هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشي غيفارا ويوميات دراجته النارية*
نشر في هسبريس يوم 14 - 10 - 2010

عن السويدي للنشر والتوزيع، وفي إطار سلسلة رحلات عالمية . صدرت الترجمة العربية ل : ((يوميات دراجة نارية ، رحلة في أمريكا اللاتينية )) . أي أن الأستاذ صلاح صلاح، سعى إلى أن يشرك القارئ العربي ما جريات ووقائع الرحلة التي قام بها المقاتل والمناضل الثوري العالمي الخالد : إرنستوتشي غيفارا .إلى بعض قرى ومدن أمريكا اللاتينية،وهو لا يزال في مقتبل العمر صحبة رفيق له يدعى :ألبرتو جرانادو.على متن دراجة نارية .
في هده الفترة ،لم يحمل غيفار بعد أي سلاح ، ولم يتبلور أو يتجسد بعد مشروعه الثوري لتطويق الإمبريالية العالمية وأنظمتها التابعة .بل لا يزال طالبا بكلية الطب في جامعة "بيونس آيرس". في حين ، درس زميله "جرنادو" الكيمياء الحيوية متخصصا في داء الجذام.
ما معنى إذن ،أن نضع أيادينا على مذكرات ويوميات شخصية كاريزمية وبطولية من حجم غيفارا؟ كيف يمكننا أن نعايش من خلال توازن نفسي دقيق وقائع حياتية يومية، جنبا مع نقاوة وشموخ أسطورة غيفارا ؟ كيف يفكر الرجل، يحلم، يحس، يضجر، يصرخ، يضحك، يبكي، ينتشي،يتألم ، يعربد ... ، ثم يظهر مهاراته كحارس لمرمى كرة القدم ومدمن على السباحة في البحيرات والأنهار !! .
أي إحساس قد ينتابنا ونحن نلاحظ شابا في مقتبل العمر يزهد في مستقبله العلمي كطبيب ، ليحلم بفكرة " مجانية " . جاءته ذات صباح تدعوه لاكتشاف أدغال أمريكا اللاتنية: ((كان صباح من شهر أكتوبر/ تشرين الأول . مستفيدا من عطلة السابع عشر منه، ذهبت إلى قرطبة. كنا في بيت ألبيرتو جرانادو نشرب "متة" حلوة تحت كرمة ونعلق على الأحداث الراهنة في"الحياة بنت الكلبة" هذه ونصلح دون طائل " الجبارة ". كان ألبيرتو يندب حقيقة أن عليه وظيفته في مستعمرة الجذام في سان فرانسيسكو ديل شانيار ،وضآلة راتبه في المستشفى الإسباني . وأنا كنت قد تركت أيضا عملي، لكني على عكسه كنت سعيدا بالمغادرة . شعرت بعدم الراحة أكثر من أي وقت مضى ولأني أملك روح حالم كنت متعبا بشكل خاص من كلية الطب والمستشفيات والامتحانات . بلغنا في طرقات حلم يقظتنا بلادا نائية ، وأبحرنا في بحار مدارية وارتحلنا عبر كل آسيا. وفجأة برز السؤال منسابا كما لو كان جزءا من تخيلاتنا :
"لما لا نذهب إلى أمريكا الشمالية ؟"
"أمريكا الشمالية ؟ لكن ، كيف ؟ "
" على متن الجبارة، يا رجل "
هكذا اتخذنا قرار الرحلة ، ولم يحد قط عن المبدأ الرئيس المطروح آنذاك : الارتجال )) ( اليوميات ص 46 / 47 ).
حينما سنعرف فيما بعد، أن غيفارا بشخصيته الكفاحية العظيمة، حتى وقد أصبح في أعلى المناصب السياسية بدولة كوبا الفتية، بعد نجاحه كقائد عسكري متمرس صحبة كاسترو والملتحين في إسقاط ديكتاتورية باتيستا، ونجاح الثورة . سيغادر كوبا سنة 1965، ليقود حرب عصابات دعما للنظام الثوري في الكونغو ثم بوليفيا بعد ذلك لأنه ظل يحلم بخلق أكثر من فيثنام ، اثنين أو ثلات .
