ليس هناك نقاش يمكن أن يثار بمزيد من الاهتمام والجدية أكثر من النقاش حول الشباب، خصوصا في هذه الظرفية الحاسمة التي يؤسس فيها المغرب اختياراته الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. باعتبار أن للشباب دور حاسم في تحديد مستقبل هذه الاختيارات و الاطمئنان على مصيرها وتكريسها، لذلك فالفرصة المتاحة اليوم من اجل إعداد سياسة وطنية مندمجة للشباب تعتبر رهانا آخر لتقديم أجوبة على كل أمور حياة الشباب، ومسلكا جديدا بالنسبة للدولة نحو اعتماد منهجية شمولية لرعاية وصيانة الشباب وتمكينهم لخوض غمار التنافسية والعولمة ،إنها لحظة وطنية بامتياز يفتح فيها الوطن صدره لشبابه ليصغي إليهم والى قضاياهم وانتظارا تهم ،إنها لحظة للقطع مع كل السياسات المجزأة والمشتتة بين القطاعات حول الشباب والتي أبانت عن فشلها وقصورها في تناول قضايا الشباب بالعناية اللازمة. كما أنها أيضا مناسبة لاستحضار خلاصات برنامج فضاءات الحوار الشبابي من اجل المغرب الممكن الذي بادر إليه منتدى المواطنة بشراكة مع وكالة التنمية الاجتماعية وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي بمساهمة عدد من الجمعيات والهيآت والقطاعات الحكومية منحت فرص متميزة لنقاش موسع بين آلاف الشباب على الصعيد الوطني توج بصياغة مذكرة شبابية متضمنة لمجموعة من المطالب المتنوعة تؤكد على أن الترجمة العملية لخيار الحق في التنمية يمر عبر بلورة سياسة وطنية في ميدان الشباب، سياسة بمقومات المواطنة الديمقراطية وبنفس استراتيجي ،وبرؤية شمولية عبر قطاعية وبمقاربة حقوقية مندمجة لقطاع الشباب. أي أن تستند على مرجعية صلبة وحاسمة في تثبيت سلوك وحياة أجيال ستكون غدا هي مجتمعنا كما نريده ونتوقعه ،و أن لا تتجاوز أو تتجاهل الأسئلة الحقيقية والتحديات التي تواجه الشباب اليوم ،والتي لا تخرج عن محيطه السوسيولوجي والاقتصادي والثقافي ،هذا المحيط الذي يعرف تطورا كبيرا نتيجة التغيير الديمغرافي والبنية الاجتماعية والسلوك الفردي والجماعي والعلاقات الأسرية وظروف سوق الشغل وظهور التكنولوجيات الجديدة للمعلوميات والاتصالات، انه وضع يعيد إلى الواجهة القضايا المرتبطة بالشغل والتعليم والصحة والترفيه والرياضة والممارسات الاجتماعية والثقافية كما يضع مؤسسات الدولة والسلطات المحلية وفعاليات المجتمع المدني أمام خيارات جديدة للنظر في الشأن الشبابي برؤية جديدة تقتضي التفكير في السياسة الشبابية وتعزيز التماسك الاجتماعي، بمنطلقات و تدخلات جديدة تتطلب من الحكومة والجماعات المحلية تعديل الرؤية لمهامها إزاء الشباب وإعادة تحديد السياسات المتعلقة بهم . إن إعادة بناء التصور في حاجة إلى استخدام المهارات الفاعلة والى عملية استشارية تمتد لتشمل كافة القطاعات الحكومية والخاصة والجماعات المنتخبة والأحزاب والنقابات والجمعيات والشباب ،هذه الاستشارة ستضع كل جهة أمام مسؤولياتها في ما يتطلبه العمل مع الشباب ، كما تفرض أساليب التنسيق وتقاسم مهام التنفيذ، لهذا تعتبر مرحلة الإعداد للسياسة المندمجة للشباب أساسية إذا ما بنيت وفق مقاربة يشمل نطاقها جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، سياسة حقيقية للشباب بدعم قوي من الحكومة وشركاء التنمية والفاعلين المدنيين والإعلام والخبراء والقيادات الشبابية على الصعيد الوطني، ملتئمة في أطار لجنة للتشاور يترأسها الوزير الأول وتشارك فيها جميع الجهات