منذ سنوات فتح المكتب الوطني للسكك الحديدية الفرصة أمام المتقاعدين من موظفين ومستخدمين للاستفادة من خدمة السفر على متن قطارات الخط في أي اتجاه، مقابل الحصول على بطاقة انخراط ثمنها 50 درهما صالحة لمدة 5 سنوات، بحيث يستفيد المتقاعدون من نسبة %40 كتخفيض، ولا تخول له التخفيض في القطارات المكوكية السريعة بين الدارالبيضاء والقنيطرة (وفي اتجاه المطار). لابأس. وقد اعتبرها المتقاعدون مكسبا في انتظار إجراء تخفيضي أفضل. التحايل على المتقاعدين كان ذلك نتيجة نضال وحوار للنقابات والدولة ممثلة في وزارة النقل والمكتب الوطني للسكك الحديدية. غير ان المفاجأة غير السارة في الاسابيع الماضية هي إلغاء البطاقة، هذا بجرة قلم من طرف واحد. ماذا حدث إذن وكيف؟ حسب عديد من المتقاعدين، اتصلوا بمكاتب السكة الحديدية قصد تجديد بطاقاتهم بعد انتهاء أجل صلاحيتها، كما اتصل المتقاعدون المحالون على المعاش مؤخرا بغية الحصول على بطاقة الانخراط التخفيضية لأول مرة، فتم إخبارهم بإلغاء هذه البطاقة وتعويضها ب »خدمة« أخرى. فبماذا يتعلق الأمر؟ وماهي هذه الخدمة؟ المكتب الوطني سلك الطريق الأقصر لحرمان شريحة المتقاعدين من بطاقة 50 درهم وتخفيض %40 التي هي بطاقتهم، ولا علاقة لها بشرائح أخرى. فقد تم إخبارهم وهذا ما أكدته الملصقات والمطويات بأن المكتب أعد بطاقة »حكمة« »البطاقة الخاصة بالأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 سنة فما فوق«. كما جاء في الملصقات والمطويات »المبشرة« ببطاقة »العمر الذهبي«. تقول الملصقات إن هذه البطاقة تمكن من: عدة أسفار غير محدودة تصل إلى %50. السفر بتخفيض %25 كيفما كان نوع القطار والدرجة والتوقيت. السفر بتخفيض %50 على متن الدرجة الثانية لقطارات الخط »خارج فترات الذروة«. إمكانية ولوج الدرجة الاولى لقطارات الخط والقطارات المكوكية السريعة »خلال الفترة البيضاء اليومية«. ولتوضيح مراميه يزيد المكتب الوطني للسكك الحديدية أنه أحدث بطاقتين: بطاقة صالحة لمدة 6 أشهر بثمن 99 درهم. بطاقة صالحة لمدة سنة بسعر 179 درهم. هذا هو »الاصلاح« الذي جاء به المكتب الوطني للسكك الحديدية، وهو عملية تحايل على المتقاعدين الذين اكتسبوا حق البطاقة التي تدوم صلاحيتها 5 سنوات وبتخفيض %40. »كريم العمراني والشاوش البراني« جميل جدا أن يفكر المكتب الوطني للسكك الحديدية في »جميع« المغاربة البالغين من العمر 60 سنة فما فوق ويقدم لهم تخفيضات على متن القطارات. لكن ليس جميلا ولا مقبولا حرمان شريحة المتقاعدين من حق مكتسب منذ سنوات. إذا عدنا إلى قراءة في المطويات والملصقات المتعلقة ببطاقة »حكمة« سنلاحظ ما يلي: كان على المكتب استثناء المتقاعدين من هذه البطاقة الذهبية أو »الفرصة الذهبية«، بمعنى الإبقاء على بطاقتهم/مكتسبهم ، وخلق بطاقة أخرى لعموم المواطنين البالغين 60 سنة فما فوق. بمعنى تمييز المتقاعد عن غير المتقاعد. إن بطاقة »حكمة« وضعت في نفس