هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصوف الفرنكفوني وتداعياته بالمغرب العربي


محتويات
* المبحث الأول: ماهية التصوف الفرنكفوني
* المطلب الأول: تعريف التصوف الفرنكفوني
* الفرع الأول: تعريف التصوف
* الفرع الثاني: تعريف الفرنكوفونية
* الفرع الثالث: تعريف التصوف الفرنكفوني
* الفرع الثالث: حركة فرنسا في اختراق التصوف
* المطلب الثاني:علاقة التصوف الفرنكفوني بالسياسة والحداثة
* المبحث الثاني: التصوف الفرنكفوني في المغرب العربي وتداعياته
* المطلب الأول: حراك ونشاط الساسة لتفعيل التصوف الفرنكفوني في دول المغرب العربي
* المطلب الثاني: التصوف الفرنكفوني وتداعياته على الجزائر
* المطلب الثالث: التصوف الفرنكوفوني وتداعياته على المغرب
* المطلب الرابع: تداعيات التصوف الفرنكفوني في المغرب العربي
المبحث الأول: ماهية التصوف الفرنكفوني
المطلب الأول: تعريف التصوف الفرنكفوني
الفرع الأول: تعريف التصوف
طريقة في السلوك تعتمد على التقشف ومحاسبة النفس، والانصراف عن كل ما له علاقة بالجسد والتحلي بالفضائل، تزكية للنفس وسعيا إلى مرتبة الفناء في الله تعالى إيمانا بالمعرفة المباشرة أو بالحقيقة الروحية[1].
الفرع الثاني: تعريف الفرنكوفونية
1- تعريفها: رابطة تضم الدول والشعوب التي تتحدث بالفرنسية كلغة رسمية أو حتى لغة عادية، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في القرن التاسع عشر[2]، 1880م فقد وضعه عالم الجغرافيا الفرنسي: "أونزيم ركلو"وهو مكون من قطعتين فرانكو (من فرنسا) و فوني (من صوت)، للدلالة على مجموع المستعمرات الفرنسية القديمة الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية. ثم تحولت الفرنكوفونية إلى منظمة دولية تضم عدداً كبيراً من الدول، ومنها بعض الدول العربية والإسلامية، تشمل المنظمة الدولية للفرنكوفونية ومقرّها باريس، أربعة ممثليات دائمة وهي :أديس أبابا وفي بروكسل وفي نيويورك وجنيف، كما تشمل ثلاثة مكاتب إقليمية: (غرب إفريقيا، إفريقيا الوسطى، والمحيط الهندي والمحيط الهادئ) لومي بالتوغو، الغابون، الفيتنام[3].
2-أهدافها ووسائلها وآثارها :أنصار الفرانكفونية يعتقدون أن الفرانكفونية من شأنها أن تسعى لتقريب الشعوب وتنمية التعاون بينها بينما يعتقد أعداؤها بأن تسعى إلى تغرب الثقافة العربية في بلدان المغرب العربي وأفريقيا التي تتميز بالازدواج اللغوي.مشروع الفرانكفونية مشروع ثقافي يتطلع إلى غايات سياسية محددة، وبدأ يتحرك من خلال تنفيذ المقررات المتخذة من أجل نشر اللغة الفرنسية وثقافتها باستعمال أساليب متعددة مثل شبكات التلفزيون عبر الأقمار الصناعية. (قناة تي. اف. 5 وفرانس 24) بدأت تبث برامجها إلى دول المغرب العربي). إن الوضع الثقافي- السياسي في المغرب العربي، سواء أثناء الاستعمار أو فيما بعد الاستقلال، يتميز بخصوصية المعرفة، فالكتابة باللغة الفرنسية لم تكن تعبر عن نزهة عابرة، ذلك أن الاستعمار الفرنسي فرض سياسة التجنيس لطمس معالم اللغة العربية في كل من الجزائر والمغرب[4].