المعنية بالسياسة الشبابية بمقاربة تشاركية و تعاونية، وميدانية ،فالأخذ برأي واستشارة من لهم علاقة بقضايا الشباب وما يزخر به رصيدهم من دراسات وأبحاث وتجارب ميدانية ستشكل مرجعية علمية قيمة لمرحلة الدراسة والتشخيص ، كما أن الاعتماد على رأي رجال السياسة والإدارة وكوادر الحركات الشبابية والجمعوية والتي تحركها رغبة عارمة لمساعدة الشباب سيكون له أيضا دورا ايجابيا في نتائج هذه السياسة وسيعطيها طابعا مغربيا محضا. إلى جانب ذلك يجب التأكيد أن إعداد سياسة وطنية للشباب بهذا الحجم يتطلب بشكل أساسي انخراط على مستوى عال جدا وتقديم الإعلان عنها من طرف السيد الوزير الأول والذي يجب أن يشكل لجنة القيادة ويبقى على وزارة الشباب والرياضة أن تقوم بتعبئة هذه الإرادة السياسية في إطار عمل مشترك بين كافة القطاعات والمتدخلين. كما على السياسة المندمجة للشباب استحضار التوجهات الملكية التي مافتئت تحث على إعطاء الشباب المكانة اللائقة داخل المجتمع والفرص التي يجب أن تتاح لهم من اجل المشاركة في بناء المشروع الديمقراطي الحداثي . على قاعدة التوابيت التي تجعل من الشباب فاعلا حقيقيا منخرطا دائما ومعبئا باستمرار في قضايا الوطن متشبعا بالقيم المحدد للهوية الوطنية وللسلوك المدني الذي يغذي المواطنة ويعطي الامتداد الطبيعي لاستمرار الديمقراطية ونموها. وان تأخذ بعين الاعتبار: * أن الشباب مجموعة من الموارد البشرية ومصدر قوة وليس مشكلة نريد حلها * أن إشكالية الشباب مرتبطة بالأساس بمجموعة من الاوراش التعليم الشغل الصحة السكن الحقوق السياسية والمدنية الترفيه والرياضة * التركيز على استشارة الشباب من خلال قنوات أخرى في المنظمات والجمعيات التي تمثلهم من خلال التشاور المباشر. * التركيز على الظواهر الاجتماعية مثل الجريمة والانحراف و السلوكات الخطيرة وأيضا في القضايا الأساسية التي تؤثر في حياتهم البطالة فرص العمل الإسكان الصحة الترفيه الفقر وحماية الشباب. * التوجه إلى الفئات الأكثر حرمانا حتى لا تظل معزولة وان تمنحها لتتفتح عيونهم على جزء من شبابهم * ضمان المساواة في الفرص بين الشباب * الأخذ بعين الاعتبار أن الشباب هم أيضا الجهات السياسية الفاعلة وان إقبال الناخبين بين الشباب في انخفاض مستمر، وان هذا الوضع يمكن أن تؤدي إلى عواقب مهمة بالنسبة لمستقبل الديمقراطية. * أن تبحث في أفضل السبل التي يجب اتخاذها من اجل إسماع صوت الشباب في السياسات التي تؤثر فيهم. * إن تعبئة الطاقات الكاملة للشباب يقتضي وضع إجراءات للنهوض بأحوالهم ومن ضمنها ان تصبح قضايا الشباب من الأولويات القصوى للدولة وان تمثل تحديا لجميع الجهات الفاعلة في المجتمع * تحديد إطار التدخل والأهداف فالمجتمع لجميع الشباب وان سياسة الشباب تزيغ عن طريقها إذا كانت تميز بين الفئات الاجتماعية والتعليمية للشباب. إن الطموح الذي يسري اليوم في المجتمع هو أن يحظى الشباب بسياسة تمنحهم قدرا كبيرا من الأمل وتعزز إيمانهم بوطنهم إنها خريطة الطريق التي ستقود الشباب نحو المساهمة والتعبئة من اجل الانخراط بقوة في المشروع الوطني الديمقراطي الحداثي . من اجل ذلك يجب أن تنتبه السياسة الوطنية للشباب إلى أن يتحقق اليوم بالمغرب عقد اجتماعي جديد يربط المجتمع المغربي بشبابه وهو ما سينشر العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد ه حتى تكون هذه السياسة جديرة بهذا الاسم وان يكون لها معنى سياسيا.