قلت نستطيع أن نلامس من أي فصيلة دموية هذا ال " غيفارا" ، ونحن نتابع معه رحلته المتعبة والصعبة بين دروب أمريكا اللاتينية . وقد جاءت الفكرة كما رأينا صدفة ، دون تخطيط مسبق بين ثنايا حديثه مع صديقه "جرينادو"، ودون زاد أو مؤونة أو نقود تكفي الرحلة التي استغرقت ستة أشهر تقريبا. مع العلم ، أن غيفارا كان يحمل بين أضلعه جسدا عليلا بالربو وهو ما يضاعف من مشاق ومصاعب الرحلة .
لقد كانت رحلة أولا ، وأخيرا تجربة كبيرة وجوهرية ل غيفار/ الشاب، بخصوص المسار الايديولوجي والقتالي ل غيفارا / الأسطورة الذي حلمنا معه وبه في الأدبيات الثورية. ولازالت صوره تؤثت فضاءات المستضعفين في كل شبر من هذه الأرض، الحالمين بشيء من الخبز وكثير من الحرية والكرامة .
كتب غيفارا إذن يومياته هاته ، خلال رحلة في أرجاء أمريكا اللاتينية سنة 1952، حيث قطع مع صديقه" غرانادو" و كلبهما الصغير كمباك مسافة 4500 كلم على متن الدراجة النارية " الجبارة " أو " la poderosa " انطلاقا من : ((بيونس آيريس هبوطا على ساحل الأرجنتين الأطلسي ، وعبر بانما وخلال الأنديز وصولا إلى تشيلي، ومنها شمالا إلى بيرو وكولومبيا وأخيرا كاركاس)) ( اليوميات ص 13 ).
وقد تعرضت الدراجة النارية ، التي أقلت غيفارا وصديقه في كل مرة إلى حادث مما عرقل المسار الطبيعي لرحلتهما. وتحتم عليهما بسبب أعطابها المتكررة قضاء كثير من الليالي في العراء والخلاء ، لتنتهي الدراجة أخيرا في مرآب ب "سانتياجو" ، و واصلا يومياتهما بدونها . فالرحلة منذ البداية، اعتبرت مجازفة ومغامرة بكل المقاييس الممكنة للكلمة .
يقول غيفارا : (( أدري الآن، بانسجام مميت مع الحقائق، أن مصيري هو الترحال ))( اليوميات ص59 ) .وبالفعل ،ستؤكد الممارسة التاريخية والوجودية لهذا الرجل . أننا ،قد نأت إلى هذا العالم، ونرحل عنه بعد أن نجعله أكثر قابلية للتحمل . أي نحول أقصاه وأدناه ،أوله وأخيره ،بدءه وانتهاءه ،ذهابه وإيابه ...إلى معادلة حقا إنسانية وبامتياز.
لقد كانت نضالية غيفارا صادقة و منسجمة كليا . فهو من طبقة متوسطة في الأرجنتين ، و طبيب ثم مسؤول دولة . بمعنى كل الظروف كانت تهيئه لموقع اجتماعي متميز . إلا أنه زهد في كل ذلك ، و اختار طريق الشعب و الحقيقة .
أمكنتنا هذه اليوميات بما يلي :
-نكتشف عن قرب ولأيام غيفارا / الشاب بأحلامه وطموحاته وإحباطاته وأحزانه وأحاسيسه . لأنه ، وكما يقع مع جل زعماء التاريخ الكبار . فإن غيفارا / الأسطورة القائد السياسي والميداني والملهم الثوري، قد يغيب عنا هذا الجانب " الأدمي البيولوجي " . صحيح أن غيفارا في العشرينات من عمره، لكنه لا يتحدث كأي مراهق أو شاب عادي أقصى طموحه الحصول على شهادته الجامعية كطبيب، وبعد ذلك يبحث له عن موقع اجتماعي كأيها البشر .
بل يتحدث غيفارا / الشاب هنا بعقل وقلب بادخين وشامخين . يقرأ الأشياء بعمق ويحلل العلاقات الاجتماعية بمعادلات ناضجة تنم عن إحساس بشري فريد : (( رحلة غيفارا في أمريكا اللاتينية تكشف مبكرا عن شخصيته الفريدة كحالم وثائر وصاحب قضية إنسانية، وهي بالتأكيد عمل أدبي ملهم )) (اليوميات ص 7 ).
