يرى عالم الاجتماع اللبناني فردريك معتوق في كتابه الجديد «مرتكزات السيطرة الغربية: مقاربة سوسيو معرفية» الصادر عن دار الحداثة في بيروت أن من بين المعاني الأساسية لمفهوم البوليميك في اللغات الأوروبية معنى طالما استأثر باهتمام الباحثين، ويقصد به المخاض السياسي العنيف حول شؤون ترتدي الطابع العام، وبذلك يتموقع هذا المفهوم ضمن رؤية شمولية ترتكز أساسا على الانفتاح الكبير على رأي الخصم فيتحول بذلك المخاض من الشجار والخصام، إلى الجدل الخلاق والبنّاء. فالمتحاوران، ضمن هذا التصور، يدخلان في علاقة دينامية توحدهما استراتيجياً وتجعل نشاطهما السياسي متكاملاً إيمانا منهما بنسبية المفاهيم الاجتماعية والسياسية وانفتاحهما الدائم على البدائل. مناسبة هذا الكلام هو الحوار الذي أجراه النائب التاسع لبلدية العرائش أشرف اطريبق (العدالة والتنمية) مع إحدى الجرائد الجهوية بشمال المملكة الأسبوع الماضي، حيث صرح في سؤال وجه إليه بخصوص الترخيص الذي منحه وأشر عليه لبناء عمارة من أربعة طوابق بين الفيلات وإحدى المدارس الخصوصية في منطقة مخصصة للفيلات وليس للعمارات وعن قيمة الصفقة التي دوى صيتها في الشارع فكان جوابه كالآتي : «أستغرب كون السلطة تركز على العمارة التي وقعت رخصتها ، بينما تعمد إلى إغفال عدد من الرخص (بعض التجزئات) غير القانونية والعمارات التي تم توقيعها من طرف الرئيس السابق والمتواجدة بمناطق مهددة بالانهيار ويتجاوز علوها ستة أو سبعة طوابق. كما أن النائب الأول للرئيس قام أيضا بتسوية وضعية الطابق الخامس لعمارة بوسط المدينة ولم يتكلم عنه أحد. للوهلة الأولى يلفت هذا الجواب نظرنا ويخيب آفاق انتظارنا، ذلك أن المستشار المحترم عوض أن يجيب عن سؤال الصحيفة المحدد حول الأسباب التي جعلته يؤشر ويمنح رخصة لبناء عمارة في منطقة مخصصة للفيلات، فضل هذا النائب الهروب إلى الأمام وهاجم الجميع سواء كانوا من ممثلي السلطة أو الرئيس السابق أو حتى المتحالفين معه حاليا في المجلس (الاتحاد الاشتراكي )، والذين استطاعوا بفضل هذا التحالف أن يطيحوا بأكبر لوبي عقاري في المنطقة. هذا النهج يذكرنا بأسلوب قلب الطاولة الذي كان مألوفا لدى هذا النائب أيام المعارضة عندما كان يقلب الطاولة على الرئيس المطاح به في المجلس السابق، ويحتجز الصندوق الزجاجي بالقوة ويمنع عملية التصويت على بعض قرارات المجلس، ناهيك عن الصراخ والصخب والإثارة المصاحبة لهذه العملية الهتشكوكية ولم يتخلص بعد من هذا الأسلوب الاستعراضي على الرغم من مرور ستة أشهر على مساهمته في التسيير والتدبير في المجلس الجديد. كان بإمكان المستشار أشرف اطريبق أن يدلي بالأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار الخطير، ويبسط أمام الصحيفة التي تحاوره وجاهة رأيه ويشرح التصور الجديد للمجلس حول التصميم المديري المرتقب للمدينة، والذي لم ير النور بعد ويطالب بإخراجه ويوضح الإشاعات التي تروج بتلقيه عمولات تقدر بالملايين من أجل التأشير على هذا الملف ويكون بذلك قد أجاب الصحيفة عن سؤالها وهو في صلب الموضوع وفي إطار السياق المتحدث فيه، ولا يهم بعد ذلك إن كان رأيه مقنعا أم لا لأن تلك وجهة نظره وهي على كل حال وجهة تحترم كباقي وجهات النظر الأخرى ، غير أن هذا المستشار أبى إلا أن يطلق النار على الجميع بمن فيهم المتحالفين معه