يقتحم هذا النداء/الاعتذار آذان المسافرين دون استئذان، وبمجرد ما يسمع المسافرون هذه «اللازمة المزعجة» تصدح في أرجاء المحطة، تتجهم وجوههم ويصيبهم الغم والخيبة، وتعكس هذا الشعور نظرات عيونهم وحركات أيديهم ووقفاتهم المنكسرة، التي تعبر عن طول انتظارهم. خدمات ليست في المستوى محطة القطار- المسافرين ليلة السبت/ الأحد،كانت تعج بحركة الراجلين في كل الاتجاهات.. صراخ الأطفال يهز أطراف المحطة.. أسر أرغمتها الظروف وقادتها إلى هذه المحطة «الكئيبة» كما تدل عليها إنارتها الخافتة التي تزيد المكان وحشة ..فالكراسي قليلة لاتسع كثيرا من المسافرين خاصة العجائز مما يضطر الكثيرين إلى اتخاذ درج المحطة كراسي. ويلاحظ أن الرصيف الخاص بالقطارات المتوجهة نحو فاسومراكش لا يقوى على تحمل إيقاع المسافرين، والمقهى الوحيدة واليتيمة بالمحطة هي الأخرى تغص عن آخرها وتقدم خدماتها بأسعار ليست في متناول الجميع، وحتى الهاتف المجاور للكيوسك يلتقط الدراهم بنهم،ومقتصر على وكالة وحيدة معينة. ومع ذلك ورغم هذه الاكراهات التي تفرضها محطة المسافرين، يقبل المسافرون كل شيء إلا أن يسمع تلك اللازمة التي تخيب آمالهم وتجعل أكثرهم يشطاط غضبا، تلك اللازمة التي تقول دائما ودون العمل من لدن المسؤولين على تفاديها «سيداتي سادتي، القطار القادم من مراكش والمتوجه إلى عين السبع، المحمدية،الرباط أكدال،الرباطالمدينة، القنيطرةسيدي قاسم، مكناس ،فاس....وجدة، سيتأخر 25 دقيقة». وهذا النداء، للأسف الشديد، أخلف الموعد،إذ تأخر القطار 30 دقيقة! كيف يستساغ يوم السبت/الاحد أن يتأخر القطار المتوجه نحو فاس ب30 دقيقة، أما القطار المتوجه نحو مراكش فتأخر 25 دقيقة ، وحسب أحد المستخدمين بالمحطة، فقدأكد لنا أن القطار المتوجه نحو فاس في الساعة الثامنة والربع مساء يوم الأحد 06/09/2008 تأخر عن موعده ساعتين كاملتين! «هادشي ماشي معقول»، بهذه العبارة عبر أحد المسافرين عن حسرته، لعله يتخلص من بعض القلق الذي يسكن أعماقه، منذ أن وطأت قدمه أرض المحطة. أسعار لامحل لها من الإعراب تزامن فصل الصيف وشهر رمضان الفضيل بزيادة غير مبررة في أسعار القطارات، »« والله حشومة وعار هاذ الزيادة من 97 درهما إلى 110 دراهم ، ومع ذلك لاتستجيب للخدمات الواجب أداؤها. إن زيادة 13 درهما !!! على مرحلتين، وقدكانت التسعيرة لا تتجاوز 97 درهما من البيضاء إلى فاس، ثم 103 دراهم، ليصل ثمن الرحلة 110 دراهم، ونسأل الله السلامة أن لا تزيد زيادة أخرى دون وازع أخلاقي أو قانوني ودون وضع استمارات أو استطلاع رأي غالبية المواطنين ذوي القدرة الشرائية المحدودة! أخيرا.......ولكن! النداء: «المسافرون المتوجهون نحو المحمديةالرباط.....وجدة اصعدوا القطار، دقيقتين للوقوف». ما بين هذا النداء والنداء الأول حيث امتد التأخير إلى 35 دقيقة، بعدما أخلف النداء الأول موعده.هكذا توترت أعصاب العديد من المسافرين وأرغدوا وأزبدوا،وأصبحوا يقارنون بين القطار والحافلات في تأفف وتذمر. دخول القطار المتعثر المحطة تنفس الجميع الصعداء، لكن هذا الارتياح لم يدم طويلا، فالقطار القادم من مراكش ليلة السبت/الاحد التي نتحدث عنها، والمتوجه إلى فاس، يبدو أنه لن يتحمل أمواج المسافرين المتدفقة! لتنطلق رحلة جديدة من المتاعب، في سبيل حجز مقعد فارغ، الكل يتسابق ضد الكل، فوضى تعم المكان، الكل يهرول في جميع الاتجاهات، يزدحمون أمام الأبواب، يقطعون الطريق أمام المسافرين الراغبين في النزول، وترتفع الأصوات المنددة. «بنادم عاطي رزقوا وغادي مكرفس»،بهذه العبارة يصيح أحد المسافرين، ولا يدري لمن يوجه هذا الكلام، يتمنى لو يتردد صداها وتلتقطها آذان المسؤولين عن معاناته، يرد عليه شخص بجانبه بلغ منه التعب مبلغه، متأبطا طفله الذي ضاعف من معاناته، وبجانبه زوجته «تران واحد ماكافيش واش الناس تمشي واقفة؟»، تسبح هذه العبارة مغموسة بالحسرة، في أرجاء المحطة دون أن تصل إلى من يهمهم الأمر! ألم يكن أجدى ، على الأقل ، أن تحدد المقاعد فقط حسب التذاكر كما يجري الامر في حافلات العديد من شركات النقل الطرقي؟ انطلق القطار نحو مدينة فاس أكرر- طبعا- ليلة السبت/الاحد، وانقسم المسافرون بين «نائم» و«جالس» و«واقف» بممرات القطار بأمتعته التي تعرقل المرور، خاصة عند كل مناسبة مثل العيد، أما المسافرون القادمون من مراكش، فبمجرد خروجهم من «محطة القطار المسافرين»، بعد رحلة مرهقة، اصطدموا مباشرة ب «جشع» بعض أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة، الذين يفرضون وجهات خاصة على المسافرين، وبأثمنة تفوق السعر الحقيقي للرحلة، دون استخدام العداد، ليجد المسافرون أنفسهم بين «مطرقة» قطارات متأخرة و«سندان» طمع بعض سائقي سيارات الأجرة، وهذه معاناة تنضاف إلى ما يكابده المواطون باستمرار، ويبدو إلى ما لا نهاية، مع وسائل النقل العمومي، خاصة في غمرة فرحة العيد.