-غيفارا الذي رسم أعظم اللوحات الكفاحية بالكلاشينكوف . يصيغ هنا كذلك ،أجمل الصور الأدبية بلغة مرهفة جدا تزخر شعرا وتتلوى بلاغة .يوظف خطابا أدبيا إيحائيا بامتياز بعيدا عن تلك التقريرية الصارخة والفجة كما يحدث مع أغلب نصوص أدب الرحلة ،ملتقطا الأشياء في كثافتها وزحمها .
طبعا ،تختلف العين الملتقطة هنا عند غيفارا عن أية أداة رصد أخرى !من أم البديهيات الإشارة إلى أن الأحاسيس الحية ، هي التي تنقل الحواس من بيولوجية محنطة إلى تعرية مستمرة للعالم والناس والأشياء . كان من الممكن أن تكون هذه الرحلة مجرد تسويغ لزمان ضائع . بنفس المنطق، وبلعبة ماكرة من التاريخ ربما غدا إسم غيفارا مثلنا جميعا ، مجرد طيف قد يحدث دون أن يوجد .يقول بهذا الخصوص وهو يحدس مصيره: ((علمت أنه حين تشق الروح الهادية العظيمة الإنسانية إلى شطرين متصارعين ، سأكون إلى جانب الشعب . أعلم هذا ، أراه مطبوعا في سماء الليل ، أرى نفسي قربانا في الثورة الحقيقية ، المعادل العظيم لإرادة الأفراد . أشعر أن أنفي يتسع ليستنشق الرائحة اللاذعة للبارود والدم وموت العدو. أفعم جسدي بعزم فولاذي، وأعد نفسي للمعركة )) (اليوميات ص6). أفصح عن ذلك ، في عيد ميلاده الرابع والعشرين .
يتأمل غيفارا هذا العالم، يكشفه ويصرخ في وجهه بسرد أدبي، يثابر باستمرار لكي يجد معنى لكل ما يحدث.
ظل الاعتقاد بأن المحاربين ، وأصحاب النظريات القتالية الميدانية ، يفتقدون لهذا الزمان الذاتي الذي يثيرهم إبداعيا ويخلق عندهم إحساسا جماليا وفنيا . إلا أن غيفارا يدحض ذلك ، ويصيغ تجربة متميزة .
إذا استطاع القارئ أن يقترب من هذه النصوص ، وحتى دون هوس بأسطورة غيفارا ، فإن ذلك يكفيه لكي يكشف حاكيا مرهف الحس، ذكيا جدا .يقتر اللغة بكثافة .يحافظ بشكل متوازن على تلك المعادلة التي تتوخى مماثلة الإنزياح بالصورة .
نحس بأن غيفارا ، لا يبوح للغة بنوع من التشكي المالنخولي أو إكلينيكي فهو يحكي للغة وباللغة ، ثم يفكر في حالة انسانية بديلة . لذلك ، لم يسقط في الترميز المجاني ، الذي قد يتحول إلى مجرد تلاعب بالمدلولات دون أي منطق فني . لكن رغم ذلك : (( هل نستطيع قراءة يوميات تشي غيفارا الشاب ، بعيدا عن صورة الأسطورة التي تخطت الزمن بإنسانيتها المذهلة وكفاحيتها العظيمة )) (اليوميات ص 6 ) .لاأعتقد بأن الأمر قد يكون بالسهولة المتوقعة لأن صاحبها كائن استثنائي ومختلف ،سيصنع تاريخا ذاتيا نوعيا ومن خلاله تاريخا كونيا كيفيا .
