في الصورة منظر عام لمدينة سبتةالمحتلة يرفض المغرب الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وجملة من الجزر الأخرى، ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وسكانها الأصليون مغاربة. وظل يطالب، رغم برودة حدة مطالبته، إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة لاسترجاعها، علما أنها إحدى أواخر معاقل الاستعمار في إفريقيا. تجتاز المدينتان السليبتان فترة تتميز بغضب سكانهما الأصليين بفعل الوضعية الدونية التي يعيشونها؛ وهي حركية، يرى الكثيرون حاليا أنه وجب تدعيمها من طرف المغرب، حكومة وأحزابا ومجتمعا مدنيا وشعبا، لكون أن الوقت قد حان للمطالبة جهرا باسترجاع كل الجيوب المغربية المحتلة من طرف إسبانيا، دون انتظار ربط ذلك بمآل صخرة جبل طارق التي تطالب مدريد باسترجاعها من بريطانيا. فبالرغم أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا تبدو ظاهريا جيدة، فإن العلاقات السياسية والدبلوماسية لا ترقى إلى درجة المتانة التي تمتاز بها العلاقات الاقتصادية، ولعل السبب الكامن وراء هذا الواقع هو استمرار وضعية المدينتين السليبتين، سبتة ومليلية، والجزر المحتلة تحت الاحتلال ومما يشكل شوكة بارزة في تخليق العلاقات بين البلدين الجارين؛ فإسبانيا تعد الشريك الاقتصادي الثاني، بعد فرنسا للمغرب، إلا أن الخلافات بينهما تمتد تاريخا، فيما قبل الحقبة الاستعمارية، وهي أمور مؤهلة لتظل سببا حاضرا باستمرار في نزاع مستدام. - لكن كيف يعيش المغاربة بالمدينتين السليبتين؟ إن الواقع الفعلي الذي يعيشه السكان الأصليون لسبتة ومليلية، مخالف تماما لما تروّج له الدعاية الرسمية الإسبانية وسط الرأي العام الدولي، ففي الواقع توجد بالمدينتين السليبتين تجاوزات منافية لحقوق الإنسان، الشيء الذي دعا إلى الاحتجاج. وقد تكاثرت دواعي هذا الاحتجاج خصوصا بعد تفجيرات مدريد في 11 مارس 2004، والتي حركتها جل المكونات السياسية والدينية للسكان الأصليين المغاربة. آنذاك برزت تصريحات إسبانية رسمية أججت غضب مغاربة المدينتين السليبتين. وكان رد فعل المخابرات الإسبانية، التي تضم شخصيات من الحزب الشعبي اليميني، الذي حكم إسبانيا في الفترة ما بين 1996 و2004، انطلاق حملة قوية ضد المغرب بالتركيز على مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، حيث عمد اليمين الإسباني إلى رفض أي تفاهم، كما عمل على كشف جملة من التقارير أُنجزت خلال الأيام الأخيرة من حكم الجنرال فرانكو. فبعد انفجارات مدريد سارع اليمين إلى إخراج ثلاثة تقارير للنور لإذكاء الحقد على السكان الأصليين للمدينتين السليبتين ضدا على المغرب، وتم ذلك في فترة تفاقمت فيها الأزمة بين الرباطومدريد بخصوص قضية الصيد البحري وجزيرة "ليلى"، فقد طالب التقرير الأول الحكومة الإسبانية بتشديد المراقبة على المدينتين وإرسال المزيد من عناصر المخابرات إليهما. أما التقرير الثاني فحض على مراقبة المساجد بمدينة سبتة، وبالخصوص أربعة عشر منها، إذ قيل إن الدولة المغربية تقوم بتمويلها بواسطة مندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتطوان. وهناك تقرير ثالث يهم مدينة مليلية، جاء فيه أنها أصبحت مركزا لتجارة المخدرات وتبييض الأموال. آنذاك اعتبرت الحكومة الإسبانية في مدريد مليلية المحتلة من بين أولوياتها في محاربة التهديد الإرهابي الإسلامي. لاسيما وأن اليمين الإسباني رأى أن كل ما قام به