بمناسبة دخول انتفاضة الأقصى المباركة العام الثالث ألقى الأستاذ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس كلمة تطرق فيها إلى تداعيات انتفاضة الأقصى . وهذا نصها: " الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء و المرسلين و على آله و صحبه أجمعين.. أيها الأحبة في الوطن المحتل .. يا أهلنا في فلسطين و في الشتات ، يا جماهير أمتنا العربية و الإسلامية .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ... و نحن نودع العام الثاني لانتفاضة الأقصى العظيمة المباركة ، و نستقبل العام الثالث لها ، في ظلّ هذه الذكرى العظيمة المباركة نتوجه إليكم جميعاً بالتحية ، و عبر هذه الكلمات المتواضعة التي تنطلق إن شاء الله من قلبي و من وجداني لتعكس مشاعرنا و تعكس محبتنا و تعكس رؤيتنا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ قضيتنا . في الاستهلال نوجه التحية لشعبنا الصامد المجاهد المرابط في الضفة و القطاع ، هذا الشعب الذي يُسطّر كل يوم أروع صفحات البطولة ، هذا الشعب الذي يحطّم أسطورة العدو ، أسطورةً بعد أسطورة يقدم فلذات كبده من الأبناء و البنات من الاستشهاديين و الاستشهاديات ، هذا الشعب الذي تغلب على الحصار و على التجويع و العقوبات الجماعية ، هذا الشعب العظيم الذي حطّم أسطورة الجيش الذي كان لا يقهر ، حطّم أسطورة الميركافا ، حطّم أسطورة الأمن الذي لا يُخترق ، و أحال الأجهزة الأمنية الصهيونية إلى فزع و ارتباك و هي لا تكاد تصل إلى المجاهدين ، لا تكاد تلاحقهم و هم يخرجون للعدو في كل مكان ، تحية لشعبنا العظيم في "فلسطين 48" الذي أثبت عبر مشاركته في الانتفاضة و في التضامن مع أشقائه في الضفة و القطاع أثبت عملياً وحدة الدم و المصير ، و أثبت أن انتماءه لشعبه و لأمته العربية و الإسلامية أعظم من كل سنوات الاحتلال و "الأسرلة" ، تحية لشعبنا في الشتات ، هذا الشعب الذي لم تُضعف الغربة و التشريد من عزيمته ، و لا من ارتباطه بالوطن ، و لا من تفاعله مع أحداث فلسطين ، فكانت شوارع المخيمات في الشتات و أزقتها مسرحاً لأداء البطولة و المشاركة الوطنية الصادقة مع أشقاء الروح على أرض فلسطين و هكذا أيها الأحبة توحّدت الديموغرافيا الفلسطينية رغم تمزّق الوطن و رغم عوائق الجغرافيا داخل الوطن و مع المنافي البعيدة . تحية للشهداء من أبناء شعبنا الفلسطيني من كافة الفصائل و القوى الوطنية و الإسلامية .. تحية لكل شهيد سقط على أرض فلسطين و من أجل فلسطين .. تحية للشهداء من القادة السياسيين و من القادة العسكريين و من الكوادر و من كل المجاهدين و المناضلين .. تحية للأجنحة العسكرية لشعبنا التي قدمت الشهيد تلو الشهيد و تنافست على مسرح البطولة و الفداء ، و جزى الله الشهداء خير الجزاء و لهم و الله في أعناقنا دَيْنٌ كبير و سوف يواصل المجاهدون السير على طريقهم حتى يحقّقوا الأمل و الهدف الذي سعوا من أجله . تحية لكل الأسرى و المعتقلين من كل أبناء شعبنا من القادة و الرموز و من الكوادر و من كل الأبطال و المجاهدين من فصائل و أبناء هذا الشعب الذين سيظلون إن شاء الله حاضرين في نفوسنا و في وجداننا ، لن ننساهم أبداً و سوف نبذل كل