في التسيير. وإذا كان للسلطة جانب في التشويه المعماري الذي لحق بالمدينة كما يقول وللرئيس السابق سوابق بالجملة في خروقات التجزئات المعروضة حاليا على المجلس الجهوي للحسابات بجهة طنجة تطوان، فان إدراج اسم النائب الأول لرئيس المجلس البلدي في هذا الإطار ضمن هذا الحوار لامعنى له ولا سياق يوطده، اللهم إذا كان أشرف اطريبق يهدف إلى تشويه صورة مناضل اتحادي عرف عند الجميع بدماثة خلقه ونقائه السياسي وتحدى الإغراءات والتهديدات بحرق ممتلكاته وبتصفية جسده من أجل إنجاح التحالف مع حزب العدالة والتنمية ودحر المفسدين من بلدية العرائش، وتلك بطبيعة الحال أساليب لا نراها تليق بحلفائنا في حزب العدالة والتنمية الذين أكدوا مرارا وتكرارا في تصريحاتهم الرسمية، برسم الانتخابات السابقة، على مروءة مناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي وأشادوا بهذا التحالف في اجتماعهم الأخير ببوزنيقة . وإذا كان النائب الأول قد قام بتسوية وضعية الطابق الخامس لعمارة بوسط المدينة كما يقول أشرف اطريبق، فان تلك التسوية جاءت بناء على طلب من السلطة الإقليمية وبناء على تقريرين مكتوبين من طرف تقنيي العمالة وتقنيي بلدية العرائش في إطار قانون التعمير، ولم تأت هذه التسوية قبل هذه الإجراءات كلها وبذلك احترمت القوانين المعمول بها في هذا المجال، لذلك لامجال للمقارنة بين ما أشر عليه أشرف اطريبق قبل تأشيرة المهندس رئيس قسم التعمير لعمارة يصل مجموع مساحتها إلى ألف متر مربع تقع بين الفيلات وتسوية النائب الأول للطابق الخامس الذي لايتجاوز مجموع مساحته 140 مترا مربعا احترمت فيها كافة قوانين التسوية المعمول بها في هذا الصدد. كما أن وضع الجميع ، وعلى قدم المساواة، مسؤولو السلطة الإقليمية والرئيس السابق للمجلس البلدي عبد الإله احسيسن الذي أمضى اثنتي عشرة سنة في المجلس البلدي رئيسا والنائب الأول للمجلس الحالي الحديث في منصبه في سلة واحدة رغم اختلاف الدرجات والمسؤوليات والمدة الزمنية في ما بينهم، يبين بوضوح النية المبيتة للنائب التاسع لتشويه صورة مستشار اتحادي مشهود له بالنزاهة والنقاء عند المجتمع المدني والسياسي والساكنة. هكذا إذن يقلب أشرف اطريبق الطاولة على من تحالفوا معه أمس، وينسب إليهم مغالطات وديماغوجيات هم بعيدون كل البعد عنها ويتحول السجال على يديه إلى حرب ومعركة ينشد من ورائها الانتصار على الحلفاء قبل الخصوم، ضاربا عرض الحائط أصول البوليميك الخلاق البناء المتميز بالطابع الحواري العميق وبالانفتاح الدائم على البدائل والذي يتجاوز المصلحة الذاتية الصرفة ويبتعد عن المقاربة السياسية الدائرية الجوفاء.وإذا كان الأمر كذلك عند هذا النائب التاسع، فإن السياق المؤطر لهذا التصريح وغيرها من التصريحات في جريدة وطنية أخرى لايخلو من دلالة، ذلك أن الأخبار القادمة من كواليس «ملعب البراميل»لاتبعث على الاطمئنان. كما أن هذه التصريحات قد تؤخذ على محمل الجد بوصفها حصان طروادة لنسف هذا التحالف الذي أطاح بأكبر لوبي عقاري عاث في المدينة فسادا لمدة تزيد عن عشر سنين، علما بأن الاتحاديين ببلدية العرائش عندما التزموا مع حلفائهم في حزبي العدالة والتنمية والاستقلال لتدبير ملفات هذه المدينة، كان التزامهم واضحا في إطار تعاقد سياسي مبني على التشاركية وخدمة المصلحة العامة للبلاد والعباد.