في الصورة كبير الإعلاميين في سي إن إن بيل شنايدر مع الإعلامي المغربي محمد سعيد الوافي "" في غمرة الاستعداد الذي تشهده مدينة دنفر بولاية كولورادو لتنظيم مؤتمر الحزب الديموقراطي والذي يُنتظر أن يعتمد من خلاله المندوبون الممتازون والمندوبون العاديون المرشح الديموقراطي الشاب باراك حسين أوباما كمرشح رسمي للحزب لمنصب الرئاسة ونائبه السيناتور الديموقراطي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية جوزيف بايدن. وعلى وقع الهاجس الأمني تعيش المدينة بل والولاية بكاملها تشديدات أمنية غير مسبوقة حيث انتصبت الحواجز الإسمنتية وتمركزت فرق التدخل السريع وقوات الأمن ووحدات رجال الشرطة في كل التقاطعات القريبة من المركب الذي سيقام فيه المؤتمر..بل وأصبح من المستحيل على رجال الإعلام والصحفيين الوصول بسهولة إلى المراكز الإعلامية داخل المركب حيث لا تقل فترات الإنتظار في الطوابير عن الستين دقيقة الأمر الذي يعقد أكثر فأكثر عملية التغطية الإعلامية في دولة يعتبر الإعلام فيها الغذاء اليومي لعقول الملايين من المشاهدين والمستمعين وقراء الصحف المتلهفين لمعرفة أخبار المؤتمر وما يتستر في كواليسه من صراعات ومشاحنات بين أنصار المرشح باراك أوباما ومنافسته السابقة هيلاري كلينتون,علاوة على عشرات المظاهرات التي تنظمها العديد من الطوائف والتكتلات من المثليين إلى معارضي الحرب مرورا بمن يستغلون فرصة التواجد الإعلامي المكثف في مثل هذه المناسبات لرفع شعاراتهم الخاصة وقضاياهم المحلية وهو ما يستدعي معه توقف حركة السير واستنفار الأجهزة الأمنية.
قوات مكافحة الشغب في كل التقاطعات الطرقية
آخر استطلاعات الرأي وهاجس الإنقسام ففي آخر استطلاع للراي نظمته شبكة السي إن إن الأميركية ظهر بجلاء تعادل المرشح باراك أوباما مع منافسه الجمهوري جون ماكين بنسبة 47% مقابل 47% وهو الإستطلاع الذي تم مباشرة بعد إعلان جوزيف بايدن كنائب لأوباما.
قراءة سريعة لهذا التحول الدرامي في الرأي العام الأميركي توضح أن ما يناهز 27% من أنصار هيلاري كلينتون عاقدون العزم على التصويت للمرشح الجمهوري ليس استياءا من تسمية السيناتور جوزيف بايدن كنائب للرئيس ولكن تعبيرا منهم عن تذمرهم من تجاهل باراك أوباما لهيلاري كلينتون التي فازت في الإنتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي ب 18 مليون صوت متجاوزت باراك أوباك في الصوت الشعبي رغم فوزه بأصوات المندوبين.
الهاجس الأمني هو سيد الموقف في دنفر
ونحن في هذه المرحلة المتقدمة من الحملة وعلى بُعد أقل من ثمانين يوما من الإنتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأميركية , يبدو جليا أن باراك أوباما لا يستند على قاعدة شعبية متينة داخل الولاياتالمتحدة رغم شعبيته الدولية وشعاراته التي اجتذبت الملايين من الشباب والشرائح المهمشة في العالم.. فالعالم وسكان الكرة الأرضية لا يصوتون في الإنتخابات الأميركية وتبقى الكلمة الطولى فيها للأميركيين بديموقراطييهم وجمهورييهم ومستقلييهم الأمر الذي يضعنا أمام حقائق جديدة وواقع جديد لربما يشكل فيه فوز الجمهوريين بالبيت الأبيض للمرة الثالثة على التوالي مفاجئة كبيرة خصوصا إذا أخضعنا تحليلاتنا لسلطة الواقعية التي لا تؤمن بالحماس والشعارات .. فحملة الجمهوريين الإنتخابية لا تتوانى في تصيد كل صغيرة أو كبيرة من هفوات المرشح الديموقراطي كما أن الحزب الجمهوري نجح وبامتياز في استقطاب الشرائح المعتدلة والمحافظة من الديموقراطيين وخصوصا من ذوي الأعمار المتوسطة والمسنين ممن صوتوا لهيلاري كلينتون في المراحل التمهيدية.