الجهود من أجل أن نضمن تحريرهم من الأسر و إنقاذهم من براثن الأعداء . تحية لأبطال المقاومة الفلسطينية و لمجاهدي الانتفاضة .. تحية لكل المناضلين و المجاهدين من كافة الأجنحة العسكرية و ندعوهم إلى المزيد من الصبر و الصمود و إلى المزيد من ضرباتهم الموفقة بإذن الله حتى يرحل هذا العدو عن أرضنا و يوقف عدوانه على شعبنا ، نعم ندعو هؤلاء المجاهدين إلى أن يظلوا عند حسن الظن ، ظنّ شعبهم و ظنّ أمتهم حتى نرى النصر بإذن الله و هو ليس عنا ببعيد . أيها الأحبة في فلسطين و خارج فلسطين ، و في طول الأرض و عرضها ، حيثما وجد فلسطيني أو عربي أو مسلم أو حر من أحرار الأرض . بعد عامين من هذه الانتفاضة العملاقة يتعزز لدى جماهير شعبنا و أمتنا حقائق مهمة لابد من الحديث عنها من باب الاستبشار بالخير و الاعتراف بفضل الله تعالى و الوقوف على حقائق ما نملكه على الأرض . نعم ، الانتفاضة و المقاومة هي الطريق إلى التحرير و الحرية و استعادة الحقوق . هذا تأكد بالدماء ، بالتضحيات ، بالصبر ، بصفحات هاتين السنتين العظيمتين ، و الانتفاضة و المقاومة هي السبيل الحقيقي للتأثير على الاحتلال و استنزافه و إرباكه و حرمانه من الأمن و الاستقرار ، و بالتالي هي السبيل لإجباره على الرحيل عن أرضنا ، فقرار الرحيل صعب على قوى الاحتلال و لا يأخذ الاحتلال هذا القرار إلا مجبراً مضطراً ، و ما انسحابه من جنوب لبنان عنا ببعيد . الانتفاضة و المقاومة هي الخيار الشرعي و الوحيد لشعبنا بل و لأمتنا و يحظى بالتأييد و الدعم و يحظى بالثقة و يحظى بالتوحد عليه و الالتفاف حوله و لتستحضروا يا أحبتنا في فلسطين و على مدى العالم العربي و الإسلامي .. ماذا فعلت الانتفاضة خلال عامين ؟؟ ماذا فعلت بنا ؟؟ ماذا فعلت بعدوّنا ؟؟ و قارنوا بين ذلك و بين المصائب التي أرخت بظلالها علينا مسيرة التسوية المشؤومة .. الانتفاضة خلال عامين وحدّت صفنا الفلسطيني ، وحدته سياسياً على مستوى الفصائل و القوى ، توحدنا ميدانياً و نحن باتجاه – إن شاء الله – التوحد على برنامج سياسي نرجو أن نوفّق إليه ، وحدّت الشعب بين الضفة و القطاع و 48 و الشتات بعد أن همّشت التسوية قطاعات مهمة منه . توحدنا على الألم و على الجرح و المصاب و شعرنا أننا في خندق واحد ، ابن حماس و ابن فتح و ابن الجهاد و الجبهة الشعبية و الديمقراطية و الوطنيون المخلصون في الأجهزة أو في السلطة ، كل من استحضر و استعاد روحه الوطنية روحه الواثقة صَفاّ في خندق المقاومة ، نعم هكذا وَحَدَّنا الدم على صعيد المقاومة عندما فرقتنا طاولة المفاوضات التي ليس فيها إلا الذل أو المغانم و الامتيازات المغموسة بالمهانة ، الانتفاضة أحيت قضيتنا و عزّزت لدينا الأمل و قربّت إلينا فرصة النصر إن شاء الله . الانتفاضة وحدّت جماهير الأمة العربية و الإسلامية خلف الانتفاضة و رفعت السقف السياسي حتى للحكومات ، و أعادت الثقة لدينا و وضعت قضيتنا على مسرح الأحداث في الدنيا و فرضت قضيتنا على العالم .. الانتفاضة والمقاومة ماذا فعلت بعدوّنا ؟ .. أحالت نهاره إلى ليل مظلم .. أحالت حياته إلى جحيم .. دفعته إلى أن يعيش مضطرباً مرتبكاً أفقدته الأمن و الاستقرار ، لم يعد ثمة مكان يأمن فيه الصهاينة لا على البحر و لا في الشوارع و لا في الحافلات و لا في المطاعم و لا في أماكن اللهو .. خسروا اقتصادياً أكثر من 10 مليارات ، خسروا على صعيد السياحة ، على صعيد الهجرة و الهجرة المعاكسة ، على صعيد الاستيطان ، على صعيد الثقة بمستقبل هذا الكيان .. أعادت الانتفاضة و المقاومة الكيان الصهيوني إلى المربع الأول كما قال قادة الصهاينة بأنفسهم ، إنهم كما قالوا يخوضون حرب "الاستقلال" من جديد ، أي عادوا 54 عاماً إلى الوراء . بينما جعلتهم التسوية يعيشون مرتاحين يجمعون بين الاحتلال و بين الأمن ، و بين أن يأخذوا فرصتهم في اختراق الضعف الفلسطيني و اختراق صفّنا العربي .. بل خسر العدو على الصعيد الدولي خسارة فادحة حين انكشفت حقيقته ، حين تهشّمت صورته المزعومة ، حيث فقد الدعاية التي كان يضلل بها العالم ، خسر سمعته ، و كما قالوا هم أنفسهم خسروا أخلاقياً . أما الانتفاضة عندنا فقالت للعالم إننا شعب يستحق الحياة .. يستحق الحرية .. يستحق أرضاً محرّرة ... و يستحق دولة حرة . لذلك أيها الأحبة و في ظل هذه المناسبة العظيمة .. لابد من وقفة للتصحيح و التأكد من المسار الصحيح في التعامل مع الانتفاضة و المقاومة . الانتفاضة و المقاومة نعمة و ليس نقمة و ليسمعني من يسمعني ، هي رافعة و ليست عبئاً ، هي زلزال زلزل أركان الاحتلال و لم تعطه الراحة، على أرضنا ، هي تزلزل أركان الاحتلال و لا تعيده إلى أرضنا ، هي تحيل الاحتلال جحيماً على رؤوس الصهاينة . بدلاً من أن يكون في نزهة و بكلفة بسيطة في التسويات و المفاوضات ، الانتفاضة و المقاومة ضرورة لشعبنا و لأمتنا و ليس ثمة خيار آخر أمام شعبنا بعد أن سقطت كل الشعارات و العناوين الغارقة في وحل أوسلو و وحل سياسات التفريط و المساومة . نعم هناك سلبيات و إشكالات على الأرض و تحتاج إلى معالجة ، و لكنها سلبيات و شكالات نشأت بسبب الاحتلال و التحدّي الذي يفرضه الاحتلال على شعبنا و على انتفاضتنا و مقاومتنا ، لذلك فالانتفاضة و المقاومة بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حشد الطاقات و رصّ الصفوف و تجديد الوسائل و تعزيز الإيجابيات و المنجزات و لا تحتاج الانتفاضة اليوم خاصة من أبنائها و من المحيطين بها إلى جلد الذات و اتهام النفس أو النكوص عن الطريق ، أما الألم أيها الأحبة فأمر لا بد منه ، و هل هناك تحرير بلا تضحيات ؟! و هل هناك حرية بغير دماء ؟! و هل تحرّرت الشعوب بغير هذا الطريق ؟! و لئن كنا نتألم فإن ألم عدونا أكبر .. مصداقاً لقول الله عز و جل (وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَ كَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) . يا أحبتنا في الوطن السليب الصامد لسنا في مأزق ، الكيان الصهيوني هو الذي يعيش المأزق ، هو المأزوم .. هو الذي حشرته انتفاضتنا و مقاومتنا العملاقة في الزاوية ، أما ممارسات العدو الوحشية و تصعيده العدواني على شعبنا ، فإياكم أن تظنّوها على حالة الثقة و الاستقرار ، بل إنها باليقين تعكس حالة الارتباك و الاضطراب و كلما رأيتم شارون و إليعازر و موشي يعلون يصعّدون العدوان فاعلموا أنها مكابرة و حالة استماتة تعكس حجم المأزق