سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تفاصيل الخطة الملكية لتغيير ملامح الشمال في أفق 2025 بعد المنطقة التجارية الخاصة بالأنشطة الاقتصادية بالقرب من مدينة سبتة المغرب يحاصر اقتصاد مليلية المحتلة
لم تكن مندوبية الحكومة بمدينة مليلية ولا الحكومة المركزية الاشتراكية بمدريد تتوقعان إحداث المشاريع الأخيرة التي تم الإعلان عنها في مدينة الناضور أو في بني انصار، والتي «تهدف إلى خنق اقتصاد مدينة مليلية، وفق المخطط المغربي الذي يسعى إلى إصابة اقتصاد المدينة بالشلل في ظرف ثلاث سنوات على أبعد تقدير»، يقول مسؤول حكومي ل«المساء». بعد مرور يوم عن إعلان المغرب عن تشييد ميناء الناضور والميناء الترفيهي بمارشيكا، قررت مندوبية الحكومة بمليلية توسيع مينائها، لكن رغم ذلك فإن «مشروع ميناء بني أنصار المغربي يبقى أكثر طموحا» يقول الإسباني أرتورو استيبان، رئيس هيئة الموانئ. وقع المفاجأة، التي لم تمكن تنتظرها حكومة خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، بدأ مع إعلان المغرب عن التخطيط لأشغال التهيئة والشروع في بناء مركب مينائي بالناضور. ووفق النتائج الأولية للمخطط المديري المينائي الوطني، فإن المشروع سيصيب ميناء مليلية بالاختناق حيث سترسو معظم البواخر التجارية بالميناء المذكور، مما سيلحق باقتصاد مليلية أضرارا مالية ضخمة. ووفق مسؤول مغربي فإن البحيرة المسماة بيطويا، الواقعة في مصب وادي كيرت، على بعد 30 كلم غرب مدينة الناضور، تشكل موقعا متميزا لتكون مركزا لتنمية مينائية واسعة النطاق. كما سيوفر هذا الموقع مزايا متعددة، منها كونه يوجد في منأى عن أمواج البحر، فضلا عن توفره على إمكانيات طوبوغرافية ومجالية ملائمة لتشييد منشآت كبرى، ناهيك عن كونه يوجد في منطقة متميزة على الطرق البحرية يتوفر بها وعاء عقاري، عام وخاص في الآن ذاته. من قاعدة للتهريب إلى منطقة سياحية تخوف الإسبان من المشاريع المزمع إنجازها في الناضور سيزداد بعد إعلان المغرب عن تشييد مركب مندمج، مينائي وصناعي وطاقي وتجاري، تحت اسم «الناضور غرب المتوسط»، الذي سيضم ميناء كبيرا في المياه العميقة وقطبا طاقيا للإنتاج، والتعبئة والتخزين، بالإضافة إلى قاعدة مينائية لمناولة الحاويات، والاستيراد والتصدير, ومعالجة المواد غير المعبأة، ومحطة صناعية مندمجة، حيث ستشمل منطقة حرة أطلق عليها اسم «الناضور غرب المتوسط»، على غرار مشروع طنجة المتوسط. ويقول محدثنا إن «بحيرة مارشيكا التي كانت تتسابق عليها وسائل الإعلام الإسبانية، واصفة إياها بالقاعدة البحرية الخلفية لتهريب المخدرات، ستتحول إلى منطقة سياحية وترفيهية كبرى، فقد انطلق الشطر الأول للتنمية السياحية بإقليم الناضور، الذي يتضمن تهيئة مدينة أتالايون، ومارشيكا، مع إنجاز ميناء ترفيهي. وتبلغ الاستثمارات بهذين المشروعين سبعة ملايير درهم، فيما تتطلب جميع الأشطر المتوالية لبرنامج تنمية مارشيكا استثمارات تبلغ 46 مليار درهم، والتي، حسب المصدر ذاته، تدخل في إطار التنمية