كلها عناصر جديدة متجددة سبق وان تطرقت مقالة في مقالة سابقة حملت عنوان :
((لهذه الأسباب قد يخسر الديموقراطيون في الإنتخابات الرئاسية الأميركية )) والتي نشرها موقع هسبريس: http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=6877
وأبرزت من خلالها أن إختيار أوباما لهيلاري كنائبة له يضعه أمام تناقض صارخ ونفس الشأن بالنسبة لهيلاري لو أنها فازت بترشح الحزب ..... فاوباما صنف كلينتون وعلى مدى خمسة أشهر ضمن من سماهم بساسة واشنطن التقليديين ونادى بالتغيير الشامل فكيف يفسر لمناصريه إختيارها لمنصب نائب الرئيس.؟ ....
وهو بالفعل ما حدث فبالرغم من فوز المرأة بأغلبية أصوات الديموقراطيين لم يكن من السهل على باراك أوباما تجاوز الأحقاد التي تراكمت في نفوس مناصريه ضده المرأة التي كانت خصما عنيدا بل ولعب زوجها بيل كلينتون دورا كبيرا في تعميق هذه الأحقاد بتصريحاته النارية ضد المرشح باراك أوباما .. لكن كل هذا يبدو اليوم جزءا من الماضي – ماضي لا يمكن تجاوزه على أية حال – وأصبحت هيلاري كلينتون اليوم العصب الرئيس في حملة أوباما ومن أكثر دعاة إنتخابه بل وحتى زوجها بيل كلينتون يسير في نفس المنحى لإنقاذ الحزب وقطع الطريق على الجمهوريين.بينما يرى آخرون أن دعم هيلاري وزوجها لأوباما إنما يعتبر تمتينا لشعرة معاوية بتركهم طريق التواصل قائما في حالة خسارة أوباما تكون هيلاري الأقدر على مزاحمة ماكين سنة 2012 .
لكن السؤال الرئيس الذي يظل عالقا ويفرض نفسه على عشرات الآلاف من زوار مدينة دنفر هو لماذا استثنى باراك أوباما هيلاري وهي السيناتورة الشهيرة ليختار سيناتورا مخضرما ويشغل المنصب منذ سنة 1972 ؟ الا يمكن إعتبار جوزيف بايدن ضمن تلك الكوكبة التي كان ولا يزال باراك أوباما ينادي بضرورة تطهير واشنطن منها .. ؟
إن معظم من حاورناهم هنا في دنفر من أنصار هيلاري أبدوا إحساسا بالغبن وأكدوا ان العيب ليس في أوباما ولكن في مديري حملته الذين يكنون العداء لهيلاري ولزوجها .. لتتحول حملة الديموقراطيين إلى حلبة لتصفية الحسابات لربما تُعرضهم لخسارة البيت البيت الأبيض .. ولعلي من القلائل الذين حذروا ومنذ فترة مبكرة من هذه الحملة أن باراك أوباما يحمل الكاريزما ولا يتوفر على الإجماع , يحمل الآمال ولا يتوفر على الحنكة والواقعية , يصل إلى قلوب الشباب ولا يستطيع إقناع الشرائح الأكثر إلتزاما بالتصويت وهم المسنون.
فالشاب على درجة كبيرة من الثقافة والإضطلاع لكنه بريء لدرجة السذاجة في التعامل مع محنك سياسي ومحارب سابق مثل جون ماكين ..
دنفر إذن ورغم أن مؤتمرها لا يعدو يكون مناسبة إستعراضية وفرصة للترويج للحزب قد تتحول إلى محطة مهمة سوف يقتضي تذكرها ولعقود في مستقبل السياسة الأميركية.
وقبل الختام اسمحوا لي أن أتحفكم بهذه المقارنة البسيط :
في الوقت الذي يجتمع فيه الديموقراطيون في دنفر للإحتفال بانتخاب باراك أوباما مرشحا للرئاسة في انتخابات ديموقراطية شهدت ندية وصراعا محتدما, اجتمع المغاربة كذلك في دنفر لتشكيل مكتب جمعية التحالف المغربي في أميركا لكن الفرق أن مغاربة أميركا لم ينتخبوا الرئيس ديموقراطيا بل عينوه بالبركة ونيابة عن جمعياتهم الوهمية منها والحقيقية .. (الهَم إذا كثر كيضحك)