و بُعد الورطة و كيف يجتهدون هؤلاء الصهاينة في أن يغطوا مأزقهم ، و إليكم مثالين : المثال الأول : الجدار الأمني الفاصل - البعض يظنّ ذلك خطوة ذكية من العدو - بينما في الحقيقة تعكس حجم المأزق و الورطة ، إذ في اللحظة التي عجزوا عن وقف الانتفاضة و المقاومة و وقف قافلة الاستشهاديين و عجزوا عن حماية الصهاينة في أعماقهم و في كل الأرض الفلسطينيةالمحتلة سواء في مناطق 48 أو 67 ، لجئوا إلى فكرة الجدار الأمني الفاصل و هي كذلك تعكس تراجعاً في المشروع الصهيوني . فلقد أجبر الصهاينة أن يحشروا أنفسهم داخل هذا الجدار و داخل هذه الحدود ، في الوقت الذي كانوا يسعون فيه للانطلاق ليمدّدوا كيانهم على حساب أرضنا ، و على حساب حقوق شعبنا و أمتنا ، و سيتحوّل هذا الجدار الأمني إلى جدار للموت بإذن الله ، و لعل هذا الجدار يُذكّرنا بقول الله عز و جل (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) . أما المثال الآخر : فهي الطرق الالتفافية ، لقد أقامها الصهاينة في الضفة و القطاع لتشكّل مسارات آمنة للمستوطنين الصهاينة حتى لا يمروا على قرى و مخيمات شعبنا .. فماذا كانت في الانتفاضة ؟ ، تحوّلت الطرق الآمنة الالتفافية إلى شرايين الموت كما سماها الصهاينة أنفسهم ، و هكذا يعيش الصهاينة مأزقهم كلما حاولوا الاحتماء بشيء تغلّب عليهم المجاهدون بسبب الإرادة العظيمة التي يملكها المجاهد الفلسطيني و لأن الله مع الصابرين و المجاهدين . و بهذه المناسبة أيها الأحبة أدعو السلطة الفلسطينية التي و إن اختلفنا معها سياسياً و في مشروع التسوية الذي سارت فيه و لكننا في سياق استشعارنا للوحدة الفلسطينية و استشعارنا للخطر المشترك ندعو السلطة الفلسطينية و بعدما رأت من حصيلة التسوية و من نتائج الانتفاضة و المقاومة و بعد هذا المصير الذي تعيشه اليوم ، ندعوها إلى التوقف فوراً عن اللقاءات و الاتصالات الأمنية و غير الأمنية مع العدو الصهيوني . فلم يعد ذلك يجدي أبداً ، لقد كان ذلك للأسف يشكل غطاء لكل جرائم العدو و يشكّل تضليلاً لشعبنا و كأنما هناك فرصة للخروج و الخلاص بينما ذلك يزيد شارون إمعاناً في قتل شعبنا و هو يلتقي و يصافح و يبتسم مع عدد من المفاوضين الفلسطينيين ، و ندعو السلطة إلى التوقّف عن الرهان على الأعداء و على الصهاينة و على الأمريكان و عليهم أن يراهنوا بعد الله على صمود شعبنا و على قوة انتفاضتنا و مقاومتنا . و أدعو هؤلاء الذين لا يزالون يحاولون تمرير بعض المشاريع السياسية و تسويق مشاريع التسوية الفاشلة و العبثية أدعوهم إلى التوقف فوراً عن ذلك ، لأنه لا يجدي ، يعيدنا ذلك إلى الوراء و ما عاد ينطلي على شعبنا فوفّروا عليكم جهودكم و تعالوا أيها الأخوة في السلطة ، تعالوا نشكل معاً صفاً واحداً على طريق الانتفاضة و المقاومة ، و ندعو السلطة و الفصائل الفلسطينية الوطنية و الإسلامية جميعاً إلى التوحّد و إلى تعزيز الوحدة الوطنية على طريق الانتفاضة و المقاومة . و إلى التمسك بحقوق شعبنا و عدم المساومة عليها أو التفريط بها ، و ندعوهم إلى تعزيز الالتفاف حول خيار المقاومة و أن نبتعد و ننأى بأنفسنا عن جلد الذات أو عن الدخول في الجدل الذي لا يُجدي أبداً