الحزب الاشتراكي مع المغرب، مجرد رزمة من التنازلات والتراجعات. وقتئذ كان البعض ينتظرون من المغرب الضغط على مدريد للمطالبة بسبتة ومليلية والجزر السليبة، إلا أن هذا لم يتم. في ظل هذه الظروف، وبالرغم من أن الخطاب الإسباني الرسمي يعتبر مغاربة سبتة ومليلية (أصحاب الأرض) إسبانيين كاملي المواطنة، إلا أنهم يعيشون واقعا من الإقصاء والتهميش الممنهجين على جميع الأصعدة. وتعمل السلطات الإسبانية على التصدي لأدنى احتجاج أو مطالب صادرة عن مغاربة المدينتين السليبتين خوفا من تحولهم إلى جماعة لهم حق تاريخي وحق جغرافي، وهذا ما تخشاه وتتخوف منه مدريد. ورأى البعض أن على السلطات المغربية والقائمين على الأمور بالمغرب، تفعيل هذا المسار باعتباره السبيل الأنجع لتهييء التربة والظروف للمطالبة باسترجاع الجيوب المحتلة. لكن لتفويت هذه الفرصة، بدأت السلطات الإسبانية منذ مدة تسعى للاعتراف باللغة الأمازيغية بالمدينتين المحتلتين. وحسب جملة من المحللين، إذ سارت الأمور على هذا المنحى، ستصبح مدينة مليلية مركزا وقبلة لمن يريدون تغيير الأوضاع في منطقة الريف، وهو أمر وجب الانتباه إليه منذ الآن قبل فوات الأوان. كما أن هناك محللين إسبان يرون أن مستقبل الريف رهين حاليا بدرجة الاعتراف باللغة الأمازيغية في سبتة ومليلية، لاسيما وأنه من السهل بمكان القيام بذلك ما دام الدستور والقانون الإسبانيان يضمنان لغة الأقليات، وقد قبلت جملة من الأحزاب السياسية الإسبانية هذا الاقتراح ويمكنها دعمه والدفاع عنه. وفعلا عملت السلطات الإسبانية على جعل اللغة الأمازيغية شبه رسمية في المدينتين السليبتين ومحاربة اللغة العربية للقضاء على الرابط القومي للسكان المسلمين مع المغرب والعالم العربي والإسلامي. يظل مسلمو إسبانيا يتصدرون قوائم العاطلين والتسرب المدرسي في إسبانيا، وإن أحياءهم غالبا ما تفتقر إلى جملة من الخدمات الأساسية؛ ومن أشهر الأحياء المهمشة، حي "البرينسيبي" بمدينة سبتة، الذي يتمركز فيه المغاربة، وهو حي مهمش لا تليه السلطات المحلية والوطنية أي اهتمام، ما عدا المزيد من تعميق اقصائه وإقفال الطريق على سكانه للاستفادة من فرص الشغل عن طريق الدورة الاقتصادية. ولم تخف السلطات بأنها تعتبر هذا الحي فضاءا لتفريخ الإرهاب وزرع مشاريع انتحاريين. وفي هذا الصدد أشارت دراسة أعدتها جامعة "غرانادا"، إلى التحذير من التنسيق الحاصل بين مافيا المخدرات والجماعات الجهادية واحتمال استخدام هذه الأخيرة لشباكات وسائل مافيا التهريب والمخدرات. إن واقع التهميش والإقصاء الذي يعيشه مغاربة سبتة ومليلية دفع جملة من المحللين إلى دق أجراس خطر بروز المزيد من التطرف، وقد استدلوا على ذلك بظهور أصوات تدعو إلى إعداد العدة لاسترجاع الأندلس، وهو مطلب انطلق من الجزائر وبدأ يلقى صدى وسط شباب حي "البرانسيبي" بمدينة سبتة، وفي هذا المضمار تحدثت بعض الصحف الإسبانية عن وجود جماعة تدعى جماعة تحرير الأندلس. وبخصوص التمثيلية السياسية، يبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي السبتي (نسبة لمدينة سبتة)، هو الحزب الذي يحتكر تمثيلية المسلمين في البرلمان المحلي، هذا علاوة على الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يقوده مصطفى أمزيان (4 نواب محليين من أصل 25)، كما أن مدينة سبتة تحتضن 9 منظمات إسلامية ومجلس علماء المدينة الذي يضم أئمة المساجد بها. وبمدينة مليلية يرأس مصطفى أبرشان حزب