لاشك ،أن المادة التي بين أيادينا بكل ما تحمله من ثقل مشاعري وإنساني ، تشكل مادة أساسية بالنسبة للمحللين النفسانيين والإجتماعيين والمؤرخين من أجل تمثل الجوانب الخفية من شخصية غيفارا فهي وثيقة أساسية مهمة بكل المقاييس المعرفية والوجودية . تقول " أليدا جيفارا مارش " : ((كلما قرأت أكثر ، كلما أحببت الفتى الذي كان عليه والدي (...) إرنستو الذي غادر الأرجنتين تواقا للمغامرة وأحلامه بما سيقوم به من أعمال عظيمة . والشاب اليافع الذي، وهو يكتشف واقع قارتنا، استمر في النضوج كمخلوق بشري متطورا إلى مخلوق اجتماعي. ببطء نرى كيف تغيرت أحلامه وطموحاته . تعاظم وعيه بألم الآخرين وكيف سمح له أن يصبح جزءا منه . الشاب اليافع الذي نبتسم في البداية بسبب لا معقوليته وجنونه، يصبح أمام أنظارنا بالغ الحساسية حين يروي لنا عن عالم أمريكا اللاتينية المعقد الفطري، عن فقر أهلها والاستغلال الذي يتعرضون له . بالرغم من كل ذلك ، لا يفقد قط روحه الفكاهية التي تصبح أرفع وأكثر حذقا .أبي (هذا الرجل الذي كان ) يرينا أمريكا اللاتينية التي قلة منا تعرفها ، و يصف مناظرها الطبيعية بكلمات تلون كل صورة لتصل حواسنا ، حتى يمكننا أن نرى الأشياء كما شهدتها عيناه . نثره مفعم بالحياة ، يستخدم كلمات تسمح لنا بسماع أصوات لم نسمعها من قبل ، يضعنا في أجواء أدهشت وجوده الرومانسي بجمالها وفجاجتها ، مع ذلك لا يتخلى قط عن رقته حتى حين يصبح صارما في توقه الثوري القوي . ينمو في وعيه إدراك أن ما يحتاجه الفقراء ليست معرفته العلمية كطبيب ، بل قوته ومثابرته في محاولة إحلال تغيير اجتماعي قد يمكنهم من العيش بالكرامة التي سلبت منهم وسحقتهم لقرون ))( اليوميات ص9 /10 ) .
غيفارا، طبيب ثوري تقدمي إلى النخاع . حالم باللغة والأفكار، يسعى إلى تغيير مصير الناس والعالم بحواسه ثم السلاح بعد ذلك . نتعلم إذن ، من هذه اليوميات بأن الثورية مدرسة تقوم بين دروب الحياة ، وليست نظريات تحنطها الكتب وحكايات المثقفين . الواقع هو الذي يختبر النظرية ، ويحولها إلى قوة مادية .
لم يفصح غيفارا عن أية علاقة ممكنة بين هذه الرحلة ويومياته في أمريكا اللاتينية ثم مشروعه الثوري !لكن اكتشافه نماذج مختلفة من الناس ومعرفة طبائعهم، مكنه يقينا من لبنات أساسية في تمثل وفهم قوانين التغيير : ((في الصفحات الأولى يحذرنا الشاب، الذي سيصبح أحد أبطال القرن العشرين الحقيقيين أن "هذه ليست قصة بطولة خارقة" . تقرع كلمة "بطولة" في آذان الآخرين، لأننا لا نستطيع قراءة هذه الصفحات بمعزل عن التفكير في مستقبل تشي ، صورته في سييرا مايسترا، صورة تبلغ الكمال في كيرادا ديل ورو في بوليفيا . لو أن مغامرة الشباب هذه لم تكن مقدمة إلى تكوينه الثوري ، لاختلفت هذه الصفحات وكانت قراءتنا لها مغايرة وإن لم نقدر على تصور كيف . تجعلنا معرفتنا أنها تخص تشي ، رغم كتابتها قبل أن يصبح تشي (...) . هذه الصفحات شهادة – سرد تصويري كما وصفها بنفسه أيضا – لتجربة غيرته ، "إقلاع" أولي صوب العالم الخارجي)) (اليوميات ص 28/29) . للإشارة، ف"تشي" هو اللقب الذي أطلقه الكوبيون على غيفارا بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالنظام القائم، وقد تحول إلى قائد ملهم في الحكومة الثورية الجديدة : في البدء كرئيس لدائرة التصنيع في المؤسسة الوطنية للإصلاح الزراعي، ووزير للصناعة وقائد مركزي للمنظمة السياسية التي تحولت عام 1965 إلى الحزب الشيوعي الكوبي .
الثوري إذن وبعيدا عن النظريات والاعتقادات والمؤسسات . فمن الضروري أن تعلمه الحياة بوقائعيتها الملتبسة، وأن يعايش أحاسيس الناس وميولاتهم، وكيف يتلمسون خريطة تفكيرهم ؟
وبالتأكيد ، اختلط غيفارا في رحلته هاته مع كثير من الناس . وفهم بإشارات مختلفة، كيف يمكننا في لحظة ما أن نتحمل ولو لهنيهة من الزمان حتى ولو على مستوى خيالنا أن هناك بشر إلى جانبنا في جغرافية ما يتألمون ويكابدون !! .
تحدث غيفارا بترانيم جميلة ومؤثرة عن عوز الطبقة العاملة وهنود أمريكا وشرطهم الإنساني الجهنمي .
