رغم أن دوار تاونيل البعيد بـ 33 كلم عن الحسيمة غني بأشجار اللوز والزيتون والخروب فإن الأهالي لا يقدرون على فعل أي شيء في ظل انعدام البنية التحتية لتنمية منطقتهم وتأهيل مواردها الطبيعية، وليس بالأكل والشرب وحده يعيش الإنسان، يقول محمد الذي بقي وحيدا ولم يهاجر إلى الخارج كباقي إخوته، ليحرس المنزل وبعض القطع الأرضية الفلاحية الصغيرة، ويضيف هذه الأشجار تحتاج إلى جهود لتحسين استثمارها. هذا الواقع يرى فيه منير العزوزي رئيس جمعية إيزلفان ، الجمعية التنموية الوحيدة بالمنطقة، إقصاءا متعمدا من لدن السلطات للمنطقة، فرغم ـ يضيف ـ الشكايات العديدة الموجهة إلى رئيس الجماعة بخصوص حرمان 6 دواوير من تعميم التيار الكهربائي فما زال الوضع على ما هو عليه لحد الآن. وأردف العزوزي أن هذا التهميش جعل المنطقة ترزح تحت وطأة الفقر والأمية رغم توفرها على مؤهلات طبيعية، إلا أنها تفتقر لمشاريع مدرة للدخل تمنع الشباب من التفكير في الهجرة نحو المدينة أو نحو الضفة الأخرى. بعض شباب المنطقة قال لـ التجديد أنه في الوقت الذي تصرف ملايين الدراهم لإعادة تبليط وسط مدينة الحسيمة، وبالضبط ساحة محمد السادس دون حاجتها لذلك، فإن الدوار ما يزال معزولا، وقاطنوه في أمس الحاجة لفرص للشغل. وأضاف أحد الشباب بالقول إن تأهيل أشجار اللوز والزيتون والخروب لا يحتاج إلى غلاف مالي كبير بقدر ما يحتاج إلى نية صادقة لتنمية الوسط القروي، ورفع الحيف عن سكان المنطقة. ولذلك تجد سكان المنطقة يكتفون بزراعة بعض الأمتار المربع من الأرض على شكل مدرجات تغطي بالكاد حاجيات أسرهم التي تضم في أغلبها ما بين 8 و10 أفراد. رقم قياسي.. في الأمية نسبة الأمية في منطقة تاونيل وفق ما أكده رئيس الجمعية تصل إلى أزيد من 90 %، واقع ساهمت فيه طبيعة المنطقة والجهات المعنية التي همشتها وأقصتها من برامج التنمية، ومن حقها من الاستفادة من عملية التأهيل يقول بعض السكان، رغم أن مبالغ مالية مهمة رصدت للمنطقة إبان زلزال 2004 الذي ضرب الحسيمة، وتقاطرت عليها الملايير من كل جهة. هذه النسبة من الأمية تسجل في منطقة ليست ببعيدة عن الحسيمة لكن جبال شامخة تخفيها عن الأنظار لتبقى تئن وتقاسي مرارة التهميش، الذي أثر بشكل سلبي جدا على نفسية الناشئة وعلى المنطقة بأكملها... إن ما يجري في تاونيل يصب في عكس المطلوب لمحاربة الهدر المدرسي وتحسين جودة التعليم، فانعدام المساك الطرقية والإنارة العمومية يدفع الآباء إلى عدم المخاطرة بفلذات أكبادهم، خصوصا وأن المنطقة تعرف انتشار للحيوانات المفترسة في أوقات معينة بفعل قلة الحركة، وفي هذا الصدد يقول محمد العزوزي أحد سكان المنطقة الأطفال هنا لا يمكن لهم متابعة دراستهم خصوصا الفتيات، فأكثرهم حظا لا يتجاوز المستوى الابتدائي. ويزيد موضحا كيف يمكن للأطفال مواصلة الدراسة في المرحلة الإعدادي والمسافة الفاصلة بين تاونيل وجماعة الرواضي التي توجد بها الثانوي الإعدادي تصل إلى 8 كيلومترات كلها مخاطر، لا يمكن أن يقطعها الإنسان وحده إلا بواسطة الدواب...