التحالف من أجل مليلية، وتوجد بها 4 جمعيات دينية وثقافية ينضوي تحت لوائها المسلمون المغاربة. تكريس الاحتلال وترسيخه.. هذا هو الموقف الإسباني تسعى مدريد دائما إلى تكريس احتلال الجيوب المغربية السليبة، وتراهن السلطات والأحزاب السياسية الإسبانية، سواء بسبتة أو مليلية على توسيع صلاحية قانون الحكم الذاتي لأنه يوفر لمعمري المدينتين السليبتين مصالح ذاتية تمكنهم من تخليد الوجود الإسباني بهما تفاديا لكل إمكانية أن تصبح الأمور بيد السكان الأصليين، المغاربة، على مستوى تدبير الشأن العام المحلي، ما دام نموهم الديمغرافي في تصاعد مستمر. في العمق، لازال الموقف الإسباني من المغرب عدائيا، وتبرز هذه النزعة العدائية كلما طفت أزمة إلى السطح. وفي هذا المضمار سبق لأحد البرلمانيين الإسبان أن صرح قائلا: "إن المغرب اختار توقيف العمل مع إسبانيا باتفاقية الصيد البحري، ومعنى ذلك أنه اختار أن يعرض شعبها للجوع. إنها الحرب وعلينا أن نعمل بالمثل مع المغرب". كما أن أزنار، رئيس الوزراء الإسباني قال في يناير 2000: "إن فشل المفاوضات [الخاصة بالصيد البحري] ستكون لها عواقب سلبية"، كما ظلت مدريد تمسك المغرب من اليد التي توجعه، قضية الصحراء ووحدته الترابية، لإشغاله عن الالتفات إلى وضع مغاربة المدينتين السليبتين، سبتة ومليلية. وتحسبا للمستقبل، لم ينص الدستور الإسباني على حدود التراب الإسباني والمناطق المكونة للدولة، لكن عملت مدريد على "أسبنة" المدينتين السليبتين سكانيا وعمرانيا واقتصاديا وثقافيا، وهي بصدد "أسبنتها" دينيا الآن، لضمان في أقصى الحدود، يخص مطالبة سكانها باستقلال ذاتي عن إسبانيا والمغرب معا. ويبدو أن تشبث المغرب بالمطالبة بالمدينتين المحتلتين سيجعل إسبانيا تطالب بإجراء استفتاء ترعاه الأممالمتحدة لأنها على يقين أن النتيجة لن تكون لصالح المغرب. من مفارقات الموقف الإسباني أن مدريد ظلت تطالب بحقوقها التاريخية في جبل طارق، لكنها ترفض نفس المطلب بالنسبة للمغرب بخصوص سبتة ومليلية، وذلك رغم أن صخرة "جبل طارق" سلمت لبريطانيا عن طيب خاطر، أما المدينتان المغربيتان فقد احتلتا بقوة السلاح والنار. لازالت مدريد تنظر إلى المدينتين السليبتين على أنهما أرض إسبانية لا جدال ممكن بصددها، كما ترى في المغرب مصدر خطر دائم عليها، ألم ينشر أحد الصحفيين الإسبان في الثمانينات كتابا تحت عنوان: "المغرب وإسبانيا أو الحرب العالمية الثالثة؟"، والذي أكد فيه أنه بالرغم من المظاهر الإيجابية للعلاقات المغربية الإسبانية، يظل شبح الحرب قائما بسبب النزاع حول سبتة ومليلية، وهو أمر لا يمكن تجاوزه، كما أنه تم الكشف على أن الجيش الإسباني أعد سنة 1991، إبان حرب الخليج الثانية، خطة هجومية ضد المغرب تحسبا لأي حالة مواجهة. لكن من حين لآخر تبرز أصوات إسبانية تدعو إلى الرجوع إلى الموضوعية، ومن هذه الأصوات الصحفية الإسبانية "كارلا فيبلا" الداعية إلى وضع حد لاحتلال سبتة ومليلية والجزر الجعفرية في آخر كتاب تحت عنوان: "إسبانيا – المغرب، انطلاقا من ضفة الجنوب، العلاقات الإسبانية المغربية: وجهات نظر وأفكار". مدريد تعتمد "الأسبنة" من أساليب "الأسبنة" التي اعتمدتها مدريد إغراء الشباب المغربي من أهالي مدينتي سبتة ومليلية إلى حمل الجنسية الإسبانية مقابل الاستفادة من منح التجنس (2500 درهما) وتسهيلا للحصول على عمل والإعفاء من الضرائب التجارية. موازاة مع ذلك انتهجت مدريد سياسة تضييق الخناق