جاءت إحدى سياقات اليوميات الغيفارية على الطريقة التالية : (( في مثل هذه الأوقات حين يشعر الطبيب بعجزه الكامل، يرنو إلى التغيير : تغيير لمنع الظلم في نظام كانت فيه هذه المرأة المسكينة تكسب قبل شهر عيشها كنادلة تتنفس بجهد وتلهث لكنها تواجه الحياة بكرامة . في مثل هذه الظروف، يحاط أفراد العائلات الفقيرة، الذين ليس بوسعهم تجنب الديون، بجو القسوة التي هي بالكاد مقنعة . يحجمون على أن يصبحو أباء وأمهات وأخوات أوإخوة ويمسون عاملا سلبيا محضا النضال من أجل الحياة (...) إنها هناك ، موجودة في اللحظات الأخيرة لأناس كان الغد ولا يزال أقصى أفاقهم، عندها يدرك المرء المأساة العميقة المحيطة بحياة الطبقة العامة في العالم كله)) (اليوميات ص 84/85 ).
تعاملت يوميات غيفارا مع الزمان بجلاء وتقدير كبيرين. ذلك أن رصده الدقيق للأشياء أعطى لهده اليوميات زخما من الصور وإيقاعا متشظيا.
يحاول بكل جوارحه، نقل الأشياء والمواقف بأمانة إلى القارئ، وكأنك تعيش معه اللحظة بكل تأسيساتها : دقة الملاحظة،استحواذ على الأشياء ، متابعة دائمة وإنصات دقيق وعميق للعالم وجيولوجية التفكير الاجتماعي .
دقة في الوصف، وتفتيت للغة إلى أقصى انبثاقاتها ثم تطويع لهده اللغة على مقاس الصورة. بالتالي، أعتقد بأن الدينامية والجاذبية، وكذا قوة الحياة التي أفعمت هذه اليوميات ، تدعو إلى إخراج سينمائي من قبل مبدع عالم.
قد يمكننا أن نستوعب عن قرب العبقرية الإجتماعية لرجل في حجم غيفارا، والجمالية الإنسانية المتميزة لتلك اللحظة التاريخية التي أتى بها .
أتمنى بصدق - وهو انطباع قد يساور بلا شك كل من عاشر هذه اليوميات - أن تتحول في يوم من الأيام إلى فيلم سينمائي بعد أن يتم اختيار بطل في مستوى جاذبية وكاريزمية وذكاء وعفوية وهيبة غيفارا .
الكاميرا المتنقلة وحدها ، قد تستوعب أكثر حيثيات دروب هذه الرحلة التي حفلت بكثير من الأحداث الدونكيشوطية والشابلينية، مشوبة بالبهجة والفكاهة والسخرية والحب والحلم والبوهيمية والسعي لإعادة اكتشاف هذا العالم .هناك كذلك ، الجوع والحرمان وقسوة الطبيعة والبشر.ثم مظاهر الصعلكة والتهور والتمرد على القوانين والمواضعات الاجتماعية ...، ومواجهة الأمراض الفتاكة ولسعات الحشرات ...، بقدر نوبات الربو المميتة عند غيفارا . لكنه عالج وصديقه ألبيرتو أكثر من 3000 مريض بالجذام.
يحكي في مقطع من رسالة لأبيه بهذا الشأن قائلا: ((ودعنا مرضى مستشفى ليما بشكل رائع مما بعث فينا الحماسة للاستمرار في الرحلة. قدموا لنا موقد غاز للطبخ واستطاعوا جمع سوليس، التي تعتبر بالنسبة لوضعهم الاقتصادي ثروة ، اغرورقت عيون بعضهم بالدموع حين قالوا وداعا. نبع تقديرهم من حقيقة أننا لم نرتد قط ثيابا فضفاضة فوق ملابسنا للوقاية ولا قفازات وصافحنا أيديهم كما نصافح أي شخص آخر، لأننا جلسنا معهم وتكلمنا معهم حول كل شيء، لأننا لعبنا كرة القدم معهم. ربما بدا كل شيء كتبجح دون هدف، غير أن الدفعة النفسية النشطة التي قدمتها هذه الأعمال لهؤلاء المساكين – معاملتهم كبشر عاديين لا كحيوانات كما اعتادوا أن يعاملوا– كانت بلا حدود والمخاطرة بالنسبة لنا غير واردة )) ("اليوميات ص 159/160) .
