تحقق لنساء أميركا اللاتينية نصر جديد عندما فازت لاورا شنيشيللا LAURA CHINCHIllA في انتخابات الرئاسة في كوستاريكا، وحصلت على 47% من أصوات الناخبين، بهذا الفوز تستحق شعوب أميركا اللاتينية أن تفخر بأنها حققت ما لم تحققه قارة أخرى، ففي أقل من ثلاثة عقود هي عمر الموجة الديموقراطية الثالثة، تولت منصب رئاسة الجمهورية في دول أميركا اللاتينية أربع نساء، سبقتهن جميعا إيزابيلا بيرون الزوجة الثانية للرئيس الأسبق خوان بيرون بعد عودتها من المنفى في إسبانيا، لتتولى تشفياً بالعسكريين، منصب رئاسة الجمهورية الأرجنتينية ومكتسحة في الانتخابات مرشحي المحافظين والأحزاب اليمينية. النساء الأربع اللائي تولين مناصب الرئاسة بعد إيزابيلا كن فيريزا موسكوزو MOSCOSO التي فازت بالمنصب في بنما عام 1999، وفيوليتا شامورو CHAMORRO التي تولت الرئاسة في نيكاراغوا في أعقاب الحرب الأهلية التي نشبت بين الساندينيين اليساريين وعصابات »الكونترا« المدعومة عسكريا من جهاز الاستخبارات الأميركية، وأموال من دول في الجزيرة العربية، وكريستينا فرنانديز كيرشنر التي رشحت نفسها للمنصب في الأرجنتين بعد انتهاء ولاية زوجها، وميشيل باتشيليت التي تستعد الآن لمغادرة قصر الرئاسة في تشيلي بعد انتهاء مدتها. ولهذه الأخيرة قصة ستذكرها أجيال الحركة النسائية في أميركا اللاتينية لسنوات عديدة مقبلة، وجدير بالحركة النسائية في مصر دراسة حالتها وتجربتها، فقد اعترف لها السياسيون في جميع أنحاء القارة اللاتينية ومن قابلتهم وتفاوضت معهم من قادة في العالم الخارجي، بأنها »أعطت السياسة لمسة ناعمة في بلادها وفي المحافل الدولية، واستطاعت خلال سنوات حكمها أن تقنع زعماء آخرين في أميركا اللاتينية بأن الدبلوماسية والقوة الناعمة أفضل بالتأكيد من الانشغال بالصراع والعنف، وبالطريقة نفسها تعاملت مع معارضيها في الداخل ومع منظمات المجتمع المدني والرأي العام«. ******** لا يعني هذا الاعتراف بمزايا سيدة تولت منصب رئاسة الجمهورية أن سيدة أخرى مكانها كانت ستحظى بالاعتراف نفسه، فعلى الجانب الآخر من الحدود، أي في الأرجنتين، عاشت الرئيسة كريستينا معظم أيام حكمها محرومة من حب الكثيرين في بلادها، لأنها استخدمت أساليب غير ناعمة في التعامل مع الفلاحين ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام وكبار معارضيها. ولا شك بأن أميركا اللاتينية تتميز على أقاليم أخرى، بل على الولاياتالمتحدة نفسها، بالنسبة العالية لمشاركة النساء في الحياة السياسية، وإن كانت هذه النسب تتراوح بين دول ودول أخرى في القارة. ففي الأرجنتين مثلا تصل نسبة النساء إلى مجمل أعضاء مجلس النواب الى الأربعين بالمئة، وهي نسبة يندر أن تكون في دول أخرى، وتصل في كوستاريكا إلى 37%، ولكن لظروفها الخاصة وإيديولوجياتها وتقدمها الاجتماعي تقف كوبا في الصدارة حيث تصل النسبة إلى 43%، بينما لا تزيد النسبة على 16% في الولاياتالمتحدة الأميركية. ويبدو أن هذا الاتجاه متصاعد وصارت المنافسة بعد نظم الحكم في الدول الناطقة بالإسبانية تدور غالبا حول تمثيل النساء في الحياة السياسية. ففي إسبانيا فاجأ ثاباتيرو رئيس الوزراء الاشتراكي أوروبا بأسرها عندما شكل حكومة، تسعة من وزرائها من النساء وثمانية من الرجال، وفي مجمل قارة أميركا اللاتينية يصل متوسط عدد الوزراء من النساء إلى ما نسبة 25% من مجمل الوزراء حسب دراسة حديثة أصدرها بنك أميركا اللاتينية للتنمية، وبعدها أعلن إيفو موراليس رئيس جمهورية بوليفيا أنه سوف يشكل حكومة جديدة يتقاسم مناصبها بالتساوي النساء والرجال. تثير تجربة مشاركة النساء بهذه الكثافة ملاحظات عديدة، بعضها يتعلق باستنتاجات لم تكن متوقعة، لوحظ مثلا أنه في معظم الحالات تتعرض النساء من السياسيين إلى معاملة فظة وغير متحضرة من أجهزة الإعلام، وأحيانا يجري التغافل كلياً عن نشر أخبار الوزارات التي ترأسها سيدات، ولا تخفي أوساط نسائية غضبها لاعتقادها أن تجاهل الإعلام إنجازات المرأة التي تعمل في السياسة سلوك متعمد وبنية سيئة، ويدل على