يستنبط الكاتب ها هنا أن الواقع هو كذلك، و أن الجمهور هو الجمهور. فن الممكن هو التأويل الديموقراطي للدستور الممنوح. إنه بداية الجواب عن السؤال اللينيني «ما العمل؟». و يسترسل ((15 المفكر «المطلوب في إطار التأويل الديموقراطي للدستور الملكي هو موقف جديد من السلطة المحلية، بمنظور مستقبلي ... نقول أن ما استعصى على الحل على مستوى المركز قد يجد طريقه إلى الحل بسهولة على مستوى المحلي ... تتعالى المبايعة عن الائتمان و تتماهى مع المواطنة». بل يذهب العروي أبعد من هذا لإعطاء التطبيق الواقعي((16: «نحافظ على دولة القلة ... رمز الوحدة هو بالتعريف الملك. الغرفة الثانية هي مجلسه الاستشاري و التنفيذي ... تمثل فيه الولايات بالتساوي إلى جانب هيئات غير مصلحية ... هي المجلس الاستشاري بامتياز يحل محل كل المجالس الفرعية المتكاثرة ... كل ما سواه يلغى حكما. لم يعد مبرر لديوان خاص أو دار المخزن، الخ. بتأسيسه تنتهي سياسة الظل التي هي سياسة السلطان. الملك حكم. منسق بين الدولة الوطنية و الولايات المختلفة، فلا بد من جهاز فعال. الغرفة الثانية هي ذلك الجهاز، دستوريا». فيما عدا ذلك ((16 «الملك مواطن. يتكلم، ينصح، يعمل، يستثمر، فيربح أو يخسر كباقي المواطنين. يفعل ذلك عبر وكلاء و مساعدين، في واضحة النهار، محاطا بكل احترام و توقير». « التأويل الديموقراطي هو بالأساس تحرير السياسة، إنقاذها من كل ما هو ليس منها ... فصلها عن كل منطق لا يناسبها»((17 . 4 - خلاصات ما بعد ديوان السياسة : يأتي المؤلف الجديد للعروي في الشكل و السياق السالفين أعلاه. كما يستنبط من خلال النص فكرتين أساسيتين : الحاجة إلى الفطام و القطيعة مع ثقافة الأم، و العمل على التأويل الديموقراطي (الممكن) للدستور. ساهم العروي بشكل فعال في صياغة وثيقة ((18 الاختيار الثوري المحسوبة على المهدي بن بركة. تتحدث الوثيقة عن الأخطاء الثلاثة القاتلة في شق النقد الذاتي. بعد ذلك ب 40 سنة، يكتب العروي عن «مغرب الحسن الثاني» ليقدم، بمنظور المؤرخ و الفاعل و المعاصر و المفكر، نقدا لعهد الملك الراحل و لرجالاته، بمن فيهم أشد معارضيه. ما يقوم به العروي اليوم، في كتاب يحمل مقاطع سياسية تحيل إلى ديوان السياسة عند العرب، هو رسمه لمعالم الممكن في العهد الجديد، حيث لا توال «الأمية طاغية» و «السياسة منحطة». كما أشرت إليه سابقا، يتوجه الكتاب إلى النخبة القادرة على الفعل السياسي. يحاكيها العروي و يعطي رأيه في ما الممكن أن تقوم به : الدفع نحو التأويل الديموقراطي للدستور ثم العمل على إحداث الفطام الثقافي مع لغة الأم، مع الثراث كما اسلف و طرحه في «مفهوم العقل». لم يقلها صراحة، ولكنها تقرا من خلال المؤلف الجديد : «لدينا الحكام الذي نستحق». في مؤلف سابق صرح العروي بأن الحسن الثاني كان ضحيتنا كما كنا ضحاياه. فلنتذكر الملاحظة الشكلية المسوقة أعلاه : يمكن أن نقرأ الكتاب من الإصلاح و الديموقراطية إلى النوازع و ثقافة الأم. النكوص وارد، يحذرنا المفكر والمؤرخ. الدستور و إن عدل فلن يخرج عن هيكل «الدستور الممنوح» سنة 1961 . لهذا، فالممكن تعديله و تأويله ديمزقراطيا. هل هي وصية للعروي؟ هل هي نصح للأمير؟ هل تستمع النخبة السياسية للمفكر؟ ... هي على العموم أسئلة تبقى مطروحة للنقاش و للتاريخ. لكن، قد نتفق مع ما كتب العروي أو نختلف معه، لكننا لا نستطيع أن نقول إنه لم يتكلم و ظل ذلك المثقف المتخفي عن السجال السياسي الصعب. أرجو أن يأخذ كتاب «من ديوان السياسة» حقه الكامل في النقاش المجتمعي. ففيه أفكار تستحق التأمل. منير بن صالح هوامش : (1) : عبد الله العروي. من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، 2009 ، الصفحة 5 ( نسميه في باقي الهوامش الكتاب ). ((2 : مجلة إكونوميا، العدد الرابع، اكتوبر 2008 ، عن مركز سيزيم، المغرب. http://www.cesem.ma /pdfeconomia4/carte.pdf ((3 : الكتاب، الصفحة 71، 72 (4): الكتاب، الصفحة 134 . (5) : الكتاب، الصفحة 126 . (6) : الكتاب، الصفحة 65 . (7) : الكتاب، الصفحة 146 . (8) : الكتاب، الصفحة 147 . (9) : الكتاب، الصفحة 40 ، 41 . (10) : الكتاب، الصفحة 35 . (11) : يومية لوماتان، 7 مارس 2005 ، منشورات لوسوار، المغرب. http://www.emarrakech.info/Abdallah-Laroui-c-est-au-citoyen-de-prendre-la-parole_a2753.html (12): الكتاب، الصفحة 94 . (13) : الكتاب، الصفحة 115 . (14) : الكتاب، الصفحة 117 ، 118 . (15) : الكتاب، الصفحة 128، 132، 134، 135 . (16) : الكتاب، الصفحة 146 . (17) : الكتاب، الصفحة 153 . (18) : المهدي بن بركة، وثيقة الاختيار الثوري، يونيو 1962 , تقرير مقدم للمؤتمر الوطني الثاني لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. http://www.almounadil-a.info/IMG/pdf/BenBarka_optionRevolutionnaire .pdf انتهى