عبر غيفارا باستمرار وهو يتأمل وقائع رحلته هاته، بأن مهمته:(( الحقيقة، كانت التنقل إلى الأبد على طرقات وبحار العالم )) (اليوميات ص 90) . لم يملك غيفارا في البداية جوابا من هذا القبيل. مادام أن الرحلة تبدو للوهلة الأولى، كما أشرت الى ذلك سابقا، تلقائية لأنها تفتقد لأي هدف. لذلك حينما حل رفيقه "ألبرتو" ، كضيوف عند صديق لهما ، توجهت زوجة هذا الأخير إلى غيفارا قائلة : (( " أمامك سنة واحدة فقط للتأهل كطبيب، ومع ذلك تسافر ؟ أليست عندك فكرة متى ستعود ؟ لكن لماذا ؟ ". لم نملك إجابات محددة على أسئلتها .)) (اليوميات ص 52/53 ) . بعد أيام قليلة ، سيكتب غيفارا : ((أدري الآن بانسجام مميت مع الحقائق ، أن مصيري هو الترحال ، أو ربما من الأفضل القول إن الترحال مصيرنا )) (اليوميات ص 59 ).
كثيرة هي اللحظات التي انقطعت فيها أنفاس القارئ ، وهو يتابع تفاصيل هذه الرحلة وهي تصف صراعات غيفارا وألبرتو ، ضد الجوع - إلى درجة أكل قشر البرتقال - والحرمان والتشرد وقساوة الطبيعة ، والعوز والحاجة ، وحيف الإنسان على أخيه الإنسان ... ، وبين ذلك كله وصف فنى رائع لجغرافية أمريكا اللاتينية وأحوال الناس والمطاعم والمناجم و العمال والكاتدرائيات والوديان والجبال والحضارات ... . مع إدراكه المبكر بحسه السياسي البعد الإستعماري التوسعي للإمبريالية الأمريكية ، واستغلالها البشع لدول أمريكا اللاتينية . كما هو الأمر مثلا مع بلد كالشيلي أو بلد بابلو نيرودا، على حد تعبير غيفارا إحالة على شاعرها الكبير ، والنهب الذي تتعرض له ثرواته النحاسية في مقابل الفقر المدقع الذي تعيشه الطبقة العاملة ومعها أغلبية الشعب الشيلي .
يتموضع إلى جانب غيفارا ملهم الكلاشينكوف والمنظر الثوري . غيفارا، عاشق السباحة وصيد الأسماك وكرة القدم . يشدو الحرية والحياة البوهيمية .
غيفارا ، الذي سيوقع الأوراق النقدية بعد ذلك باسم " تشي" تعبيرا عن ازدرائه المال واحتقاره له .(اليوميات ص 19 ) حينما تولى رئاسة بنك كوبا الوطني . هو نفسه الذي تحمل طيلة هذه اليوميات الجوع وقسوة الطبيعة والعراء وسعال الربو ، لأنه بكل بساطة لم يمكن لديه ما يكفي من النقود لتغطية نفقات ومصاريف الرحلة .
إن غيفارا ومثل كثير من الزعماء الكاريزميين ، يستحيل في أحيان كثيرة أن تقرأ إنتاجاتهم الفكرية والأدبية كما هو الأمر العمل الحالي بنوع من التجرد والموضوعية الخالصة، لأن تأثيرهم وسحرهم يكون مغناطيسيا وقويا. ممل يستحيل معه الفصل بين حدود العمل وتجليات صاحبه. فتصوراتنا الماقبلية ، حتما ولزوما توجه تقييماتنا .
لكن وضع العنوان على طريقة : يوميات دراجة نارية .ربما قد يسقط هذا الانسياق العفوي الإستلابي وراء تلك الهالة الإنسانية الكبيرة التي رسمها غيفارا، وتدفعنا مند البداية أن نستجمع قوانا لكي نتمطط مع المسافات التي ترسمها هذه الآلة بين أدغال أمريكا اللاتينية دون إعارة اهتمام للشخص. نحرق بها الكيلومترات، ونرصد معها الأحداث والوقائع.
بمعنى ثان، تبئير للدراجة النارية وأمريكا اللاتينية. وكأن غيفارا، توخى قصدا أو اعتباطا، أن لا يستهوينا أساسا إسمه . ونركز بشكل خاص على لقاءات و إخفاقات ونجاحات وأفراح وأحزان وبناءات وانكسارات دراجة نارية وهي تجوب بعض فضاءات أمريكا اللاتينية.