أن مشكلة التحيز ضد المرأة ما زالت طاغية ومسيطرة على عقول الرجال. لوحظ أيضا أن منظمات تمكين المرأة والمنظمات المماثلة لها في المجتمع المدني، تميل إلى انتقاد المرأة التي تصل إلى مناصب حكومية. وتؤكد تقارير منشورة في أميركا اللاتينية أن الفجوة اتسعت على عكس ما كان متوقعا، بين الأحزاب السياسية، وبعضها تشكل النساء في عضويته نسبة النصف، وبين منظمات المجتمع المدني، ولوحظ أن المرأة، في بعض الحالات، تخلت عن معتقداتها الأيديولوجية عندما تولت المنصب الوزاري، وأصبحت أشد واقعية من أقرانها من الوزراء الرجال. تشير التجربة في أميركا اللاتينية إلى أن الحركة النسوية العالمية وصلت أخيرا إلى مستقر هدأت عنده وربما بدأت في إعادة النظر في مسلمات كثيرة نشأت في وقت ما من أواسط القرن العشرين ثم تضخمت، وبعضها تجاوز الحدود، وهي الآن تبحث عن نمط جديد تتناسق فيه مقدمات الحركة. ففي فرنسا مثلا شنت قطاعات قوية في المجتمع المدني حملة لتوعية النساء الصغيرات السن والفتيات المراهقات ليتخذن موقفا مؤيدا لحق المرأة في إجازة، تقوم فيها المرأة بإرضاع مولودها رضاعة طبيعية، وشعار الحملة »أمهات كاملات« يرضعن أطفالهن ويمكثن بجوارهم ستة أشهر على الأقل. وتقول إليزابيث بادينتر Badinter في كتابها بعنوان »الصراع والنساء والأمهات« إن »المرأة الكاملة« هي فكرة هدفها الضغط على النساء العاملات للإصرار على عدم العودة إلى العمل إلا بعد ستة أشهر من بدء إرضاع المولود الجديد، وعدم تعاطي مسكنات للألم خلال عملية الولادة والامتناع عن استعمال الحفاضات القابلة للتخلص منها بعد استخدامها والعودة إلى الحفاضات القابلة للاستخدام المتكرر، بالإضافة إلى ذلك تلتزم الأم الكاملة بأن ينام طفلها معها في فراشها ولا تتخلص منه، فينام منعزلا أو مع شخص آخر. تأتي هذه الحملة، في الحقيقة، في وقت تحاول دول عديدة في أوروبا إنقاذ نفسها من الذبول، وربما الزوال، إذ إنه مع استمرار انخفاض عدد المواليد وعزوف النساء عن الإنجاب كادت مدن صغيرة عديدة في إيطاليا، وفي ألمانيا خاصة، تخلو من الفتيات الصغيرات السن اللاتي يؤثرن الرحيل منها عن العمل في مدن ودول أخرى، يفضلن العمل خارج مدنهن وقراهن على البقاء والزواج وإنجاب أطفال فيها، حتى صارت مدن كثيرة في أوروبا تستحق ما قيل عنها »مدن بدون غرض في قارة بدون مستقبل«. لذلك، وفي وقت مبكر، أصدر البرلمان الأوروبي تحذيره الشهير في العام 1984، الذي جاء فيه أن نسبة نصيب أوروبا من سكان العالم قد تصل إلى نصف ما هي عليه في مطلع القرن الحادي والعشرين مقارنا بمنتصف القرن العشرين، وهو ما يعني حسب تحذير البرلمان أن مكانة أوروبا ستتقلص في العقود »المقبلة«. يضربون المثل بإيطاليا. إذا استمر معدل الخصوبة فيها على ما هو عليه، سيفقد 86% من سكانها الإيطاليين قبل نهاية القرن الحادي والعشرين. أما إسبانيا فلن يبقى على أراضيها من السكان الإسبان سوى 83%. إن استمرار تدهور نسبة الخصوبة في أوروبا سيؤدي إلى عجز شديد في عدد الفتيات، بمعنى آخر سيؤدي إلى نقص شديد في الطاقة الإنجابية، بما يعنيه هذا من تدهور في العائدات الضرائبية والقوة الإنتاجية. بمعنى آخر سيؤدي إلى أن مدناً كثيرة وربما دولاً لن تجد من يسكنها، ومساحات هائلة من الأراضي لا تجد من يفلحها وبنية تحتية هالكة لا تجد أموالا لإصلاحها. قارة أوروبا في انحدار، والسبب في الأصل أن المرأة الأوروبية اختارت الهجرة إلى العمل وفضلتها على الزواج ورفضت الإنجاب. لذلك تأتي تجربة النساء في أميركا اللاتينية درسا قيما للنساء في أوروبا وفي غيرها من القارات. هناك في أميركا اللاتينية استطاعت المرأة التوفيق بين الحاجتين، حاجة الخروج إلى العمل والحاجة إلى الإنجاب، وأضافت إليها حاجتها إلى أن تشارك الرجل في السياسة والحكم. ******** أقارن وأتألم. لا أصدق كيف سكتت المرأة المصرية عن آخر إهانة لحقت بها حين قرر عدد من الرجال حرمانها من حقها في أن تقف معهم ندا وشريكا في المواطنة والعدالة في ساحات مجلس الدولة. تنشر بالتزامن مع »الشروق« المصرية