ما الذي سيقدمه المغرب للاتحاد الأوربي مقابل موقع الوضع المتقدم الذي حصل عليه؟، ما هي الاشتراطات الأوربية؟ وكيف سيتعامل معها؟. لماذا ليس هناك نقاش عمومي حول انخراط المغرب في الفضاء الأوربي؟ وحول التكلفة المحتملة لذلك؟ وما الذي سيربحه المغرب من وضعه الجديد؟ وما هي انعكاسات ذلك على موقع المغرب في الفضاء المغاربي والعربي؟ منذ إعلان الاتحاد الأوربي في 13 أكتوبر 2008 عن منح الوضع المتقدم إلى يوم الإعلان، أخيرا، عن أول اجتماع رسمي مرتقب في مارس المقبل بين المغرب والاتحاد الأوربي، تحت الرئاسة الإسبانية، جرت أمور كثيرة، إذ انعقدت لجان كثيرة متخصصة في ملفات تجارية وفلاحية واقتصادية ومالية وتقنية، لم يرشح عنها أي شيء، ولم يشرك بله أن يواكب الرأي العام المغربي مقتضيات الوضع الجديد واشتراطاته، وكأنه لاشيء يستحق النقاش أو حتى مجرد طرح سؤال.. مبادرة كبرى بعد مسار من الفشل يعود التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي إلى سنة ,1963 عندما طلب المغرب فتح مفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاقية. وتطور هذا التعاون ليتوج باتفاقية تعاون جديدة سنة ,1976 تشمل أساسا مقتضيات تجارية ومشاركة مالية من الاتحاد الأوروبي. وفي سنة 2000؛ دخلت اتفاقية جديدة حيز التنفيذ لتحل محل سابقتها. ومنذ سنة 2004 تواصل حوار سياسي معزز ومنتظم. وفي يوليوز من سنة 2005 تم اعتماد خطة العمل. أما في يوليوز 2007 فقد قرر الاتحاد الأوربي، خلال اجتماع مجلس الشراكة، إنشاء مجموعة عمل لتدارس الوسائل الكفيلة بتعزيز العلاقات بين الطرفين. وقد وضعت هذه المجموعة اقتراحات مفصلة أتت أكلها بتاريخ 13 أكتوبر ,2008 باعتماد مجلس الشراكة وثيقة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول تعزيز العلاقات الثنائية/الوضع المتقدم. لاشك أن منح المغرب وضعا متقدما، في سابقة هي الأول من نوعها في حوض المتوسط، يعد من الأحداث المهمة والاستراتيجية في علاقة ضفتي هذا المتوسط بشكل عام، وفي العلاقة الثنائية بين المغرب وأوربا خاصة، لكن السؤال الأساسي هو لماذا منح الاتحاد الأوربي هذا الوضع للمغرب دون غيره؟ في الواقع، إن السياسة الأوربية في مجال الشراكة، بدء من سنة 1995 في مؤتمر برشلونة، مرورا بسياسة حسن الجوار في سنة ,2003 وصولا إلى منح المغرب صفة الوضع المتقدم في سنة ,2008 تكتنفها جملة من المفارقات يجب الوقوف عندها. ليس ثمة اختلاف في أن الشراكة كما حددها مؤتمر برشلونة انتهت إلى الفشل في عمومها، أو على الأقل تواضع النتائج المحصل عليها، لأسباب ترتبط بالتفاوت الكبير بين المنطقتين الأوربية ومنطقة دول جنوب المتوسط من جهة، ومن جهة ثانية بالنظر إلى الخلفيات السياسية التي حكمت التصور لهذه الشراكة الساعية إلى دمج إسرائيل في المنطقة، واستغلال الفراغ الذي خلفته الحرب الباردة. بل إن الانتقال إلى سياسة حسن الجوار في سنة 2003 طرح تساؤلا آخر حول مغزى هذا الانتقال والخلفيات الكامنة وراءه حتى لدى الأوربيين أنفسهم، إذ أحدث وعيا يكاد يكون شاملا مفاده أن الشراكة الأورمتوسطية كما تصورها مؤتمر برشلونة انتهت إلى الفشل. خلفيات المبادرة الجديدة وانعكاساتها إن منح صفة الوضع المتقدم بما هو حدث استراتيجي، يكتسب أهميته لدى المغرب من كونه سيسمح بالاستفادة من