على الرغم من أن مدينة الحسيمة هي عاصمة الريف، وتحتوي على أجمل شواطئ البحر الأبيض المتوسط (كيمادو، صفيحة، كلابونيتا، تارا يوسف، كلاايريس، رمود، طايث، إزدي، سواني سبالمديرو، بوسكور)، وميناء للصيد البحري وجبال ذات خصوصية سياحية، وموقع استراتيجي يقربها من البلدان المتوسطية، وخزان مالي مهم لاحتوائها على رؤوس أموال مهمة، إلا أن أثر هذه النعمة....في سابق عهدها كانت الحسيمة تتوفر على وحدات صناعية، كمعامل تصبير السمك و«نبات الدوم» والآجور... وهي الآن مدينة (يبلغ عدد ساكنتها 80 ألف نسمة)، تعيش - حسب أحد السكان - تحت رحمة سياسة «الماكياج» الهادفة إلى تزيين واجهاتها في ظل غياب برامج تنموية حقيقية تروم فك العزلة عن هذه المنطقة التي ذاقت صنوفا من العزلة السياسية والاقتصادية والثقافية لعقود طويلة. اختلالات وإكراهات صحيح، أن الحسيمة عرفت مجموعة من التحولات بعد زلزال 2004، والمتمثلة، حسب سعيد الإدريسي أستاذ بمدرسة بني حذيفة، في المشروع السياحي «السواني» الواقع على بعد كلمترات قليلة من الحسيمة، والرامي إلى جعل الحسيمة قطب جذب سياحي سواء بالنسبة للسياحة الجبلية أو السياحة البيئية أو الشاطئية أو الثقافية، بحكم توفرها على مآثر تاريخية مهمة. ومن شأن هذا المشروع كذلك، أن يوفر مناصب الشغل لأبنائه، لكنه (أي المشروع) سيظل دونما جدوى بسبب عدم ربط الحسيمة بمدن المركز. لأننا يضيف الإدريسي «لا يمكن أن نتصور مصالحة حقيقية مع أهالي الريف دون أن يتم ربطهم بشريان الدورة الاقتصادية والتجارية المتجسد أساسا في إقامة المسالك والطرقات». ولا يعقل، على سبيل المثال لا الحصر، أن يقطع المواطن الحسيمي مسافة 300 كلمتر عبر الحافلات في ظرف 9 ساعات من أجل الوصول إلى طنجة. كما لا يعقل أن يظل المواطن الحسيمي في مواجهة غلاء المعيشة والمواد الأساسية بسبب هذه الإكراهات وبسبب تحكم «سمسار» واحد في رقاب أهالي الحسيمة التي تحتاج إلى امتياز ضريبي. إن وضع الحسيمة، وإن كان قد تغير نسبيا بفضل المبادرة الوطنية، لم يمنع مطلقا، حسب علي بلمزيان رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمدينة، من استمرار الوضع السابق.. وضع عنوانه العريض «عدم قدرة الساكنة على السير في مستوى الركب الوطني». فعلى مستوى قطاع الصحة مازالت الحسيمة، ذات الكثافة السكانية المهمة، تعاني الويلات في هذا الجانب، إذ لا تتوفر المنطقة إلا على مستشفى إقليمي واحد هو مستشفى محمد الخامس الذي يفتقر للتجهيزات الطبية اللازمة ومصحتين خاصتين وثانويتين اثنتين لا تتوفران على بنية استقبال لازمة بالنسبة للفتيات (باستثناء دار الفتاة بترجيست التي لا تستوعب إلا 80 فتاة)... ويعتقد محدثنا أن سبب ذلك راجع إلى خطة تهميش أبناء ونخبة المنطقة في إدارة الشأن العام والمشاركة فيه. فمنذ استقلال المغرب وجدت هذه النخبة نفسها معطلة، وتم مواجهة هذه النخبة الريفية التي كانت توصف في أدبيات الاستعلامات والمخابرات المغربية بأنها بدون روح وطنية، لتبرير عزلها عن الشأن العام... لكن لغة عزل نخبة المدينة والإقليم في إدارة الشأن العام وفي طرح سؤال أولويات الحسيمة والإقليم في سلم التنمية، مازالت ترخي بظلالها وتأثيراتها على الشأن العام المحلي الذي يواجه العديد من الاختلالات، وسؤال التدبير العقلاني لمعضلات مدينة تواجه إكراهات الهجرة والتهجير السري إلى أوروبا منذ الستينات والثمانينات، واستفحال اقتصاد الريع، وتنامي لوبيات العقار في البر والبحر التي استفادت من الأوضاع الجديدة بالإقليم دونما أدنى احترام للمعايير العلمية والضوابط القانونية والبيئية... والنموذج هنا، برأي سعيد الإدريسي، مشروع «السواني» الذي انتهك بروتوكول برشلونة الذي وقع عليه المغرب لأجل حماية الساحل المتوسطي وضمان الابتعاد عن ساحل البحر ب 100 متر عند إقامة (أي مشروع عقاري سياحي). وهو البروتوكول، حسب علي رئيس الجمعية، الذي يرمي إلى تحقيق التوازن بين الأهداف البيئية والاقتصادية... هذا بالإضافة إلى أن المشروع سيستنزف الفرشة المائية للمنطقة، لأن المشاريع الكبرى تتطلب كميات كبيرة من المياه. ومما يعزز مخاوف الساكنة، وجود الكثير من المسابح داخل المشروع، الشيء الذي سينجم عنه القضاء على ما تبقى من أراضي الفلاحين، بالإضافة إلى إقدام الشركة المكلفة بالمشروع على قطع جزء كبير من الغابة التي كانت تشكل حاجزا طبيعيا يحمي الأراضي الفلاحية المتاخمة لساحل البحر من التصحر. من أجل إقلاع حقيقي ويعتقد البعض ممن التقتهم «الوطن الآن» أن الحسيمة تحتاج إلى زلزال اقتصادي يضاهي الزلزال الذي عرفته المدينة يوم الثلاثاء 24 فبراير 2004. زلزال يمكنها من إقلاع حقيقي يربطها بالنسيج الاقتصادي الوطني ويفك العزلة عنها... وزلزال تواصلي يمكن السلطات من ربط جسور من التواصل مع الجمعيات والفعاليات المواطنة. وزلزال تكنولوجي يمكن هذه المنطقة السياحية بامتياز من دخول زمن «الخدمات عن بعد»، يعلق الشاب محمد بوندا مدير شركة.