خاصة ، و نحن في كل ليلة و في كل نهار و في كل ساعة ، تُمطر علينا السماء بصواريخ شارون و تُزلزل أرضنا دباباته و زحوفه التي تقتل نساءنا و أطفالنا و رجالنا . أما الموقف العربي الرسمي فنقول لهم و نحن نعلم حجم الضغوط عليهم و علينا و نعلم اختلال ميزان القوى لمصلحة عدونا و نعلم الوقاحة الأمريكية التي تهدّدنا جميعاً و لا تستثني أحداً ، و مع ذلك نقول : ليس صحيحاً أنه ليس من خيار آخر إلا خيار الرهان على المفاوضات و التسوية . تملك الأمة خيارات أخرى إن كانت الحرب الرسمية غير ممكنة في تقدير قادة الأمة ، بسبب اختلال ميزان القوى فثمة خيار متاح و واقعي و عملي و هو خيار الصمود و المقاومة الشعبية ، بشرط أن نلتف حولها و أن ندعمها مادياً و عسكرياً و سياسياً و إعلامياً و جماهيرياً و مالياً ، ألا نبخل عليها و هي قادرة بإذن الله على استنزاف العدو ، نحن بحاجة إلى استراتيجية حرب استنزاف طويلة مع العدو و نحن نخوضها ليس حرب مبادءة أو عدوان على أحد و لكن حرب دفاع مشروعة عن شعبنا و قضيتنا و أمتنا . أما و نحن نعيش اليوم أجواء الحرب و قرع طبول الحرب من الإدارة الأمريكية الظالمة المتغطرسة المتألهة التي تتوعد العراق بالعدوان ظلماً و بغير وجه حق و بدون مبرر و التي تحاول حشد العالم بعد أن حرّضتنا الصهيونية العالمية و الكيان الصهيوني هذه الإدارة الأمريكية التي تهدّدنا جميعاً في الشرق و الغرب و ستبدأ بالعراق لتنتهي بآخر دولة و بآخر مسلم أو عربي ، هذه المعركة الشرسة التي توعدنا و التي تشكّل ظاهرة استعمارية جديدة مع تغيير بعض الأشكال : نهب الثروات و استغلال الشعوبو تمزيق أوصالها و إعادة رسم خرائط المنطقة . و من أجل ذلك تمكين الكيان الصهيوني و تأمينه و إضعاف الأمة من حوله ليكون الكيان الصهيوني اللاعب الوحيد في المنطقة ، هذه الحرب المعلنة علينا لا يصلح أمامها الضعف أبداً و لا يصلح أمامها الاستسلام أمام الإدارة الأمريكية مهما تفوّقت عسكرياً ، فالقوة وحدها تصنع كل شيء و لا يصلح معها كذلك التعامل الفردي أن تحاول كل دولة أن تنجو بنفسها .. لا ، لا يصلح معها إلا أن نخوضها معاً دفاعاً مشروعاً عن حمانا و عن شعوبنا و عن أرضنا و عن مقدساتنا .. و علينا أن نقول ((لا)) كبيرة في وجه العدوان الأمريكي دون استثناءات و دون أي خروج عن هذا الموقف لأنه موقف ليس دفاعاً عن العراق و فلسطين وحدها ، و لكنه في الحقيقة دفاع عن كل دولة عربية و عن كل شعب عربي ، و ستهزم أمريكا لأنها تخوض حرباً ظالمة و أمريكا لا تستطيع أن تلاحق الأمة و أن تفعل بها ما تريد ، فالله أكبر من أمريكا و أمتنا بتاريخها و بالحق الذي تتسم به هي إن شاء الله أكبر من أمريكا . و أقول للشعوب العربية و الإسلامية و نحن في ظلّ هذه الذكرى – في ذكرى مرور سنة ثانية و استهلال سنة ثالثة من عمر الانتفاضة الفلسطينية المباركة . أدعو هذه الشعوب أن تجدّد تفاعلها مع الانتفاضة و أن ننزل إلى الشارع و أن تجدّد نشاطاتها و برامجها من أجل فلسطين و من أجل العراق كذلك و من أجل نفسها ، و أخاطب إخواني في قادة الحركات و الأحزاب الإسلامية الوطنية و القومية و العروبة و الأخوّة و المصير المشترك .. أدعوهم إلى استحضار