الخانة »كريم العمراني«رجل أعمال أو تاجر والتسمية هنا مجازية بالطبع ومستخدم في إدارة عمومية في درجة »شاوش« أو عون خدمة كما يقال في تعبير إداري مهذب بمعنى أنها »ساوت« بين ثري بلغ 60 سنة، رمستخدم متقاعد!. بمعنى آخر، سواء كان دخلك مئات الملايين من الدراهم من أعمال حرة، أو كان دخلك 1500 درهم، و900 درهم من تقاعد بعد طول خدمة، أو من عما حر بسيط، وتبلغ 60 سنة فما فوق ستحصل على نفس البطاقة التخفيضية »حكمة« إذا كنت مضطرا للسفر بواسطة القطار. في البطاقة السابقة كان المتقاعد يستفيد من تخفيض %40 وكان راض عن ذلك نسبيا، في حين ان التخفيض اليوم يصل فقط الى %20 في مقابل الحصول على بطاقة بسعر 99 درهم لمدة 6 أشهر. فلماذا الرجوع إلى الوراء بالمتقاعد في الوقت الذي كان فيه ينتظر 45 أو 54 في المائة). الظاهر إذن أن المتقاعد هو المتضرر. لماذا لم يمارس المكتب الوطني للسكك الحديدية »مسطرة« »التمييز الإيجابي«. وهو تمييز تمارسه كافة البلدان في العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. وهذا التمييز الإيجابي يجب ان يهم فئذات المواطنين التي لا تشتغل في القطاع العام، في مهن حرة أو في القطاع غير المهيكل (أو من العاطلين عن العمل خاصة أصحاب الشهادات الجامعية أو بدونها، علما أن هؤلاء غير محسوبين على البالغين 60 سنة فما فوق)، البالغين 60 سنة فما فوق. في نفس سياق النقطة السابقة، وفي إطار ممارسة »التمييز الإيجابي«، كان من الممكن أن يفرض المكتب شهادة أداء الضريبة إذا كان المعني من دافعي الضرائب، أو شهادة عدم أداء ضريبة تجارية إذا لم يكن يدفع ضريبة (أيضا الاعتماد على ما هو مثبت في البطاقة الوطنية بخصوص المهنة). هذا التعامل ب »التمييز الإيجابي« سيفرض بقوة الأشياء، خلق أنواع من البطاقات للبالغين 60 سنة فما فوق (من خارج فئة المتقاعدين بالطبع)، من ثم يتم خلق بطاقة زرقاء لأصحاب الدخل المرتفع، بطاقة صفراء لأصحاب الدخل المتوسط، بطاقة بنفسجية لأصحاب المداخيل الضعيفة (بحيث يكون ثمن البطاقة على التوالي 200 درهم، 80 درهما، 50 درهما، عن سنة وليس عن 6 أشهر كما ابتدع ذلك المكتب الوطني للسكك الحديدية. بهذا التمييز الإيجابي ستنتفي فكرة »كريم العمراني والشاوش البراني«، أي بين طبقات المجتمع، على الأقل في تمكين نسبة من المواطنين من استعمال القطار. بخصوص 99 درهما التي فرضها المكتب ومدتها 6 أشهر، لماذا 6 أشهر ولماذا 99 درهما؟ ألم يكن معقولا أن يحدد ثمنها في 40 درهما إذا كانت شخصية و50 درهما إذا كانت للأب والزوجة والأبناء الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فما تحت، أي عائلية وان تكون سنوية؟ نفس ما قلنا عن البطاقة الآنفة الذكر يمكن ان يقال عن بطاقة 179 درهما السنوية. هناك تحايل رقمي 99 درهما و179 درهما (على غرار أثمان الاحذية والملابس الجاهزة عندما نقرأ أن ثمن القميص 199 درهما، إذ ما الفرق بين هذا الثمن و200 درهم؟ درهم واحد، وهو تحايل على المشتري). لماذا لم يحدد المكتب الثمن في 100 درهم وفي 180 درهم بزيادة درهم هنا ودرهم هناك. أليس هذا تحايلا وتوهيما على المسافرين؟ ثمة عبارتان في ملصق »حكمة« هما: »خارج فترات الذروة« و»خلال الفترة البيضاء«. بالنسبة للعبارة الاولى فإنها استعملت بغية التخفيض بنسبة %50. هذا جيد. لكن المكتب لم يحدد بالذات ماهي »فترة الذروة«، من أية ساعة الى أية ساعة، يكون المواطن على علم بما هو حق له وحتى لا يصطدم مع مستخدمي الشبابيك. أما العبارة الثانية فهي أيضا لم يتم تحديد فترتها، تفاديا لما أشرنا إليه. العبارتان معا ملتبستان، بحيث يمكن أن يفهمها المستخدم في شباك التذاكر ويؤولها على مزاجه بينما يفهمها المواطن ويفسرها على نحو آخر، وبين الفهمين يكون المكتب قد اختار طوعا ممارسة الالتباس والفضفضة التعبيرية. مداخيل، استثمارات و»تقشف« هل نجحت بطاقة «حكمة»؟ إذا ما صدقنا مواطنين وكذا مستخدمين في المكتب (على الأقل في شبابيك الرباط)، فإن العملية لم تلق إقبالا كما كان ينتظره واضعو البطاقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المتضرر الاول هو المتقاعد الذي حرم من بطاقته المعتادة (50 درهما لمدة 5 سنوات عند إدلائه ببطاقة التقاعد)، هذا المتقاعد الذي يرى أنه كان يكون أمرا مقبولا أن تكون مدة الصلاحية سنتين أو ثلاثة بدل خمسة حتى لا يحرموا من بطاقة صارت من الحقوق المكتسبة وباعتبارها عقدا معنويا بينهم وبين المكتب. فهل من المقبول أن يبدي المكتب الوطني للسكك الحديدية »تقشفا« من هذا القبيل تجاه المتقاعدين، وهو الذي نسمع كل صباح و مساء ونقرأ أنه استثمر ملايير الدراهم في تحديث وعصرنة المحطات، في زيادة القطارات، في تثنية السكك، في فتح خطوط جديدة بمناطق لم يكن بها وجود للقطارات، في الدخول في عصر قطار السرعة الكبيرة TGV، في الاستعمال التجاري لنقل البضائع، في الاستثمار في الوسائل التكنولوجية لضمان استعمال أرقى للقطارات، في تأهيل العنصر البشري؟ هل من المقبول إذن أن تتزايد أرباح ومداخيل المكتب، ثم بجرة قلم وبقرار انفرادي يلغي بطاقة المتقاعد؟ لذلك، فإنه إذا كان خلق بطاقة »حكمة« مسألة مهمة وخدمة اجتماعية (مع ضرورة إعادة النظر في تعريفتها وفي مدة صلاحيتها) محسوبة للمكتب إلا أن إلغاء بطاقة المتقاعد محسوبة ضده بالمطلق. إذن من المسؤول؟ وزارة النقل؟ المكتب الوطني للسكك الحديدية؟ هما معا؟ الى أن يثبت العكس فإن المكتب هو المسؤول. تبعا لكل ذلك هل ستتحرك جمعيات المتقاعدين لاستعادة بطاقة المتقاعدين واسترجاع هؤلاء لحق مكتسب بقوة التوافق مع تلك الجمعيات ومع النقابات ومع الدولة في شخص وزارة النقل عبر المكتب الوطني للسكك الحديدية. وإلى أن تعود الأمور إلى نصابها نقول إن المتقاعدين لا يسافرون حاليا »بكل طمأنينة« في »العمر الذهبي« كما هو مكتوب في مطويات وملصقات المكتب . فهل يتدخل وزير النقل كريم غلاب لإنصاف المتقاعدين ؟