أكد خبراء مغاربة أن حصيلة الشراكة المغربية مع الاتحاد الأوروبي، التي بدأت بصيغتها الشاملة عام 1996 بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، لم تكن في مستوى تطلعات مؤسسات المغرب المدنية والسياسية، التي رأت أن الاتحاد عمل على تغليب مصالحه مقابل ضمان مصالح الطرف الثاني. وأوضح الدكتور المنصوري أستاذ الاقتصاد بجامعة مراكش والخبير الدولي في مجال التنمية الاقتصادية أن الاتحاد الأوروبي نجح في مساعدة المغرب على ضمان التوازنات الماكرواقتصادية الكبرى، في الوقت الذي عرف فيه مجال التوازن الميكرواقتصادي، المرتبط أساسا بالمواطن البسيط، خللا كبيرا تستدعي دراسته وإعادة النظر فيه بما يضمن مصالح غالبية المواطنين. جاء ذلك خلال الدورة التكوينية حول آليات الشراكة المغربية الأوروبية التي نظمتها الشبكة المغربية الأورومتوسطية للمنظمات غير الحكومية بالعاصمة الرباط ما بين 23 و25 أكتوبر الجاري. وعرفت الدورة نقاشا حادا بين جمعيات المجتمع المدني الحاضرة التي شددت في تدخلاتها على أن العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي يجب أن تعرف مراجعة شاملة بما يضمن توازنها وعملها على ضمان مصلحة الطرفين معا، وليس فقط مصالح دول الضفة الشمالية. وضرب بعض المشاركين مثلا بقضية حقوق الإنسان في المغرب وكيف أن الاتحاد غض الطرف عن كثير من ملفاتها الساخنة مقابل تركيز شديد على مصالحه الاقتصادية، مضيفين بأن كل المؤشرات توضح بجلاء بأن الاتحاد الأوروبي لا يهمه البناء الديمقراطي كما تتصوره هيئات المجتمع المدني بقدر ما تهمه الأولوية الاقتصادية التي يحاول ضمانها عبر بنود اتفاقيات الشركة ومنطقة التبادل الحر. منظمو الندوة حرصوا من جهتهم على التأكيد بأن المشاكل التي يعاني منها المغرب على المستوى السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي هي «مشاكل المغاربة، والكل ملزم ببحث السبل التي تساعد على حلها بما يضمن الاستقرار والرفاهية للجميع». وأضاف المنظمون بأن هيئات المجتمع المدني يتلخص دورها على مستوى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي في الاستفادة من الإمكانيات التي تطرحها هذه العلاقة لتحقيق مكاسب لصالح المواطنين المغاربة، وهي الإمكانيات التي تتجسد إلى جانب الدعم المادي في المشاورات واللقاءات الثنائية التي تشكل فرصة لمناقشة المواضيع المطروحة على المجتمع المدني، وبحث سبل إخراجها إلى حيز الواقع في صيغة قرارات قابلة للتنفيذ. وحظيت قضية البحث العلمي في المغرب ودورها في صناعة السياسات العمومية باهتمام كبير من لدن المشاركين، الذين أجمعوا على أن هذا الموضوع لا يتمتع باهتمام كبير من طرف الدوائر الحكومية، ودعوا مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى الانكباب مع الحكومة المغربية وهيئات المجتمع المدني على دراسة هذا الملف وتخصيص ما يلزم من دعم مادي وتقني لتطويره. وبشأن الاتحاد المغاربي، أجمعت تدخلات الدكتور المنصوري، الذي أشرف على تأطير الدورة التكوينية، وممثلي الجمعيات التي حضرت اللقاء على أن الخلافات السياسية بين بلدان الاتحاد هي السبب الرئيس في تجميد نشاطاته «لأن الأنظمة السياسية عجزت عن إيجاد إطار لتدبير مشاكلها السياسية مثلما فعل الاتحاد الأوروبي الذي يعجز بدوره لحد الآن عن إيجاد إجماع حول الكثير من القضايا السياسية الدولية، لكنه مضى إلى أبعد الحدود في توحيد صفوفه وحماية مصالحه». وأكد المشاركون في الدورة على أن إعادة النظر في البنية الديمقراطية لبلدان الاتحاد المغاربي هي الحل الوحيد لتطوير علاقة بلدانه وإنجاحها لتصل إلى توحيد حقيقي على غرار النموذج الأوروبي. يذكر أن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوربي مرت بمراحل متعددة، بدأت عام 1963 بانطلاق المفاوضات بين المغرب والمجموعة الأوربية التي آلت إلى إبرام اتفاقية تجارية تفضيلية بين الطرفين سنة 1969. وشهدت سنة 1976 عملية التوقيع على اتفاقية حصل المغرب بموجبها على هبات لفائدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي عام 1987 تقدم المغرب بطلب الانضمام إلى المجموعة الأوروبية، غير أن هذه الأخيرة كان ردها سلبيا بدعوى أن المغرب لا ينتمي إلى القارة الأوروبية. وشكل إعلان برشلونة ( 1995) الذي أسس للشراكةالأورومتوسطيةفي الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية منعطفا مهما في تاريخ علاقة المغرب والاتحاد، إذ تم التوقيع سنة بعدها (1996) على اتفاقية الشراكة بين الطرفين. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في فاتح مارس 2000. ونصت الاتفاقية على أهمية إقامة حوار سياسي من أجل تعزيز العلاقات بين الطرفين، إلى جانب دراسة المواضيع الاقتصادية المشتركة، ومن بينها المبادلات التجارية والاستثمار والتنافس والتعاون. وعلى الص عيد الاجتماعي تم التأكيد على ضرورة تنمية التعاون الاجتماعي والمساعدة الصحية، أما ثقافيا وعلميا فتم التنصيص على ضرورة تعزيز التعاون الثقافي والتربوي والعلمي والتقني وتبادل الخبراء والتجارب والتواصل وحماية البيئة.