مسؤولياتهم و أن يفعّلوا دورهم و طاقاتهم من أجل المعركة الواحدة ، إن إخوانكم على أرض فلسطين و هم يعيشون الحصار و التجويع و المعازل و السجون داخل فلسطين بستصرخونكم و يريدون منكم أن تَهَبُّوا إلى جانبهم و أن تكرّروا ما فعلتم بالماضي من مشاركة قدّرناها و شكرناكم عليها و لا تزال حاضرة في وجداننا خاصة أن من حسن الطالع أن ذكرى الإسراء و المعراج تتوافق هذه الأيام مع الذكرى الثانية للانتفاضة المباركة . و أقول أخيراً لشعبنا الفلسطيني الصامد الصابر المرابط .. أقول لأهلنا في نابلس التي تعيش في ظل منع التجول و الحصار أكثر من 90 يوماً ، و أقول لأهلنا في مخيم جنين الذين صمدوا صمود الأبطال بعد أن نكّل بهم العدو ، و أقول لأحبتنا في رفح التي يستنزفها العدو كل يوم ، و لبيت حانون و جباليا و دير البلح و خانيونس و غزة .. أقول لأحبتنا في الخليل ، في رام الله ، في بيت لحم ، في طولكم ، في جنين ، في قلقيلية ، في أريحا في كل أرجاء الوطن في مدنه و قراه و مخيماته .. اصبروا .. أنا أعلم أن الجرح كبير ، نحن و الله نشارككم آلامكم ، نعيش معكم لحظة بلحظة و لكن هذه ضريبة الوطن .. هذه ضريبة الحرية .. لا بد من الصبر أيها الأحبة ، النصر صبر ساعة ، و التضحيات و الصبر هما طريق النصر .. و ربُّنا طمأننا و وعدنا وعد الحق (وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) ، و ربنا وعدنا أن يدافع عنا (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) ، و أقسم سبحانه (وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) . النصر بإذن الله حليفنا و ذلك وعد الله تعالى و بشارة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و هي عبرة التاريخ ، تاريخنا الإسلامي العربي و تاريخ العالم و تاريخ الشعوب و أرضنا فلسطين المباركة المقدسة تستعصي على الغزاة و على المحتلين هي قاهرة الغزاة و طاردة المحتلين و لن يطول مقام الصهاينة بإذن الله تعالى . و نختم إذ نقول للعدو : لن تظفر بانكسار فلسطيني و لا عربي إن شاء الله ، لن ننتظر طاولة المفاوضات حتى ننال حقوقنا كما تزعم يا موشي يعلون ، لن نرفع لك و لا لزعيمك شارون الراية البيضاء ، سننتزع النصر و تحرير الأرض على طريق المقاومة و الانتفاضة عبر المعركة على أرض المعركة و المواجهة و التحدّي ، المقاومة تعرف طريق الوطن ، المقاومة مشروع يتجدّد ، ينتقل من جيل إلى جيل ، و من قائد إلى قائد و من مجاهد إلى مجاهد ، و لن يستطيع أحد أن يحتويه أو يكسره و لن تستطيع قوى الأرض لا أمريكا و لا الصهاينة أن يوقفوا انتفاضة شعبنا و أن يوقفوا المقاومة الفلسطينية ، لن يصنعوا الاستقرار على حساب حقّنا و أرضنا ، لا استقرار في المنطقة إلا إذا زال الاحتلال عنها ، و نحن واثقون أن النصر قادم إن شاء الله .. فاصبروا يا أحبتنا و ثقوا بوعد الله و اعلموا أن أمتكم معكم حتى و هي في حالة ضعف و انكسار . نسأل الله عز و جل أن تكون العاقبة خيراً و أن يَمُنَّ الله علينا بنصره و أن يُوَحِّد صفنا الفلسطيني و العربي على طريق الانتفاضة و المقاومة حتى النصر و التحرير بإذن الله .. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..."