يقول جلالته لأخية الرئيس الأمريكى جونسون :«مما تقدم يا صاحب الفخامة ، و مما عرضناه ، تبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً و أن هذا العدو إن تُرك يُحرض و يدعم الأعداء عسكرياً و إعلامياً ، فلن يأتي عام 1970 . كما قال الخبير في إدارتكم السيد كيرميت روزفلت . و عرشنا و مصالحنا في الوجود . لذلك فإني أُبارك ما سبق للخبراء الامريكان في مملكتنا أن اقترحوه ، و أتقدم بالاقتراحات التالية : أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية في مصر ، لتضطرها بذلك لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط ، بل لإشغال مصر باسرائيل عنا مُدة طويلة ، لن يرفع بعدها مصري رأسه خلف القناة ، ليحاول إعادة مطامع محمد علي و عبد الناصر ، و بذلك نعطي لأنفسنا مهلة لتصفية أجسام المبادئ الهدامة ، لا في مملكتنا فحسب، بل و في البلاد العربية ، و من ثم بعدها لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر و شبيهاتها من الدول العربية ، اقتداء بالقول : ارحموا شرير قوم ذلّ . إن هذه الرسالة التاريخية تفسر ما حدث بعدها بشهور معدودة خطوة بخطوة و بوضوح مبين ، و توضح مدى وجع الدرعية القديم و انه لازال ماثلاً أمام جلالته يئن عليه من مصر محمد علي و من مصر عبد الناصر ، و قد تمت خطوات الرسالة بنجاح نموذجي ، فنهر المال قادر على فعل الأعاجيب ، فأمكن حينها أن تؤكد سوريا لمصر حليفتها في اتفاقية دفاع مشترك ، أنها تحت احتمال أكيد باجتياح إسرائيلي لاحتلال سوريا ، و هو ما دفع مصر إلى تنفيذ إلتزامات الاتفاقية فقامت بسحب جيوشها من اليمن لتدخل الحرب إلى جوار سوريا المعرضة للغزو ، و قد ثبت بعد ذلك أن دمشق لم تكن الهدف الأكبر إنما كانت مصر ، و أنه لم يكن في نية إسرائيل احتلال سوريا إنما احتلال كل ما يمكن احتلاله من المنطقة المحيطة بحدودها ، و هكذا تحقق هدف جلالته الأول بانسحاب الجيوش المصرية من تحت أُنثييه في اليمن ، ليتلوه مباشرة الهدف الثاني و الأعظم بالهزيمة الساحقة للجيوش العربية في 5 يونيو 1967 بعد أربعة شهور فقط من رسالة جلالته لأخيه جونسون . و احتلال إسرائيل كامل سيناء و الضفة و الجولان . وتستمر الحرب الضروس حتى اكتوبر 1973 يوم حرب التحرير لتشمر السعودية فجأة - وعلى غير عادتها -عن الإباء العربي و تعلن عن صفاء عروبتها الأصيلة بإيقاف ضخ النفط ، في خطوة بدت حينها الشهامة و الأصالة العربية في أتم معانيها ، لكن ليرتفع سعر النفط بحسابات سابقة و مبرمجة إلى مستويات ما حلم بها أحد ، وكان الثمن المدفوع هو دماء أبناء مصر. وهكذا تحققت الخطة السعودية الإسرائيلية الأمريكية و ربما السورية ، و أخذ جلالته المهلة الطويلة لتصفية المبادئ الهدامة من وطنية و قومية و يسارية و اشتراكية و شيوعية ، ليس في مملكته فحسب و لكن في مختلف ديار يسكنها المسلمون . وتحولت مصر بعدها من بلد يفيض بخيره على جيرانه و بالأخص أهل الجزيرة لاستحقاقهم الصدقات عن جدارة شرعية بلا منازع ينازعهم هذا الاستحقاق ، إلى استجداء المعونات ، و ساعتها لم يرحموا شرير القوم الذي ذل بتعبير جلالته ، إنما قرروا هزيمته الداخلية لسحقه سحقاً فلم يعد المصرى يذكر نصره الأكتوبري إلا موسمياً ، و عدا ذلك يعيش حالة الهزيمة التي يعيشها العرب جميعاً أمام إسرائيل ، و ذلك لأن الحرب عند العربي هي دوماً صفرية إي حرب إبادة شاملة لأحد الطرفين ، النصر أن ينتهي طرف من الوجود و يبقى المنتصر ، حروبه لا تعرف مفاوضات ، و بدون إبادة الطرف الآخر لا يكون هناك انتصار . يتبع