لقد أراد غيفارا، من القارئ فيما أظن . أن نتابع هذه اليوميات بتلقائية وعفوية دون وصاية أو سلطة . حتى لا تحول هيبة غيفارا /التاريخ - وأهم أمريكي لاتيني بعد سيمون بوليفار ،قائد مجموعة من الثورات المسلحة .وساعد على حصول كثير من بلاد أمريكا اللاتينية على استقلالها من إسبانيا - دون تكثيف حميمية وألفة غيفارا / الرحالة .
ظل غيفارا ، يدمن يوميات ترحاله بحواسه وأحاسيسه : يفرح ،يحزن ، يضحك ، يضجر ، يسخر، يشاغب ،يعربد ، يتسكع على طريقة طفولية، ويتسامى ...،ثم يداعب جسده وينصت إليه حتى لايهزمه مرضه: (( على الدراجة النارية ،في الشاحنات أو عربات الشحن المقفلة ،على متن السفن أو سيارة فورد صغيرة،والنوم في مخافر الشرطة وتحت النجوم أو الملاجئ العابرة . كافح تشي باستمرار تقريبا ضد ربوه )) ( اليوميات ص 37 ).
يحلم بتلك الأمريكا اللاتينية الكبيرة ، ويفصح عن هذا الهاجس كلما أتيحت له الفرصة . يقول غيفارا ، وهو يحتفل بعيد ميلاده الرابع والعشرين ، في مستعمرة سان بابلو للمصابين بالجذام : (( " نشكل جنسا هجينا واحدا يحمل من المكسيك الى مضايق ماجلان أوجه شبه اثنوغرافية فذة .هكذا وفي محاولة لتخليص نفسي من ثقل الريفية ضيقة الأفق، اقترحت شرب نخب بيرو وأمريكا لاتينية متحدة " )) (اليوميات ص 33 ) .
تعلقه الروحي بقارته و انتمائه ، بدا جليا كذالك من خلال مظاهر الإفتتان بحضارة الإنكا كزخم تقافي وحضاري لبلد البيرو خاصة والقارة الأمريكية معها . حيث سيضع غيفارا القارئ عند الظروف والسياقات التاريخية وكذا المعطيات الاركيولوجية لهذه الحضارة ، وتأثيرات الغزو الإسباني على ذلك .
وبقدر ما نتهاوى وراء خيالنا ، مع وصف غيفارا الحلمي لمآثر إمبراطورية الإنكا . فإننا نذهل أيضا ، بهذا السخاء الإنساني الكبير والنوعي ، وهو يزور صحبة ألبرتو مستعمرة الجذام ب البيرو مما أدى الى تفاقم حالة الربو عنده بعد يومين من المكوث هناك .
لحظة كتلك ، وكثيرة أخرى مثلها ستقطع أنفاس القارئ ، وهو يتابع تسلسل هذه اليوميات . فطابع التشويق الذي ميز كثيرا من أحداثها ووقائعها . أظهر قدرة غيفارا الإبداعية على توظيف لغة منمنمة" سنتيمترية" ، دائمة الإيحاء في تعبيراتها الحقيقية ، لأنها بالتأكيد تستند على قصدية إنسانية خالصة .
أجزم ، بأنه قد لا نجازف حكميا إذا صنفنا هذا العمل ضمن تيار الأدب الملتزم. لأنه ينطوي على قيم إنسانية ، تدعو إلى تغيير العالم . قضية ، سيموت من أجلها غيفارا سنوات بعد ذلك .
تنجلي مع هذه اليوميات ، قدرة احترافية ل غيفارا على صياغة لغة مبدعة بعين حاذقة ، تداعب الاشياء في أقصى تجلياتها وتمظهراتها ولم يسقط في التقريرية أو التبسيطية الإختزالية وهو يتوخى نقل مشاهداته الى القارئ .بل دأبت على أن تظل لغة موحية وسلسة . على الرغم، من أن بعض تعثرات الترجمة أضفت نوعا من الضبابية، وشوشت أسلوبيا إن صح التعبير على سلاسة وانسيابية – قدر كل ترجمة – جمالية كثير من الأفكار الغيفارية .
