«ليس غريبا أن تصادف أشخاصا يعملون بالدارالبيضاء ويسكنون بالرباط، هي حالات كثيرة نعاينها عدة مرات في اليوم وتحت ضغط عدة إكراهات عائلية ومادية، اختار أصحابها القطار المكوكي السريع جيئة وذهابا للتنقل بين البيت والمكتب». «القطار القادم من... والمتوجه إلى... يدخل السكة رقم .. بعد قليل، لسلامتكم المرجو الابتعاد عن السكة»، كلمات موظفة المكتب الوطني للسكك الحديدية، تخبر المسافرين بمناسبة العطلة بوجهة القطار ورقم السكة، أما بالنسبة إلى المتنقلين يوميا بين الدارالبيضاءوالرباط فأصبح سماع هذه الكلمات مجرد تكرار ممل. بين القراءة و الدردشة يعتبر القطار المكوكي السريع وسيلة مفضلة من طرف عدد كبير من المواطنين للانتقال مابين مدينتي الدارالبيضاء و الرباط، فهو يقل سنويا 13 مليون مسافر، بينهم 3 ملايين مشترك. ويقطع القطار المكوكي السريع المسافة الفاصلة بين ما بين العاصمتين الإدارية والاقتصادية في ساعة من الزمن، مما يجعل من الساعتين، اللتين يقضيهما المتنقل ذهابا وإيابا، على متن القطار فسحة يومية يستغلها كلّ شخص على هواه. المستعملون للقطار بشكل يومي، يختلفون في طريقة استغلال مدة الساعتين، فمنهم من اختارها للقراءة والتثقف، وآخر اختارها لتقوية رصيد معارفه، وثالث جعلها فترة نوم واستراحة. سلمى، التي تعمل في شركات متعددة الجنسية، ترى أن القراءة أحسن طريقة لتناسي الوقت، حيث تقول: «أفضل إغناء معارفي من خلال القراءة خلال الساعتين من الزمن عوض الحديث، أوحتى أن أنام أوأجلس دون فعل أي شيء». وغير بعيد عن مقعد سلمى كانت تجلس فتاة، ما إن جلست حتى أطبقت جفنيها من فرط تعب يوم بأكمله، فقد اعتادت على النوم خلال تنقلها بين العاصمتين، إلى درجة أن المراقب اعتاد أن يجدها مستسلمة للنوم فصاراليوقظها للتأكد من تذكرتها، فهو يعرف أنها تتوفر على بطاقة اشتراك شهرية. بعض الشباب يجد الوقت الذي يقضيه على متن القطار فرصة للتعرف على فتاة، أو على الأقل يغتنمها فرصة ليكون برفقة من الجنس اللطيف، فهي وحدها الكفيلة، بالنسبة إليه، بتقصير مسافة ال90 كلم. رغم كل شيء إنه يوم الجمعة، تدخل بشرى المحطة متجهة نحو السكة وهي تمشي ببطء فقد أتعبتها مسافة ال180 كلم التي تقطعها يوميا من أجل التوجه إلى مكان عملها ثم العودة إلى منزلها، لكن بعد دقائق ستنفجر غضبا بعد أن يتم إعلان تأخر القطار « طلّع لي هاد الشِي فراسي، مرة أخرى سأتأخر عن عملي»، وتضيف: «إن تأخر القطار في بعض المرات يخلق لي مشاكل في العمل». ولجذب العديد من الزبناء، يقدم المكتب الوطني للسكك الحديدية الكثير من التعريفات التمييزية لمدمني القطار، حيث يستفيد نحو 23 في المائة من مستخدمي القطار من الأثمان المخفضة. ورغم أن القطار يجذب الكثير من المستعملين فإن الخدمات التي يقدمها المكتب الوطني لم ترق بعد إلى مستوى تطلعات الركاب. فيونس لم يكن يعتقد أن تخلصه من معاناة البطالة سيكون بداية معاناة مع القطار، يقول: «لاتوجد صيانة للعربات.. عندما تركب القطار تشعر وكأنه شارك في الحرب العالمية، أما المرحاض فهو غير صالح للاستعمال». وتعرف نسبة مستخدمي القطار المكوكي السريع ارتفاعا مضطردا لا تتناسب مع نسبة زيادة القطارات، مما يجبر البعض على قطع المسافة وقوفا، أما إذا كنت تستقل القطار من المحمدية فالجلوس يصبح حلما لا يتحقق إلا في أيام الآحاد. داخل المحطة وخارجها تبقى لاستعمال القطار عدة مساوئ. فعند الساعة الثامنة صباحا بمحطة الدارالبيضاء _ الميناء، أفواج من الرجال والنساء، بعضهم يبحث عن سيارة أجرة تقله إلى عمله والبعض الآخر يذهب راجلا إلى حال سبيله لأن إيجاد سيارة أجرة بسرعة، خاصة إذا كان المكان المرغوب ارتياده قريبا، يجعل المهمة من رابع المستحيلات. لكل ظروفه وأسبابه، فهناك من أجبره غلاء الكراء بمدينة ال6 ملايين نسمة على الاستقرار بالعاصمة الإدارية. وليد، مهندس حديث التخرج، هو أحد هؤلاء، يقول: «لقد بدأت العمل حديثا، لذلك اخترت دفع تعريفة القطار عوض الثمن الغالي للسكن بالبيضاء، كما أنني أقطن بالرباط مع أهلي مما يوفر لي ثمن الكراء. على عكس عزالدين الذي اعتاد على استعمال القطار المكوكي السريع، إذ يستقله للسنة الثالثة على التوالي، فهو يفضل تعب القطار اليومي على العيش بالعاصمة الاقتصادية، يقول مفسرا: «لا أستطيع العيش بالبيضاء نظراً إلى الجو المتوتر الذي تمتاز به هذه المدينة. وقد سبقالي أن عشت بالدارالبيضاء لكنني لم أستطع تحمل وتيرة العيش بها» مستعملون موسميون ومع نهاية كل موسم دراسي، تتقاطر على المكتب الوطني للسكك الحديدية طلبات اشتراك كثيرة للاستفادة من استعمال القطار المكوكي السريع، من طرف طلبة أرغمتهم قلة فرص الشغل بالرباط، على التوجه إلى العصب الاقتصادي للبلاد خلال فترات تداريبهم الصيفية. وهو ما تمثله فاطمة الزهراء، التي تقطن بالحي الجامعي بالرباط، تقول: «أنا لا أتوفر على عائلة بالدارالبيضاء ولا أملك الوقت للبحث عن منزل للكراء، لذلك اخترت القطار». «أفضل البقاء مع أسرتي واستعمال القطار على البحث عن مكان لاكترائه فالأمر سيتطلب مني جهدا في البحث والتأقلم»، الحديث هنا للمهدي، متدرب لمدة شهر بإحدى المؤسسات بالدارالبيضاء. ويلجأ أغلب المتدربين إلى بطاقة الاشتراك للاستفادة من التخفيضات والامتيازات التي توفرها البطاقة. أما عمر فلا يرى ضرورة، للانخراط، فهو ليس مجبرا على الذهاب اليومي إلى الدارالبيضاء كما يوضح ذلك بقوله: «أذهب 3 مرات في الأسبوع، لذلك لا أحتاج إلى بطاقة الانخراط».