هنا إنسان لا شيء لديهِ إلا وهلة الزمانْ ولا يُعير سمعا لإحصائيات الموتِ لكن يسمع الخُطى ووقعَ الليل والنهارِ وتعاقبِ الأيامْ ويشكر الهِباتِ المستمرةِ التي تبدو عفويةً دانيةَ القُطوفْ : الحُلمَ، والتنفُّسَ المعتادَ، والوجيب َ، ومذاقَ ماء النبعِ وتحيةَ الصباحْ . وقد يَلقى يوما ، على غير ميعادٍ ،فرحةً تُلقي إليه وردةً أو بسمةً خجولْ وأملاً بلا مستقبل ولا أوهامْ، لكنه يَخِفُّ لاحتضانها ويمشي في وداعها امتناناً حتى تختفي في غيمة ٍ أو ظِلٍّ أو غبارٍ أو منعطف أخيرْ. يعي أن الوقت الذي يحياهُ كان قبْلَ حينٍ غيباً ، ها قد صار الآن غاربا يخبو شيئا فشيئاً في زمان اللازمانْ . من يدري قد تزدهر الجذورُ ذاتَ بعثٍ ويموت الموتُ حتْفاً ويحيا النِّسْيُ المنسيُ في أزمنة الديْمومة . هنا إنسانٌ لا يرى سِوى نهرٍ مِن زمن وماء ذي سبعة وجوهٍ وفواتٍ وثباتْ والكلُّ ماء غارق في الماءِ ومرآة وانعكاسٌ وبخار وقَطَّارة. وربما يرى أكوانا في شعاع النجمِ أو في الطمْيِ أو في الحُلمِ أو تطايرِ الهبابْ. وقد يرى في زرقة الكواكب العليا إلَهاً صامتا قديما متحديا يُغريه باكتشاف الكيمياءِ والطلاسمِ التي تُميت الموتَ وتُفني بمعجزاتها الفناءْ ولكنّ الإغراء ينتهي إلى إغواءْ وينتهي الكل إلى التباسٍ بين ما يراه الحالم اليقظانُ وحدودِ أرض الصحوِ وعوالمِ المنامْ. دجنبر 2009