تداخلت المعطيات والمقاربات في الحوار حول الإعلام والمجتمع، الذي شهدته مدينة طنجة، يوم أول أمس، بين الإشكالات التي تعيشها الصحافة الجهوية، وبين الأسئلة الكبرى التي طرحت حول تطور الصحافة المغربية الوطنية، بشكل عام. فقد وجد المشاركون أنفسهم أمام نفس القضايا تقريبا، سواء منها، ما يتعلق بصغر حجم المقاولات، التي تكاد تكون في أغلبها مشاريع فردية، أو الاستثمارات الضعيفة في هذا المجال، أو بفوضوية توزيع الإعلانات أو بالتسيب الحاصل في ولوج المهنة، بالإضافة إلى إشكالات احترام الأخلاقيات والغياب شبه التام للتكوين وغيرها من الجوانب التي تؤثر بشكل سلبي على كفاءة وعطاء الموارد البشرية. وضاعف من إدراك هذا التقاطع بين الإشكالات الجهوية والوطنية، العروض القيمة التي قدمها المشاركون الأسبان، حول تجربة الصحافة الجهوية في اسبانيا والتي تطورت، حسب الدكتور بيرناردو دياز أوستي، أستاذ الإعلام في جامعة مالاكا، مع تقدم الديمقراطية. حيث كان للتنظيم الإداري الذي انبثق مع تقسيم التراب الإسباني الى حكومات محلية، التأثير الكبير على التنمية الاقتصادية، وكان من الضروري وضع الأدوات الضرورية لممارسة مرافقة حرية التعبير، عن طريق الصحافة المكتوبة والإذاعات والمحطات التلفزية الجهوية والمحلية. وبموازاة ذلك، انتظم الصحافيون في جمعيات، وظهرت كليات الصحافة في الجامعات، والتي وفرت الموارد البشرية الضرورية لهذه الصناعة الإعلامية. هكذا نجد الآن في اسبانيا، أكثر من 120 صحيفة جهوية، تحتوي كل واحدة منها على أكثر من ستين صفحة، تصدر عن مجموعات كبرى، متعددة المشارب السياسية و الفكرية، وتساهم بشكل أساسي في اللعبة الديمقراطية، بعملها المهني الذي يسعى إلى تطبيق مبادئ الشفافية ومواجهة الفساد. وفي استعراضها لتجربة الأندلس، أوضحت إيلينا بلانكو، أستاذة الصحافة في نفس الجامعة، وعضوة المجلس الإداري في المجموعة الإعلامية «سور»، أن هناك خمس مجموعات كبرى تستثمر في الصحافة الجهوية في هذا الإقليم، حيث تصدر مثلا مجموعة «فوسينتو» أربعة صحف، تتجاوز مبيعاتها مجتمعة 600 ألف نسخة يوميا. وفي نفس الحجم، تسير المجموعات الأربع الأخرى التي تصدر ما بين خمس وثلاثة صحف كبرى لكل منها. غير أن لكل هذه المجموعات طبعات وإصدارات أخرى محلية. ولا تختلف التجربة الفرنسية كثيرا عن الإسبانية، حيث تبلغ مداخيل الصحافة الجهوية في فرنسا مليار يورو سنويا، وهو ما يمثل ثلث ما تدره الصحافة مجتمعة في هذا البلد. وحسب الإحصاءات التي قدمها فانسون دي بيرناردي، مدير نقابة الصحافة الجهوية اليومية، فإن مجموع قراء هذه الصحف، يصل إلى أكثر من 17 مليون قارئ يوميا، بينما يصل عدد قراء الصحف الأسبوعية الجهوية، إلى أكثر من 31 مليون قارئ. ويتقاسم 42 موقعا الكترونيا لهذه الصحافة الجهوية حوالي 11 مليون زائر يوميا. وتتوجه الصحافة الجهوية في فرنسا، إلى نفس منهج التجميع، حيث تسيطر على أغلبها، خمس مجموعات كبرى. وتعمل الدولة على دعمها عبر التخفيض الضريبي وإعفاءات وتشجيعات أخرى. وبينت مداخلة برونو دي تورتو، عن فيدرالية الصحافة الدورية الجهوية، أن الصحافة المحلية تقوم بدور لا يمكن لأية وسيلة إعلام أخرى وطنية أن تضاهيها فيها، حيث تقدم للمواطن نظرة قريبة جدا من واقعه اليومي، أو بتعبير آخر ما سماه «بالميكرو خبر» الذي يقدم إضاءات مركزة حول القضايا الكبرى في حياة المواطن عن طريق فحصها في الوحدات الصغيرة المحلية والمجهرية. وكان الاستاذ جمال الدين الناجي، منسق الحوار الوطني، قد أطلق مفهوم glocalisation في محاولة للتأكيد على البعد الكوني للمقاربة المحلية، الأصيلة والجيدة والمبدعة، والتي من شأنها أن تنطلق من محيطها المحلي لتتخذ طابعا عالميا، بواسطة التكنولوجيات الحديثة، التي اعتبرها كل المتدخلين واقعا لا يمكن تجاهل تأثيره المتزايد و الذي لا حدود له. طرحت هذه القضايا الكبرى، بمساهمة فرعي النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بطنجة وتطوان، ومديري صحف محلية وصحافيين وجامعيين، وحقوقيين... الذين أكدوا أن الأمر لا يتعلق بصحافة وإعلام جهوي، ينبغي النظر إليه وكأنه مسألة هامشية، بل بقضية أساسية في البناء الديمقراطي والتنموي والجهوي والمحلي، التي تؤثر بشكل حاسم في المسار الوطني على كل الأصعدة.