«هل وصلك خبر وفاة عبد الوهاب بنمنصور؟». «من؟ مؤرخ المملكة توفي؟». يكشف هذا المقتطف من حوار دار بين زميلين صحافيين، يوم الخميس 13 نونبر 2008، أي يوم إقامة مراسيم تشييع جثمان عبد الوهاب بنمنصور بمقبرة الشهداء بالرباط، أربعا وعشرين ساعة بعد وفاته بعاصمة البلاد، يكشف كيف أن الكثيرين يختزلون الرجل في صفة واحدة من صفاته، « الإشراف على تدوين تاريخ المغرب الرسمي والسهر على تحرير صفحاته»، ويجهلون الكثير من صفحات تاريخه الشخصي. ليست هذه هي المفارقة الوحيدة المرتبطة بالرجل الذي قام الحسن الثاني بتعيينه مؤرخا للمملكة في 1963: ذاكرة الدولة منذ ذاك إلى حين رحيله، ذاكرة هي نفسها في حاجة لمن يرصد أثرها ويكتب ذاكرتها! ثمة أيضا عدم اعتراف البعض له بصفة «المؤرخ» بالمعنى العلمي للصفة لأنه كتب تاريخا رسميا منقحا، غير مبال بتاريخ الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو بصيغة أخرى ب «تاريخ الشعب». تقلد عبد الوهاب بنمصور، المنحدر من عائلة جزائرية استقرت بالمغرب في القرن التاسع عشر وسليل فاس التي أطلق صرخته الأولى بين رحابها سنة 1920، عدة مناصب في الدولة قبل أن يسلمه الحسن الثاني مفاتيح «ذاكرة الدولة»، مثلما اضطلع بمسؤوليات أخرى بعد ارتدائه جلباب «مؤرخ المملكة» واحتل مواقع لم تكن توكل إلا ل «أهل الثقة». بعد الاستقلال، وكان عبد الوهاب بنمنصور قد عاد إلى المغرب من الجزائر، حصل، من قبل ديوان محمد الخامس، على مهمة كتابة الرسائل المخزنية، ليتدرج بعدها في مسؤوليات سياسية وإعلامية أسمى: نائب مدير الإذاعة المغربية، الذي لم يكن سوى المهدي المنجرة، ورئيس القسم السياسي بالديوان الملكي. وفي عهد الحسن الثاني، وبالإضافة للتقليد العلوي الذي أحياه الملك الراحل تحت عنوان «مؤرخ المملكة» وأسنده إليه، سيجلس عبد الوهاب بنمنصور على كراسي لا تخفى أهميتها وحساسيتها: رئيس الديوان الملكي، مدير الشؤون السياسية بوزارة الداخلية، المدير العام للإذاعة والتلفزيون. هذه المسؤولية الإعلامية الدقيقة، نالها بنمنصور في سنة دقيقة هي أيضا في تاريخ المغرب المعاصر سياسيا : 1965، أي سنة أحداث الدارالبيضاء (23 مارس)، إعلان حالة الاستثناء (يونيو) واختطاف الشهيد المهدي بن بركة (29 أكتوبر) . ويبدو ان قدرة الرجل على العمل كانت استثنائية، هكذا وما أن غادر مهمة ضبط أداء الأعلام السمعي والسمعي -البصري العمومي، حتى تحمل مسؤولية أحدثها الحسن الثاني في مطلع 1967، مسؤولية محافظ ضريح محمد الخامس، التي راكم معها بنمنصور منصب مدير الوثائق الملكية ( 1975) . الجوائز التي حازها الراحل، أحد مؤسسي أكاديمية المملكة، لا تعد، وأكثر منها ما خلفه من مؤلفات وما حققه من كتب. ومع ذلك، فالصفة التي ظلت لصيقة به إلى حين غيابه، أكثر من أية صفة أخرى، هي صفة «مؤرخ المملكة»، مثلما ظل هو لصيقا بالتاريخ. هذا التاريخ نفسه ألذي مارس مكره على عبد الوهاب بنمنصور فجعله يكف عن كتابته يوم 12 نونبر 2008، أي خمسة أيام فقط قبل بلوغه سن الثمانين.