سيما وأن توقيت الخروج يكون ليلا.... والوصول إلى الحسيمة ـ يقول آخر ـ عليك بالمشي على الأقدام 8 كيلومترات ومنها إلى مدينة الحسيمة عبر وسيلة نقل، وهو ما يضطر معه الآباء إلى توقيف أبنائهم عن الدراسة. 10 أيام من الحصار خير شاهد على واقع التهميش الذي يعيشه أبناء منطقة تاونيل هو الطريق الوحيد الذي يوصل إليها، وهو عبارة عن واد جاف يصل عرضه إلى ما بين 50 و80 مترا، تسلكه الدواب وبعض السيارات المهترئة أو القادرة على تحمل صعوبة الطريق/الوادي. والأغرب من ذلك هو بقاء أبناء المنطقة لأسبوع أو أسبوعين محاصرين داخل منازلهم كلما أكرم الله المنطقة بالمطر، وما دامت المياه تجري في الوادي فإن ذلك معناه بقاء السكان داخل بيوتهم. وبقدر ما يفرح المزارعون بالغيث بقدر ما يعانون قساوة العزلة، فأحيانا تنفذ المواد الغذائية من بيوتنا ولا نجد ما نسد به الرمق رغم استعدادنا لهذه النازلة، فمدة نزول المطر تطول أحيانا أكثر مما نتوقعه يقول عبد الكريم. ورغم ما يحدث هنا في المنطقة ورغم المعاناة التي حولت الصمت إلى هجرة عدد من الساكنة، فإن الجهات الوصية لم يسبق لها يوما ـ وفق ما أكده أعضاء جمعية إزلفان ـ أن زارت المنطقة ولا حتى المنتخبون إلا خلال فترة الحملات الانتخابية، وقد وعدونا خلالها بتزويد المنطقة بالإنارة العمومية دون الوفاء بالوعد لحد الآن. الحاجة أم الاختراع في ظل ما تشهده المنطقة من خصاص وتهميش وهشاشة على كل المستويات، لجأ شبابها إلى التفكير في حل يمكنهم من التخلص مما يشبه السجن الكبير الذي يعيشون فيه، فكونوا مجموعات تضم شبابا يصل عددهم إلى ما بين 20 و30 فردا، يؤدي كل واحد منهم مبلغا يتراوح مابين 3000 و 5000 درهم حسب قدرته لصناعة القوارب معدة للهجرة السرية. ويقول شاهد عيان يجمعون مبلغا لشراء الخشب من مدينة الحسيمة يتم نقله عبر سيارة مرسدس كبيرة الحجم بثمن باهض لوعورة المسالك الطرقية التي تميز المنطقة، ويصنعون قاربا بمساعدة أحد الخبراء في الميدان مقابل 10 آلاف درهم فما فوق، وبعده يشترون محركات يحملونهم فوق ظهورهم إلى الساحل مكان صناعة القارب، إضافة إلى 200 لتر من البنزين. وينتظرون بعدها هدوء البحر من أجل الإبحار. ويضيف شاهد عيان ينتظرون وسط الغابة المحاذية للساحل أياما ينتظرون الفرصة للإبحار بمساعدة خبير في سياقة القوارب.وأكد محمد العزوزي الذي تابع العملية أكثر من مرة من بدايتها، بأن هؤلاء الشباب لم يسبق لهم أن ضبطوا وهم يحاولون الإبحار نحو الضفة الأخرى من لدن الدرك الملكي، لأن الوصول إليهم صعب لوجود جبل عال جدا، مشيرا إلى أن كل العمليات تكللت بالنجاح، الشيء الذي جعل شباب المنطقة يقبلون على الحريك نحو جنوبإسبانيا كحل وحيد للخروج من دائرة الفقر والتهميش، ومعانقة المستقبل كما يقولون.