على المغاربة المسلمين ومنعت بناء المساجد وفتح الكتاثيب القرآنية والحد من تحركاتهم، ومنعت الآذان وعقدت امتلاكهم للعقارات بالمدينتين السليبتين، رغم أنهم أصحاب الأرض الشرعيين. ولم تكتف بهذا القدر، وإنما لجأت السلطات الإسبانية إلى فرض طوق من الفقر والحرمان على المغاربة الذين حافظوا على هويتهم ورفضوا الإندماج في المجتمع الإسباني، إذ فرضت عليهم الحصول على الجنسية الإسبانية ليتمكنوا من حق الاستفادة من حقوقهم كمواطنين، علما أن الذين اضطروا للحصول على الجنسية ظلوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. لم تترك إسبانيا أية فرصة تمر لإبعاد المغرب والمغاربة عن التفكير في المطالبة بالأراضي المغربية التي مازالت تستعمرها وتحتلها غصبا، ولعل من المكائد التي ابتدعتها مدريد في هذا الصدد، السماح للمورسكيين (المغاربة من أصول أندلسية) بالسفر إلى إسبانيا بدون تأشيرة ومنحهم التسهيلات للحصول على وثائق الإقامة والجنسية. ومن المعلوم أن المورسكيين هم المسلمون الذين هاجروا من الأندلس في القرن الخامس عشر بعد سقوط غرناطة سنة 1492، إبان حملات التهجير خلال سنتي 1609 و1610، واستقر معظمهم بفاس وتطوان والشاون وسلا، وحسب الإحصائيات الإسبانية هناك أكثر من 4 ملايين من أحفاد الموريسكيين الأندلسيين. لم تر مدريد بعين الرضا إنشاء ميناء تطوان، وهو من بين الأسباب التي ساهمت في كهربة العلاقات بين البلدين اعتبارا لانعكاسات هذا المشروع اقتصاديا على مدينة سبتة بخصوص استفادتها من التهريب، وكذلك باعتبار أن الشروع في انجاز ميناء ضخم بواد الرمل بين تطوان وطنجة يعتبر خطرا أكيدا في عيون مدريد، لاسيما على الوجود الاستعماري وعلى مستقبل الجيوب المحتلة التي تعيش على ظهر المغرب. ضبابية الموقف المغربي من حين لآخر كان المغرب يثير موضوع المطالبة ببعض الأراضي التي ظلت تحتلها إسبانيا، هكذا تختزل الذاكرة الشعبية الموقف الرسمي المغربي. لقد ظل الموقف المغربي بهذا الخصوص محتشما جدا، يكاد بالكاد يكون موقف دفاع حسب الظروف، كأنه لا يتوفر على أي هامش للتحرك بفعل النفوذ الاقتصادي الإسباني بالمغرب، بدءا بحجم المبادلات التجارية وكذلك الاستثمارات الإسبانية ببلادنا وحجم الدين الخارجي. فالمبادلات التجارية تشكل نسبة ما بين 13 و15 في المائة من إجمالي الصادرات المغربية، وتحتل إسبانيا المرتبة الثانية بعدد سياحها (260 ألف تقريبا) يوفرون للمغرب أكثر من مليار درهم، وعائدات المغاربة المقيمين بالديار الإسبانية، وقد سبق أن بلغت الديون الإسبانية المستحقة للمغرب ما يناهز 13 مليار درهم. عموما لم تكن مواقف المغرب حازمة تجاه اسبانيا، على سبيل المثال لا الحصر، عندما اشتدت معارك جيش التحرير بالصحراء مع فجر الإعلان عن الاستقلال، حيث اكتفى المغرب بقبول استرجاع مدينة طرفاية في أبريل 1958 وترك الباقي رغم أن الظروف كانت مواتية للضغط على إسبانيا، كما أنه لانتزاع استرجاع سيدي افني قايض المغرب مدريد سنة 1969 باتفاقية الصيد البحري. إن المطالبة بعودة المدينتين السليبتين ظلت مطروحة منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهذا ما دأبت على إبرازه الحركة الوطنية، كما طالب المغرب من الأممالمتحدة التدخل من أجل إيجاد حل عادل على أساس أن تعود السيادة المغربية على الجيوب المحتلة مع المحافظة على المصالح المشروعة للجاليات الإسبانية الموجودة بسبتة ومليلية. كان الملك الراحل الحسن