تطمح مدريد، وهي التي دافعت عن علاقات تفضيلية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إلى تعميق الصلات بين الطرفين لدعم الإصلاحات الجارية في المغرب في ظل العهد الجديد، ما يضمن لإسبانيا في المستقبل جارا مستقرا، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، سيجعل منه سدا منيعا في وجه الظواهر التي تخشاها هي ومجمل القارة الأوروبية، من قبيل الهجرة السرية والإرهاب والمتاجرة في الممنوعات، فضلا عن التحديات الأخرى المناخية والبيئية ومن دون شك ، فإن حكومة مدريد، وليس رأيها العام، تشعر بنوع من الامتنان للمغرب، كونه خلصها من الأزمة الورطة التي فجرتها الناشطة الصحراوية، أمينة حيدر، في مطار " لانثاروتي" بالأرخبيل الكناري، حيث أضربت عن الطعام لمدة تجاوزت الشهر، جربت خلالها الدبلوماسية الإسبانية قدرتها على تدبير الأزمات المستعصية بمفردها وبتنسيق مع الآخرين. وإذا كانت الرباط لم تطلب تعويضا مقابل إبداء المرونة بل التراجع حيال ملف الناشطة الصحراوية المزعجة، فإنها قد تراهن على الرئاسة الإسبانية لتلقي الأخيرة بثقلها المادي والمعنوي في أفق التسريع بإيجاد حل لنزاع الصحراء الذي سيستمر في العام الجاري بعد ثلاثة عقود ونصف على اندلاعه.وفي هذا السياق، كان لافتا للمراقبين، أن التوصل إلى حل لملف الناشطة الصحراوية، تحقق نتيجة تضافر جهود ثلاثة عواصم، عدا المغرب، هي باريس ومدريد وواشنطن، التي يمكنها نظريا أن تكرر المحاولة مع ملف الصحراء برمته، خاصة وأن الأزمة الأخيرة رغم طابعها الإنساني والحقوقي، فإنها كشفت عمق الخلاف وتباعد وجهات النظر بين المغرب والجزائر. وتلك حالة لا يمكن أن يغيرها إلا ضغط دولي مؤثر. والمؤكد أن تكامل المساعي بين فرنساوإسبانياوالولاياتالمتحدة، إذا ما تحقق، بشأن موضوع الصحراء من شأنه أن يحرك القضية. وسيكون اجتماع مجلس الأمن في إبريل (نيسان) المقبل فرصة لمعرفة التقدم الحاصل في الملف الصحراوي وامتحانا لنجاعة الدبلوماسية الأوروبية التي تتولى شؤونها البريطانية كاترين أشتن التي خلفت في المنصب الإسباني خافيير سولانا، تطبيقا للبنود الجديدة المضمنة في اتفاق لشبونة الذي حدد العام الماضي، الأسس الدستورية والمؤسساتية لانطلاق أوروبا 27. التي أصبح لها رئيس مستقر في شخص البلجيكي هيرمان فان رومبوي، ما سيسهل مهمة رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس سباتيرو، ويعينه على تنفيذ الأجندة الحافلة لرئاسته، إذ تمت برمجة 350 لقاء أوروبي، تتراوح بين مؤتمرات واجتماعات على أصعدة سياسية مختلفة، ضمنها 12 قمة لرؤساء الدول والحكومات الأوروبية، ستنظر في السبل الكفيلة للخروج من الأزمة المالية الحالية وتخطي الركود الاقتصادي الذي تضررت منه إسبانيا أكثر من غيرها. وفي هذا الإطار، تطمح مدريد بالنظر إلى روابطها التاريخية الثقافية والدينية مع دول أميركا اللاتينية الناطقة باللغة الإسبانية، إلى توسيع الحضور الأوروبي لدى تلك الشعوب ، حيث ستنعقد القمة الأوروبية مع دول أميركا اللاتينية والكاريبي في مدريد في غضون شهر مايو(آيار) المقبل، كما ستبحث إمكانيات تطوير الشراكة بين الاتحاد الأوربي ودول "الميركسور" وبذل جهود أكبر من أجل فك الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه كوبا، في مقابل الانفتاح السياسي الذي بدأت "هافانا" تباشره باحتشام، منذ تنحي الزعيم فيديل كاسترو، الذي اسلم رئاسة الدولة والحزب لشقيقه "راوول" وزير الدفاع السابق. وعلى صعيد جوارها الإقليمي، تنظم الرئاسة الإسبانية لقمة رؤساء دول وحكومات ضفتي البحر الأبيض المتوسط وتعول مدريد على نتائج قمة الاتحاد الأوروبي مع الولاياتالمتحدة، حيث سيحضر لتلك الغاية إلى مدريد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سبق له أن التقى رئيس الوزراء الإسباني، فوضع الاثنان حدا للأزمة بين بلديهما جراء الخلاف بين الحكومة الاشتراكية الإسبانية والإدارة الأميركية السابقة . وتشعر أوروبا أن سياسة التشاور التي ينهجها البيت الأبيض في عهد أوباما، تقرب القارتين من بعضهما خاصة وأنهما يواجهان تحديات وأزمات مشتركة، تسببت السياسات الأميركية في الكثير منها : العراق ، أفغانستان ، الشرق الأوسط. إيران... وعلى المستوى الشخصي، يلتقي الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسباني، في الكثير من وجهات النظر والمواقف ، بحكم الخلفية الفكرية التي يستندان عليها وتقاربهما في العمر، ونزعتهما نحو الإصغاء إلى نبض الشعوب وقناعتهما بتشابك المصالح الدولية وتعقدها، ما يعني أن المقاربات المتعالية على الآخرين المتفردة باتخاذ القرارات لم تعد نافعة . وانسجاما مع تلك القيم ،فإن رئيس وزراء إسبانيا ، التزم في أول خطاب له موجه إلى أوروبا، بالعمل على تنشيط المؤسسات الدستورية والهياكل الجديدة في الاتحاد وجعلها أكثر قربا من انشغالات المواطنين، مع الدعوة إلى تكثيف الجهود للخروج من نفق الأزمة الاقتصادية . لن تكون للرئيس الإسباني مطلق السلطات، إذ سيقاسمها مع رئيس الاتحاد المنتخب ورئيسا المفوضية والدبلوماسية، فضلا عن التنسيق مع البرلمان الأوروبي، لكن على الرغم من كون سباتيرو اشتراكي، وسط حكومات أغلبها من اليمين والوسط ، فإن الملاحظين يتوقعون له النجاح في مهامه على غرار أسلافه .