الحسيمة مدينة حاضرة بقوة في قلب كل من زارها وفتن بطبيعتها. إنها المدينة التي ينساها الكثيرون لأنها توجد في منطقة من الصعب الوصول إليها، لكن كل من يصل إليها يغرق في عشقها، وإذا لم يعد إليها مرات ومرات، فإنه على الأقل سيتذكرها أكثر مما يتذكر أي شيء آخر. تنام الحسيمة وتصحو في حضن البحر. والذين يحبون الشواطئ الفاتنة، فإن شواطئ الحسيمة المتوسطية تعكس بالفعل روعة البحر في منطقة كان من الممكن أن تكون قلعة للسياحة الداخلية والخارجية، لكنها إلى اليوم لاتزال تراوح مكانها في انتظار فك الحصار الجغرافي والطبيعي عن منطقة الريف عبر مد خطوط السكة الحديدية والطرق السيارة. توصف الحسيمة بأنها جوهرة البحر الأبيض المتوسط. أما شواطئها فإنها تمتد على مساحات طويلة وشاسعة، بدءا بشاطئ غالا بونيتا، وانتهاء بشاطئ صفيحة وكيمادو وتلايوسف. وفي كل هذه الشواطئ تُلاحظ تلك الروعة الخاصة التي تتميز بها الشواطئ المتوسطية، والتي تتفرد بغنى الثروات البحرية وبهدوء شبه كامل، وهو ما يمنح عشاق الغوص والنزهات البحرية فرصة ممارسة هواياتهم في هذه المنطقة طوال العام، خصوصا وأن أغلب فترات السنة تعرف اعتدالا جويا ملحوظا، باستثناء الفترات التي تسبق رأس السنة أو تليه. الذين زاروا الحسيمة يقولون إنها مدينة مختلفة بالفعل. إنها تشبه ذلك الفردوس الذي يمتزج فيه البحر بالطبيعة، فتبدو وكأنها صور من عالم الأحلام. ومن لم يصدق، ما عليه سوى أن يزور شواطئ هذه المدينة وغاباتها، وسيكتشف بالفعل أنه يزور مكانا لم يكن يتوقع أن يجده بتلك الروعة. على شواطئ الحسيمة يبدو ذلك الامتزاج فاتنا بين خضرة الطبيعة وزرقة البحر. كما أن عشرات الجزر الصغيرة التي تمتد عبر تلك الشواطئ تقدم إحساسا حالما وممتعا في مكان يمنح زائره هدوء النفس وسكينة الروح، وأشهر هذه الجزر جزيرة «النكور» التي توجد على بعد عشرات الأمتار فقط من شاطئ الحسيمة، لكن الشيء الوحيد غير الرومانسي في هذه الجزيرة الجميلة المغطاة بمنازلها البيضاء، هو أنها لاتزال إلى اليوم تحت الاحتلال الإسباني، ويعيش فيها بضع عشرات من الجنود الإسبان. الهدوء صفة مميزة من صفات الحسيمة، ليس في البحر فقط بل في البر أيضا، وهذا شيء يبدو طبيعيا بالنظر إلى أن المدينة لم تعرف توسعا عمرانيا كبيرا يجعلها تفقد خصائصها كما حدث لكثير من المدن المغربية، بل حافظت على توازنها الديمغرافي والطبيعي، الشيء الذي جعلها تحافظ على تلك الحميمية التي تستقبل بها زوارها في أي وقت من الأوقات. الحسيمة، التي توجد على بعد حوالي 150 كيلومترا غرب مدينة الناظور، وأزيد من 300 كيلومتر شمال شرق مدينة شفشاون، لا يسكنها سوى نصف مليون نسمة، وهذا ما يمنحها صفة تلك المدن الحميمية التي تستقبل ضيوفها بكثير من الترحاب. وهي مدينة تميز أيضا بكثير من العناد، لأن تلك الهزات الطبيعية التي عانت منها في السنوات الأخيرة، لم تمنح سكانها سوى المزيد من الإصرار على أن تبقى مدينتهم من بين أجمل مدن المغرب. تاريخ الحسيمة لا يقل فتنة عن طبيعتها. فهذه المدينة، التي كانت تعرف سابقا باسم «الخزامى»، عرفت أحداثا تاريخية غاية في الإثارة، كانت أبرزها تلك الملحمة الخالدة لمعركة «أنوال» بقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، والذي لايزال منزله إلى اليوم في منطقة «أجدير» القريبة من الحسيمة، شاهدا على تلك الملاحم البطولية التي عرفتها المدينة، والمنطقة بشكل عام. في سنة 1926، زارها الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر، وأطلق عليها اسم «سان جورجو»، لكن هذا الاسم لم يرتبط بها طويلا. كان الإسبان يمنّون النفس ببقاء الحسيمة تحت سيادتهم إلى الأبد، وكانوا يجدون فيها ما لا يجدونه في الكثير من مدنهم وشواطئهم، لكنهم في النهاية غادروها كمحتلين، ثم عادوا إليها كعشاق ومحبين. تعتمد الحسيمة حاليا على موردين اقتصاديين رئيسيين، الأول هو الصيد البحري، حيث تتوفر المدينة على واحد من أهم موانئ الصيد البحري في المغرب، والمورد الثاني هو السياحة، حيث تستقبل المدينة نوعين من السياح: المغاربة الذين يزورونها في الغالب صيفا، والإسبان الذين يزورونها في مختلف فترات السنة، والذين لا يستطيعون الاستغناء عنها.