الامتيازات التي يتيحها الموقع الجديد، فسياسيا، ستكتسي العلاقات السياسية بعدا مؤسساتيا مع تشاور بشكل أكثر انتظاما. وتهم الاقتراحات على الخصوص عقد قمة المغرب الاتحاد الأوروبي، وآليات التشاور على المستوى الوزاري. كما سيُدعى المغرب للحضور على هامش بعض الاجتماعات الوزارية أو بعض مجموعات مجلس الاتحاد الأوروبي. وتقضي خارطة الطريق كذلك بمشاركة المغرب في بعض البرامج والوكالات بشكل يضمن مواصلة الإصلاحات الرامية إلى إدماج المغرب في سوق المجموعة. وسيكون بإمكان المغرب المشاركة في وكالات مثل الوكالة الأوروبية للسلامة الجوية، أوروجاست، أو المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان. أما اقتصاديا، فسيسمح الوضع المتقدم بإنشاء فضاء اقتصادي مشترك بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يتميز بإدماج الاقتصاد المغربي إدماجا أكبر بنظيره بالاتحاد الأوروبي، وبمعايير مستوحاة من تلك التي تنظم الفضاء الاقتصادي الأوروبي. ولبلوغ ذلك؛ سيتم الاشتغال على أربعة محاور متكاملة، هي: تقارب الإطار التشريعي بالمغرب بمكتسب المجموعة، وإبرام اتفاقية تبادل حر شامل ومعمق، وتعاون اقتصادي واجتماعي، وانخراط المغرب للشبكات بين الأوروبية والتعاون القطاعي. ثم هناك الجانب الإنساني، إذ سيتم السعي إلى تعزيز التبادل الثقافي والتربوي والعلمي، وإشراك فاعلين جدد وتشجيع فضاءات الحوار والتشاور بين المجتمعات المدنية، وإشراك الفاعلين من غير فاعلي الدولة في الشراكة المغربية الأوروبية. هذا بمقياس الإمكانات التي ستتاح للمغرب والآفاق المنتظرة منه، لكن للمغرب وضع وموقع استراتيجي وتاريخي لا يمكن تجاوزه، فهو ينتمي إلى حضارة وثقافة وتاريخ مفارق للتاريخ والحضارة الأوربية بالضرورة، وهو جغرافيا بلد مغاربي وعربي، وله أصول إفريقية كذلك، منخرط في مؤسسات تنتمي إلى هذا الفضاء، وهو من جهة ثانية اقتصاد صغير، لا يكاد يشكل سوى أقل من نسبة 0,3% من حصة المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوربي، مما يثير تساؤلا حول خلفيات المراهنة الأوربية على المغرب من جهة، وانعكاسات ذلك على علاقة المغرب بمحيطه المغاربي والعربي من جهة ثانية. تكمن بدون شك إحدى خلفيات الموقف الأوربي في مواجهة المد الأمريكي في المنطقة، وحتى المد الصيني في الأمد القريب والمتوسط، خاصة في إفريقيا، فأوربا أرادت تدارك الخلل في سياستها المتوسطية، التي تعرضت لاختراق أمريكي كان سبّاقا إلى منح المغرب أكبر حليف استراتيجي خارج حلف الناتو، أعقبتها مبادرة أخرى أكثر عمقا، هي عقد اتفاقية التبادل الحر، ثم ثالثا إحداث ما سمي مؤسسة الشراكة من أجل التقدم التي منحت أمريكا بمقتضاها ما يناهز 700 مليون دولار من صندوق تحدي الألفية. من جهة أخرى، عمقت المبادرة سياسة الانفراد الأوربي في مخاطبة الدول المتوسطية، إذ ما فتئت تنفرد بكل دولة على حدة، مما يعمق الخلاف أكثر داخل الفضاءات المغاربية والعربية، ويرى مراقبون أن من شأن الوضع المتقدم أن يزيد خيار البناء المغاربي ضعفا، ويعمق أسباب التوتر بين المغرب والجزائر خاصة، ومن جهة ثانية فإن منح الكيان الصهيوني نفس الصفة داخل الاتحاد الأوربي جنبا إلى جنب مع المغرب؛ من شأنه أن يضعف موقع المغرب داخل الفضاء العربي المنقسم على نفسه في علاقته مع هذا الكيان.