الثاني قد نادى بخطة خاصة لتحرير المدينتين السليبتين بربطهما بقبول بريطانيا إعادة صخرة جبل طارق إلى إسبانيا، وسبق له أن اقترح على الملك خوان كارلوس تأسيس خلية مشتركة للتفكير في إيجاد حل، إلا أن الغطرسة الإسبانية أدت بها إلى تجاهل الاقتراح، جملة وتفصيلا، ولم تعره آي اهتمام. فبعد حادثة جزيرة "ليلى"، التي تقع ضمن السيادة المغربية من منظور القانون الدولي، عززت مدريد وجودها العسكري في بعض الجزر المغربية الخاضعة لسيطرتها، وكان هذا رد فعل لقيام المغرب بإنشاء مركز مراقبة على الجزيرة والذي اعتبرته مدريد إنهاءا من جانب واحد للعمل باتفاق حاصل بين البلدين مفاده بقاء الجزيرة غير المأهولة (14 هكتارا والتي تم تحريرها سنة 1956) منزوعة السلاح، علما أن إسبانيا حاولت سنة 1979 الاقتراب من جزيرة ليلى لإدراجها ضمن نظام الحكم الذاتي الخاضعة له محمية سبتة، وتأكد مرة أخرى التموقع الضعيف للمغرب في النازلة حيث حصل اتفاق بين محمد بن عيسى، وزير الخارجية والتعاون، ونظيرته الإسبانية آنذاك، "أنا بلا سيو"، يوم 22 يوليوز 2002، على إرجاع الجزيرة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل اندلاع أزمتها، أي خالية من الوجود العسكري والإنساني بشكل عام ومن أي مظهر من مظاهر السيادة لكلا البدلين، وهذا أمر أظهر بجلاء ضعف الموقف المغربي بخصوص أرض حُسِمَت منذ حصول بلادنا على استقلالها سنة 1956، وهكذا بدا واضحا تقابل بين قوة الحق (بجانب المغرب) وحق القوة (بجانب إسبانيا). فما تخشاه إسبانيا إلى حد الآن هو انطلاق مسلسل مطالبة المغرب بكل المساحات التي مازالت تحتلها مدريد، بما في ذلك جزر الكناري. ظل موقع المغرب ضعيفا بهذا الخصوص رغم مساندة عربية ودعم الاتحاد البرلماني العربي الذي يساند المغرب في مطالبته بالمدينتين السليبتين والجزر المحتلة، إذ أكدت قرارات مجالسه ومؤتمراته على هذه المساندة، كما طالبت الحكومة الإسبانية الدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب عبر تفعيل مقترح الملك الحسن الثاني. بالرجوع إلى ظروف نشأة الدولة العلوية يتبين بجلاء أن السلطان (الملك) العلوي، منذ القرن السابع عشر الميلادي، هو أولا السلطان المحرر، محرر الأراضي المغتصبة من طرف المستعمر، وكان لزاما أن يكون كذلك، وقد تأكد هذا المعطى منذ النشأة الأولى للدولة العلوية، وحسب مختلف الروايات التاريخية، أن مؤسس هذه الدولة، مولاي علي الشريف، بويع للقيام بوظيفة رئيسية وهي قيادة المجاهدين لتحرير السواحل المغربية وطرد الجيوش الاستعمارية، لاسيما الإسبانية والبرتغالية، وسار على خطاه السلاطين العلويون الذين جاءوا بعده إلى أن أتى استعمار القرن العشرين الذي حكم قبضته على البلاد إلى حدود منتصف الخمسينيات، ثم حصل المغرب على استقلاله المبثور في ظل الملكين محمد الخامس وابنه الملك الحسن الثاني، ففي عهد الأول حرر الجزء الأكبر من البلاد، وتحررت جيوب استعمارية في عهد الحسن الثاني (طرفاية، سيدي افني)، ورث الملك محمد السادس ملف الصحراء، ولا تزال سبتة ومليلية وجزر أخرى في انتظار التحرر، وقد ترسخت قناعة لدى المغاربة منذ نشأة الدولة العلوية، وهي ضرورة خوض معركة التحرير كلما ظهرت دواعي لذلك، ومنذ عهد الملك محمد الخامس منحت الأولوية، بخصوص التحرير، للسياسي على العسكري والعمل على استثمار التناقضات الدولية بدلا من خوض مواجهات تستنزف القدرات المحلية. ما موقع العم سام في القضية؟