزمني بينما الثاني مع مجموعة من الشعراء كالراحل عبدالله راجع اصدروا بياناً للكتابة (في مجلة الثقافة الجديدة) صحيح أن النقاش ذاك كاد يصبح في نطاق الحداثة الشعرية والبحث عن ممكنتها في الخط المغربي خاصة كنوع من خلخلة قداسته.. هذا التصور وجد طريقة أكثر تعبيراً في المجال التشكيلي وهي تجربة مرتبطة بسياقها الغربي خاصة عند الشعراء الفرنسيين. لا يهمنا من هذا المثال سرد تجربة لم تدم طويلا ولكن الذي يهمنا هو هل مازال لليد والقلم دور في الكتابة؟ أم أن جهاز الكمبيوتر عوضها وبسؤال آخر ماذا تبقى من يد الكاتب؟ وقد يكون هذا السؤال غارقاً في تخلفه وتأخره لأن قراءة تجارب كتاب الغرب منذ القرن 19 وغالبيتهم يكتبون بالآلة الكاتبة، لكن ماذا يهمنا من هذا الهامش.. أي طريقة تكتب بها أيها الكاتب، هل بيدك وجسدك أم بالآلة؟ سؤال متجاوز في هذا الانجراف الهائل لكن السؤال الذي اطرحه هو كيف يكون الكاتب (أيا كانت طبيعة كتابته) حاضراً في هذا الجهاز، يمكن الاتصال به أو معرفة كتبه أو الاطلاع على نصوصه والدراسات النقدية وغير ذلك، طريقة سهلة تضعك في علاقة مباشرة وغير مباشرة معه، ولكنها في نفس الوقت طريقة تفقد فيك متعة البحث والتنقيب ومتعة القراءة المباشرة للكتاب هنا تختلف طرائق الكتابة وهنا كذلك تختلف طرائق البحث، ونحن في هذا الأفق نطرح سؤالا مركزياً ماذا تبقى من الكاتب هل عبوره نحو الكتابة الالكترونية هو محو للجسد؟ هل هو عبور نحو الترسيم الآلي الذي لا يستطيع محوه إلا هو نفسه؟ أم أن العبور إلى الكتابة الالكترونية بحث عن أكثر القراء والمطلعين في أقصى درجات الدنيا؟ أم أننا أمام كاتب لم يتمثل بعد هذا الانجراف المعلوماتي في وضع مسافة بين خصوصيته وجنونه ككاتب امام هذا النظام المعلوماتي، من حقنا الاستفادة من كل شيء ولكن من حقنا كذلك الوعي بالمسافات الطويلة والقصيرة بيننا وبين هذا النظام. صحيح أن هذا النظام يعطينا امكانات متعددة ولكن في نفس الآن يدخلنا في مأزق متعددة وأول مأزق هو ماذا تبقى من الكتاب ذاته الذي بالكاد يستطيع نشره هنا أو هناك. يقول لنا هذا النظام الرقمي المعلوماتي لقد انتهى دور الكتاب ما دام كل واحد من المطلعين والقراء يستطيع مساءلة Google قوقل للبحث عما يريد وبأي لغة يريد وفي أي مكتبة من العالم يريد بل يمكن ان يخلق تواصلاً بين هذا القارئ أو الباحث مع مفكر أو كاتب في العالم. ان (Google) كموقع يشد القارئ أو المطلع كاتباً كان أو غير ذلك لساعات يؤزم الكاتب وكتابه وفي نفس الوقت يفتح له أفقاً للانتشار الصامت. ان Google لا يفترض التأزيم بل يلوح نحو محوه. لقد انتهى دور الكاتب، بمعنى أن ميثولوجيا الكاتب والكتابة لم تعد تحمل بريقها في هذا العالم، انه محو للاثر، أثر الكاتب في الخيال الجماعي الذي بدا ينحبس شيئاً فشيئاً أي لم يعد لوظيفة الكاتب معنى في أزمنة الطرق السيارة وتعدد الوسائط ولم تعد الكليشيهات التي أسطرته وتأسْطر بها موجودة، كأننا اليوم في زمن النهايات، صحيح أن مجموعة من الكتاب وجدوا في نظام العولمة موضوعاً للمجابهة، والمساءلة، بل أكثر من ذلك نجده في أكثر البلدان تقدماً يبحث في غرائبية هذا الزمن وعجائبيته وهذا ما يؤكده - على سبيل المثال - »ميلان كونديرا« في سؤال صميمي يتمثل في كيفية الحفاظ على الرواية من هذا النظام الجارف، هذا السؤال يلوح في أفق الكتابة، بل في حميمية الكاتب العربي والمغربي - سؤال الحفاظ على الحلم الذي يؤثث الكتابة في زمن الذبح وانهيار القيم، والدخول إلى الاستهلاك المفرط، الاستهلاك السريع، حتى في مجال المعرفة، استهلاك »الماكدونالد«، أعني أن قيمة »الماكدونالد« أضحت سائدة في جميع المجالات حتى في مجال المعرفة، لنتأمل بنوع من السذاجة فضاءاتنا المغربية من معمار ومأكل ولباس، سنجد انجراف الجميع نحو ما يستهلك بشكل سريع حتى أضحت الفضاءات تلك بدون طعم ورائحة، ستتوقف الكتابة عما كانت عليه بمحدوديتها في الواقع المغربي والعربي إلى غيابها بشكل خافت حتى الشماتة، كما كانت عليه الحلقة (الحكواتي الذي يسرد القصص في الساحات العامة) واستبداله بالرسوم المتحركة وغيرها وأصبحت هي المجال الذي يرتبط به الطفل بالخيال.. قد يطرح كاتب مثلي عن قيمة ما يكتبه الآن وقيمة ما يقرؤه الآن وقيمة نضاله الآن وغداً، قد يجيب بنوع من سذاجته أن ما يقوم به هو نوع من مصارعة الموت، بكل أشكالها التنميطية، فهل نستطيع رغم تعلقنا بهذا الانجراف التكنولوجي الهائل أن نناضل ضد التنميط الذي يقوم بسيادته في العالم. تلك هي المهمة وذاك هو السؤال.