السياحية المتوسطية على غرار السعيدية، والحسيمة، والمضيق، والفنيدق بالشمال، وهي كلها مناطق مجاورة للمدينتين سبتة ومليلية. وسبق لرئيس مجلس الإدارة الجماعية لشركة «مارشيكا ميد»، سعيد زارو، أن أكد أن برنامج تهيئة وتنمية بحيرة مارشيكا بالناضور يقوم على رؤية مندمجة للتنمية المستديمة تسعى إلى تمكين الإقليم من مشروع سياحي ضخم. وهو البرنامج الذي سيتم إنجازه عبر عدة مراحل، خلال الفترة الممتدة ما بين 2009 و2025، باستثمارات مالية إجمالية تبلغ 46 مليار درهم، والذي يراهن على تحويل بحيرة مارشيكا، التي تعد ثاني أكبر بحيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط، إلى وجهة سياحية «نظيفة». كما أوضح رئيس مجلس الإدارة الجماعية لشركة «مارشيكا ميد» أنه تم الحرص، خلال المراحل التحضيرية للبرنامج، على الاستعانة بخدمات مكاتب دولية للدراسات والهندسة المعمارية، وخبراء مغاربة مشهود لهم عالميا باحترام القواعد والمعايير البيئية في إنجاز المشاريع السياحية الضخمة. «خيبةالأمل» عبارة ذكرتها يومية إسبانية فور إعلان المغرب عن تشييد ميناء الناضور. سبب استياء المسؤولين الإسبان من المشروع المغربي الجديد يتجلى في أنه سبق تدارس إنجاز مشروع مماثل تقريبا في مدينة مليلية، لكنه لقي معارضة من الحزب الاشتراكي بالمدينة والتجمع من أجل مليلية، بل من مندوب الحكومة المركزية بمليلية نفسه حيث تم إلغاؤه ليصبح المغرب منافسا قويا لها باعتبار موقعه وكذا قرب تحول التجارة العالمية من محور المحيط الهادي إلى محور المتوسط. تشديد الخناق على مليلية امتد إلى الجانب السياحي كذلك حيث صرح محمد بوسعيد وزير السياحة أن مشروع تنمية بحيرة مارشيكا سيعزز العرض السياحي المتوسطي للمغرب، موضحا أن الأمر يتعلق بمشروع «عملاق» بالنظر إلى حجم الاستثمارات التي رصدت له وانعكاساته الإيجابية، مشيرا كذلك إلى أن «إقليم الناضور والجهة الشرقية عموما تتوفر، من خلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي وإمكانياتها الطبيعية والثقافية، على جميع المؤهلات التي تجعل منها وجهة سياحية متميزة.» وسوف يتم شق قناة جديدة تربط البحر الأبيض المتوسط ببحيرة مارشيكا، وهو ما سيمكن من ضمان تجديد مياه هذه البحيرة وتسهيل حركة الملاحة بها بفضل تقليص التيارات البحرية. كما أن تعميق هذا المدخل الجديد سيجعل البحيرة قادرة على استقبال البواخر والسفن في تنافس حاد مع ميناء مدينة مليلية، حيث ستحل القناة الجديدة بديلا عن القناة الحالية، التي سيتم تحويلها إلى ميناء ترفيهي في إطار مشروع تستمر به الأشغال 18 شهرا وتبلغ كلفته الإجمالية 362 مليون درهم. وتقع القناة الجديدة على بعد 1500 متر من القناة الحالية، كما تمتد على عرض 300 متر وعمق ستة أمتار. سياحة مجاورة لمليلية ستساهم المشاريع السياحية السبعة، التي سيتم إنجازها ببحيرة مارشيكا، والتي ستنتهي أشغالها في أفق سنة2025، في إحداث أزيد من مائة ألف سرير. وتتوزع هذه الطاقة الإيوائية، التي ستعزز العرض السياحي الوطني، ما