تلقى اليمين الفرنسي أول أمس هزيمة كبيرة...ووقف الوزير الأول فرانسوا فيون أمام كاميرات قنوات بلاده ليعلن المسؤولية السياسية في الهزيمة، واستدعاه الرئيس نيكولا ساركوزي، في أول موقف سياسي لرئيس الدولة. وأصبح واضحا أن فرنسا لابد من أن تراجع خياراتها .. وبالرغم من أن الرئيس الفرنسي ظل يردد بأن الانتخابات الجهوية لا يمكن أن تكون لها إلا عواقب جهوية، وأن الدروس لن تتعدى الجهات، فقد سلم قادة اليمين بأن تعديلا تقنيا أصبح ضروريا للاستجابة إلى صوت الفرنسيين. بالرغم من نسبة الممتنعين عن التصويت، وبالرغم من الموكب الشعارتي والشعبوي لقراءة ماوقع، فقد كانت الطبقة السياسية، بيمينها ويسارها في موعد القراءة الوطنية المستقبلية للحدث. لم نسمع أي تأويل أو التفاف على السيادة الشعبية الفرنسية. ولا محاولة لتبخيس انتصارات اليسار من طرف اليمين. اليسار بدوره قرأ النتيجة، واكتفى بمطالبة الرئيس بتغيير أولوياته والانتباه إلى الأفق الاجتماعي الذي كشفت عنه صناديق الاقتراع. كان الرد سريعا، وواقعيا ويسلم بسيادة الناخب الفرنسي. من المصادفات الغريبة أن الاقتراع تزامن مع يوم النوم. ولم يستسلم الفرنسيون، من الطبقة السياسية كلها إلى وسائدهم الخالية والعامرة، وتركوا الشعب يصيح في وادها الديمقراطي، كما أن المنتخبين لم يدخلوا إلى البرلمان ووضعوا رؤسهم على صدورهم وناموا نومة رجل واحد أمام أعين الكاميرات. ما وقع أن الهدير السياسي ساءل الجميع، وسارع الجميع، بدون صياح، إلى استخلاص العبر التي تسمح بها المعركة. الذين تتبعوا القنوات الفرنسية تابعوا جلوس بيرتراند دولانوي، إلى جانب وزيرة الصحة اليمينية ونوعية النقاش، والفرنسيون يتابعون النقاش، كما شاهدوا ماري بوفي وهي تدافع عن الأطروحة الاجتماعية لمرشحي اليسار، وعن الخلاصات التي أصبحت مطروحة على يسارها ويسارالآخرين، وتابعوا أيضا قراءة بيتران كزافيي، وهو يحلل مضمون الإصلاحات التي لم تجد لها صدى لدى نصف الفرنسيين. ما يمكن أن يستخلصه المتتبع المغربي، هو أن الشأن الانتخابي اليوم لا يمكنه أن يمر بدون تأثير على المديين الشعبي والرسمي. وفي الوقت الذي لم يتبق فيه في فترة ساركوزي الرئاسية سوى عامين، تفادى الاشتراكيون الإعراب الصريح عن النصر، ولكن أوبري التي تعزز موقفها كزعيمة للحزب، قالت إن على الحكومة الإصغاء لرسالة الناخبين. ولم يتوقف الاحتجاج الشعبي، حيث دعت السي جي تي اليسارية إلى الوقوف مجددا ضد هذه الإصلاحات، لأنها لا تخدم فئات العمال والموظفين والفئات الوسطى من الفرنسيين. لم يتوقف النقاش، ولم ينحصر في تبادل العبارات العامة، ولم تتوقف الاحتجاجات، ودافع كل عن موقعه وعن أنصاره، ولكن الأساسي، كان الجميع يحمل فرنسا وقيمها في خطابه وفي قراءته لما يجري. اليسار استطاع أن يوفق بين مرشحيه، ولم يفشل سوى في جهة واحدة «بروطاني»، لأن الخضر والاشتراكيين تشبثوا بقراءة أحادية ومختزلة لنتائج الجولة الأولى. لم نسمع بأن الحوار دار حول الرمز لمن أو رئاسة اللائحة لمن، وكيف ومتى يمكن التوجه إلى الفرنسيين جماعيا. كان الموقف يحتاج جوابا يساريا عن انزلاقات يمينية وسياسات يمينية ومواقف يمينية.. فكان الجواب اليساري واضحا وشفافا وبلا مزايدات، وسعى الكل إلى أن يشارك في صياغة انتصار الشعب اليساري في فرنسا، وصياغة الأجوبة عوض الاكتفاء ب «سَجَّلْ عْلِيَّ نْسَجَّلْ عْلِيكْ».