قعد على الكرسي يحسب نفسه قائد حركة تحررية وسط البراري يحارب الهواء ويتحدى الخواء، يبدو ثوريا مخبولا كالدون كيشوت دون قضية ولو وهمية، فارسا معتوها بدون فرس يجهل أبسط قواعد الفروسية، يتحدث عن جمهورية صحراوية بلسان لايتقن حتى اللغة العربية، يعيش في زمن تشي غيفارا ويحلم في صحراء قاحلة بثورة أدغال خيالية، يظنه فوق دائرة التاريخ وصيرورة الزمن الحتمية. يتحدث إلى صحافي الجزيرة خارج خيمته وقد اعتلتها راية غريبة الشكل والألوان، وكلما نطق بجملة خاوية تفصح عن جهله بالتاريخ وسذاجة مطلبه يسعل سعالا ينم عن فساد جوفه. يذكرني مشهد سعاله ببائعات الهوى زمان الجاهلية، كانت الواحدة منهن تعلق علمابطرف خيمتها وتقحب (أي تسعل) لتنبه المارين من الزناة عن مضجعها. الحديث هنا ليس عن عاهرة جاهلية تبيع جسدها للفاحشين مقابل جزء يسير من المال ، بل عن مرتزق خان وطنه ودينه وباع ترابه وعرضه وتناسى أصله وجذوره راكضا وراء السلطة والتسلط وراكعا لجلالة الاستعمار الإسباني ومكر المخطط الصهيوني، إنه محمد عبد العزيز الذي يسمي نفسه بالأمين العام لجبهة البوليساريو الوهمية المتواجدة فقط في أذهان الخونة وخرائط أعداء الوحدة المغربية والعربية الإسلامية. منذ القدم والصحراء مغربية كما سبتة ومليلية، بل إن حدود المغرب امتدت في فترات السعديين إلى جنوب إفريقيا، ومن غير المغاربة نشر الإسلام في القارة السمراء، ومن غيرهم فتح الأندلس ووصل إلى جنوبفرنسا وشواطئ صقلية بإيطاليا. إن ماضي أبناء الشعب المغربي المجيد حافل بالمسالك المضيئة المشرقة التي لن تظلمها شرذمة من الصعاليك تقبع في البراري متربصة بأطراف البلاد مدعومة بإسبانيا الحاقدة تحت مظلة حقوق وحريات الإنسان. وهناك ثلة من الصحراويين الذين درسوا في جامعات المغرب، وغرفوا من خيراته ولازالوا يغرفون على حساب عامة الشعب، ماأن تفتح لهم النوافذ وتشرع لهم الأبواب في إسبانيا وأمريكا والدول الإسكندنافية وكوبا حتى يغيروا صدى أصواتهم ضد وحدة المغرب فيرفعوا رايات البغاء السياسي. العقل يسألكم: أين كانت الجمهورية الصحراوية قبل الاستعمار الإسباني ؟. ونزف لكم البشرى زفا: إن الشعب المغربي رغم تعدد أطيافه واختلاف أجناسه وتميز طوائفه وتنوع مشاربه وصعوبة ظروفه توحده وتجمعه الأرض التي تحت أقدامه، ولن يتنازل على شبر واحد بل ذرة واحدة من حبات الرمال الصحراوية، وإن انتزعتها الريح قاوموها وحاربوها وعادوها حتى أعادوها، فمابالك بشرذمة من البوليساريو ومن يقف وراءهم من الحاقدين. إن قضيتكم (إن كانت لكم قضية) ليست مع المخزن المغربي ولا الحكومة المغربية بل هي أكبر وأشد وطأ، هي مع كل فرد من أبناء المغرب صغيرهم قبل كبيرهم، نسائهم قبل رجالهم، صبيانهم قبل مشايخهم، ولتسألوا الفرنسيين والإسبان وقبلهم الوندال والبيزنطة والرومان والفينيقيين ماذا فعل بهم المغاربة حين أوحت لهم أنفسهم بتعدي الخط الأحمر الذي حدده الشعب ألا وهو وحدة التراب واستقلال الأرض. فإن كنتم تطلبون استفتاء للحكم الذاتي أو الانفصال، فاستفتاؤكم لن يتم في مغارات تيندوف، بل إن الشعب المغربي من سبتة الى الكويرة هو الوحيد القادر على الإفتاء برأيه والدلو بدلوه. واللوم لايقع على أعداء وحدة الأرض المغربية فقط لأن هؤلاء يخدمون مصالحهم ويركضون وراء أطماعهم، بل على الحكومة المغربية الناطقة باسم أبناء الشعب المغربي والممثلة لهم في المحافل الدولية وعلى رأسها الوزير الأول عباس الفاسي الذي عليه أن يولي قضية الصحراء الأهمية القصوى وأن يتخذ موقفا صارما وعاجلا كموقف الشعب الحازم الحاسم من هؤلاء المرتزقة بدل أن يكون شغله الشاغل وهمه التافه تشغيل عائلاته ومقربيه وأصدقاءهم وكل من كانت قافية اسمه بن جلون والفاسي والفهري وغيرهم في مناصب الدولة. أما وزير الخارجية فقد وصل شخيره عنان السماء، فعوض أن تشحذ الدبلوماسية المغربية همتها وتجند نفسها بأطر تتحدث اللغات الحية وتتواصل مع الشعوب التي اعترفت بالبوليساريو للضغط عليها سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا وتوجيهها معرفيا وثقافيا لتغيير موقفها ككوبا والمكسيك وفنزويلا وبوليفيا وبعض الدول الإفريقية والفيتنام والشقيقة الجزائر، فإن سعادة الوزير كان منهمكا في حل اشتباكات زوجته فتيحة مع زوجة السفير المغربي بإيطاليا، ولازال مشغولا بأحاديث أماديوس مع فلذة كبده ابراهيم الفهري ومسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني. الصحراء مغربية (نقطة وانتهى السطر). يقولها كل مغربي وعربي بملء الفم وباعتزاز، من شاء ذلك فأحضان أرض المغرب تضمه وتعفو عنه وترحب به، ومن كرهه فلا وجود له بين ظهراني الشعب المغربي والعربي. أما الحكومة المغربية برئاسة الوزير الأول الفاسي إن استمر تقاعسها عن الحسم في أمر مرتزقة البوليساريو وقضيتهم الوهمية فإنها ستخذل موقف الشعب الأبي الواضح ، ويجب محاسبتها قبل أن تترك مكانها لمن هم أصلح وأجدر بتمثيل المغاربة، لأن التقاعس عن أداء فريضة إرادة الشعب تواطؤ خفي وأشد وقعا على وحدة أرضه.