أفترض مع القارئ احتمالا ، بأنه قد وقع خطأ فظيع على مستوى الإخراج النهائي لهذا العمل . حيث أخرجت المطابع اليوميات إلى هذا القارئ ، دون أية إشارة إلى اسم صاحبها أي : إرنستو تشي غيفارا . فأعتقد بأنها ستحافظ بالرغم من غياب سحر الإسم على قيمة معرفية و أدبية . سواء على مستوى الجانب التوثيقي للرحلة أو حمولتها الإيديولوجية و بين طيات ذلك الرؤية الحداثية للعالم .
أشياء و أخرى ، أظهرت ل غيفارا مصيرا جديدا ، غير تآليف رتيبة و تافهة لولادة و موت : (( الشخص الذي كتب هذه اليوميات توفي لحظة لمست قدماه تراب الأرجنتين . الشخص الذي أعاد تبويبها و صقلها ، أنا ، لم يعد له وجود ، على الأقل لست ذلك الشخص الذي كان . كل هذا التجوال هنا و هناك في " أمريكتنا " ، لتكتب بحروف كبيرة ، غيرني في أكثر مما حسبت )) (اليوميات ص 46) .
وبالتالي ، إذا ابتدأت هذه الرحلة بدون سابق إشعار ، فقد انتهت مؤكدا بهذه الخلاصة الوجودية الكبرى . لم يفصح غيفارا عن طبيعة الشخصية التي قطع معها . لكننا علمنا بعد ذلك، بأنه من عظماء التاريخ الذين كانوا يبصقون على أنفسهم و علينا جميعا كل صباح ، و هم يكتشفون في كل آن بأن اليومي تحول عندنا إلى مجرد عادة ثقيلة ، و بأننا غير قادرين على الإحساس بأي شيئ . فظيع أليس كذلك !!.
حتى عتاة الرجعية و التعفن السياسي ، سيحبون بلا شك مغامرات غيفارا هاته . تكفيك قراءة هذا النص كوثيقة أدبية ، دون أية خلفية أو حمولة إديولوجية حتى تحب صاحبه . تقول " أليدا جيفارا مارش " مرة أخرى عن أبيها غيفارا : (( يرينا هذا المغامر الشاب بعطشه للمعرفة و مقدرته العظيمة على الحب كيف يمكن للواقع إذا فسر بشكل سليم أن يخترق الإنسان إلى درجة تغيير طريقة تفكيره أو تفكيرها . أقرأ يومياته هذه التي كتبت بكثير من الحب و البلاغة و الأمانة . تشعرني هذه اليوميات أكثر من أي شيئ آخر بالإقتراب من والدي . أتمنى أن تستمتعوا بها و أن تمكنكم من الترحال معه في رحلته . إذا سنحت لكم الفرصة يوما للسير فعلا على خطواته ، ستكتشفون بحزن أن كثيرا من الأمور بقيت على حالها دون تغيير أو حتى أصبحت أسوأ ، وهذا تحد للذين يتحلون منا ، مثل هذا الشاب الذي أصبح بعد سنوات تشي ، بحساسية إزاء الواقع الذي يسيء معاملة أكثر التعساء بيننا ، الملتزمين بالمساعدة لخلق عالم أكثر عدلا . سأترككم الآن مع الرجل الذي عرفته ، الرجل الذي أحببته حبا جما لقوته و رقته التي أظهرها في طريقة عيشه . استمتعوا بالقراءة ! و دوما إلى الأمام ! )) (اليوميات ص 10-11 ) .
للتذكير :
أسر غيفارا يوم 8 أكتوبر 1967 ، من قبل القوات البوليفية بوشاية من أحد عملاء المخابرات الأمريكية . لكي يعدم في اليوم الموالي و يلقى به في قبر مجهول إلى جانب جثامين عدد من المقاتلين . سنة 1997 : (( حدد مكان دفن رفات تشي في بوليفيا و أعيد إلى كوبا حيث وضعت في نصب تذكاري في سانتا كلارا )) . ستظل سيرته ، و إلى أبد الآبدين، تقض مضجع حمقى و مجانين الحكم في أي مكان من هذه الأرض و ما بقي الزمان .
* - إرنستو تشي غيفارا: يوميات دراجة نارية ، رحلة في أمريكا اللاتينية . ترجمة صلاح صلاح. سلسلة رحلات عالمية . دار السويدي للنشر والتوزيع . الطبعة الأولى 2005 .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.