بين مدينة أتالايون (14 ألف سرير)، ومدينة البحرين (3200 سرير)، والمدينةالجديدة للناضور (32 ألف سرير)، وقرية الصيادين (ستة آلاف سرير)، وخليج النحام (29 ألف سرير)، ومدينة مارشيكا الرياضية (خمسة آلاف سرير) ومروج مارشيكا (12 ألف سرير). وينتظر أن يتم إنجاز مختلف عمليات تهيئة وتنمية بحيرة مارشيكا، وفق برنامج زمني مضبوط وعلى مراحل, حيث تهم المرحلة الأولى الشروع في تهيئة مدينة أتالايون ابتداء من السنة الجارية على أن يتم الشروع ابتداء من السنة المقبلة في العمليات الخاصة بمدينة البحرين، على أن تنتهي الأشغال بهذه المرحلة التي تشمل أيضا إحداث ميناء ترفيهي وشق قناة لربط البحر الأبيض المتوسط بالبحيرة, خلال سنة2014. ويتضمن برنامج تهيئة وتنمية مدينة أتالايون، التي ستمتد على مساحة تفوق452 ألف متر مربع, إحداث 650 فيلا بطاقة استيعابية تصل إلى4225 سريرا، و2230 شقة سكنية (8920 سريرا)، وثلاث وحدات فندقية (740 سريرا)، إلى جانب أروقة ومحلات تجارية ومرافق اجتماعية وثقافية. أما مشروع إحداث مدينة البحرين، الذي يتطلب رصد اعتمادات مالية بقيمة ملياري درهم, فيتضمن بناء 320 فيلا (1920 سريرا)، و193 شقة (772 سريرا)، وفندقين (560 سريرا)، على مساحة إجمالية تقارب 150 ألف متر مربع. كما يتضمن المشروع, الذي ستنتهي الأشغال به في يوليوز2014، إحداث بنيات تحتية وتجهيزات برية وبحرية ومركز متوسطي للبحث في مجال التنمية المستديمة. كما تتميز المرحلة الأولى من برنامج تهيئة وتنمية بحيرة مارشيكا بإنجاز أشغال قناة جديدة وإغلاق القناة الحالية وتحويلها إلى ميناء ترفيهي، وهي العمليات التي تتطلب اعتمادات مالية بقيمة362 مليون درهم تتوزع ما بين354 مليون درهم للأشغال وثمانية ملايين درهم مخصصة لدراسات التتبع والمراقبة. مزيد من الدعم المالي مدينة سبتة بدورها تحس بنفس التخوف على مصير اقتصادها الذي يتدهور كل يوم. «بدأنا نلاحظ تراجعا كبيرا لاقتصادنا المرتكز على السلع التي تمر إلى المغرب جراء بعض التقييدات التي أصبحت تمارسها الرباط في انتظار استكمال مينائها الضخم طنجة المتوسطي»، كان هذا تصريحا خص به «المساء» مسؤول بالغرفة التجارية بسبتة، وهو ما يعتبر بمثابة دق لناقوس الخطر حول مستقبل المدينة الاقتصادي. تراجع الاقتصاد التجاري لمدينة سبتة أثار قلقا كبيرا داخل دوائر القرار بالعاصمة الإسبانية مدريد، خصوصا بعد توصلها بتقارير أعدتها لجنة اقتصادية، وبدراسات أخرى تابعة للغرفة التجارية. فقد كانت مدينة سبتة دائما، ومنذ أكثر من خمسين عاما، مركزا ضخما لرؤوس الأموال وللمستثمرين الكبار، الإسبان منهم والهنود، لكن مع انطلاق المغرب في تشييد مينائه المتوسطي، وقيامه بإصلاحات ضخمة في مناطق الشمال، وتمديد شبكة الطرق، التي تصل إلى حدود باب سبتة ورهانه على تطوير السياحة بالمناطق القريبة منها، فإن هؤلاء المستثمرين بدؤوا يتخوفون على مستقبل مشاريعهم المرتكزة بالأساس على السلع الغذائية والملابس والتجهيزات المنزلية التي تمر يوميا عبر معبر باب سبتة قبل أن تتفرق على معظم التراب المغربي. أغلبية رجال الأعمال وكبار التجار بسبتة متفقون فيما بينهم على أنه «بعد ثلاث سنوات ستعرف مدينة سبتة تراجعا اقتصاديا خطيرا سيؤثر دون أدنى شك على مستقبلها، بل حتى على نفسية الإسبان القاطنين بالمدينة» يقول مزيان، وهو أحد أعيان المدينة. ويرى مسؤول بالغرفة التجارية الإسبانية بسبتة أن ميناء طنجة المتوسطي يخفي في حد ذاته صراعا اقتصاديا وسياحيا بين إسبانيا والمغرب، حيث إن هذا المشروع الضخم سيدخل في منافسة اقتصادية قوية مع ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني وميناء سبتة، لكونه سيمتص جزءا من حركة الملاحة الدولية التي تستفيد منها إسبانيا عبر المضيق. في انتظار 2012 «سبتة ستعرف تدهورا اقتصاديا كبيرا سنة 2012 بسبب ميناء طنجة المتوسطي»، يقول المسؤول. ويضم مشروع طنجة المتوسطي منطقة تجارية خاصة بالأنشطة الاقتصادية تغطي مساحة 200 هكتار، بالقرب من مدينة الفنيدق، كما ستشيد مناطق حرة بقيمة 210 ملايين دولار، «وهو ما سيضر بالتأكيد بمدينتنا»، يقول المصدر. وبدأ الإسبان يحسون بشكل واضح بأن ميناء طنجة المتوسطي سيخلق وضعا جديدا لهم. وباتوا يشعرون بأنه بعد سنتين ستنمحي الفوارق الجمركية بين المغرب والاتحاد الأوربي، وستنقطع المداخيل الحالية التي يدرها التهريب نحو المغرب، وبالتالي سيكون لذلك تأثير مادي واجتماعي سلبي على سكان المدينة. ورغم كل ما أفرغته حكومة مدريد في سبتة ومليلية من استثمارات ضخمة في الخمس سنوات الماضية، فإنه يتم الحديث عن رصد ميزانية استثنائية للسنة القادمة، تنفيذا لوعود التزم بها ثاباطيرو في الانتخابات الأخيرة بضخه مزيدا من الدعم لهما. سكان مدينة سبتة من جهتهم بدؤوا يحسون بالتحول الكبير الذي طرأ على منطقة الشمال، وولاية تطوان خصوصا، من تأهيل للبنيات التحتية وتجديد شبكة الطرق، وتشييد ممرات ساحلية (الكورنيش) بكل من المضيق والفنيدق. إصلاحات بدأت تثير غيرة الجارة وتخوفها من تأثير ذلك على ساكنة المدينة. وسبق أن اجتمع عدد من المسؤولين من مدينة سبتة والجزيرة الخضراء «لتدارس سبل العمل من أجل تفادي تأثير الإصلاحات البنيوية والهيكلية والسياحية التي يقوم بها المغرب على موقع ميناء الجزيرة الخضراء في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط»، وعلى الخصوص، مدى تأثيره المرتقب على اقتصاد المدينتين سبتة ومليلية. هذا الوضع المرتقب في المنطقة دفع المسؤولين الإسبان عن مدينة سبتة إلى التفكير في تحويل المدينة إلى منطقة سياحية واقتصادية متطورة لا تعتمد على تهريب السلع نحو المغرب، وهو النشاط الذي يعود على المدينة بأكثر من ملياري درهم سنويا، فيما ينتظر أن تتراجع عائدات التهريب هاته بشكل كبير جدا بعد انطلاق الأنشطة التجارية والصناعية والمبادلات في ميناء طنجة المتوسط. وبحسب المحللين الاقتصاديين، فإن مشروع الميناء المتوسطي سيصيب اقتصاد سبتة بالشلل في حال استمرار نفس الاستراتيجيات والموارد التي ظل يعتمدها منذ استقلال المغرب.