ويرى "عبد الإله بلقزيز" أن الاستراتيجيا الفرنكفونية تحركت تجاه المجتمعات والدول المستقلة سياسيا عن فرنسا، المرتبطة اقتصاديا وثقافيا بها، على جبهتين على جبهة رسمية من خلال ربط هذه الدول بأطر سياسية تشرف عليها باريس، وتتيح لها توجيه السياسات العليا لهذه الدول، سواء في المجال الداخلي أو في المجالين الإقليمي والدولي، على النحو الذي يصب نتائجه في تنمية نفوذ فرنسا الثقافي والاقتصادي فيها، ويعزز مركزها في الساحة الدولية، ثم على جبهة شعبية من خلال تكثيف نشاط المؤسسات الثقافية الفرنكفونية في هذه المجتمعات، وخلق روابط ومؤتمرات ثقافية فرنكفونية جامعة للبلدان المسماة ناطقة بالفرنسية، ولمؤسساتها الرسمية والأهلية ذات الصلة كما من خلال تشجيع الإنتاج الثقافي باللغة الفرنسية، وإحاطته بالحوافز وبالرعاية المادية والإعلامية المؤسسية في العالم الفرنكفوني[5]. ومعلوم أن المغرب والذي اتخذت منه فرنسا كسلاح تشهره في وجه العولمة لتضمن به بقاءها على الساحة الدولية وتفتح من خلاله فضاءات الإنعاش لغتها وحماية ثقافتها وبسط فرانكفونيتها في مختلف محمياتها ومستعمراتها الإفريقية التي ترى فيها امتدادا لوجودها، ففرضت فرنسا ازدواجية التعليم على المغرب غداة الاستقلال بعد ما وقع معها على اتفاقيات سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية باسم تبادل الخبرات والمصالح، باعتبار إن اللغة الفرنسية تمثل نموذجا لسانيا كاملا بذاته قوامه التقنية والعلمية والعقلانية[6]
الفرع الثالث: تعريف التصوف الفرنكفوني
-الصوفية الفرنكوفونية الجديدة، فهي جديدة : لما تتسم به من خصائص "عصرانية" مخالفة للمعهود من الصوفية بمختلف طرقهم وهي فرنكونية : لأن القائمين عليها فرنكفونيين مشبعين "بالثقافة الفرنسية"[7]. المدرسة الفرنسية منصبة على أن التصوف الإسلامي يشبه تماما التصوف المسيحي الرهبنة وأن جذور التصوف الإسلامي ممتدة إلى المسيحية وتؤخذ عنها ومنهج المدرسة الروحي وهو منهج غير علمي ودراستها منصبة على أن التصوف ظاهرة اجتماعية[8].
الفرع الثالث: حركة فرنسا في اختراق التصوف
قامت بفرنسا حكومة ماسونية والتي بدورها اخترقت المغرب والجزائر الذي كان تحت الحكم العثماني وبدأ الضعف ينتابه فقامت بتنظيم قراصنة في تلك البلاد بحجة الجهاد الإسلامي في الجزائر والمغرب حيث كونت جمهورية سلا في المغرب بقيادة العياشي ومراد باشا الذي كون قرصنة في الجزائر، اتفقت فرنسا مع بريطانيا على غزو المغرب متقاسمة مع اسبانيا في عام 1904 م ثم حركت فرنسا ضده الصوفية وخاصة ثورة أحمد بن محمد الريسوني "بوحمارة" أحد أبناء الحزب الفاطمي في المغرب الذي أجبر السلطان عبد الحفيظ بن الحسن إلى أن يدخل فرنسا وإسبانيا لإخماد الثورة في عام 1909م[9].
المطلب الثاني:علاقة التصوف الفرنكفوني بالسياسة والحداثة
1_أسباب وعوامل ارتباط التصوف الفرنكفوني بالسياسة العربية: ويتمثل ذلك في استمرار الصوفية تحت مسميات جديدة لعبت دوراً في مشهد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة بل شاركت في مظاهر العمل السياسي، فلم تحافظ على حياديتها ونقاء سريرتها نحو الزهد والتَعَبُد، بل تحيزت إلى جانب مؤسسات الدولة[10]، وقد أصبح الإسلام في السنوات الأخيرة مسألة سياسية بامتياز، وتضاءل بعده الديني والروحاني وروج الإعلام الفرنسي الخوف من الإسلام (إسلاموفوبيا) وتم توظيف تفجيرات 11 سبتمبر2001م _تفجير برجي التجارة بأمريكا واتهام الإسلاميين بذلك_، وقد أثارت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان CNCDHفي تقريرها السنوي لعام 2013م تنامي التعصب ضد المسلمين، وظهر الإسلام الصوفي في فرنسا كإسلام روحي. يقول إيريك جوفروا "المتصوف لا يرفض الشريعة إطلاقا ولا طقوس الإسلام. هو ينيرها من الداخل مجددا للمؤمنين معانيها باستمرار"[11].
أ-ولوج الطرق الصوفية بالمغرب العربي في الحراك السياسي: اتهم التصوف المتأخر في شكله الجماعي أو الطرقي بأنه حامل لرسالة سياسية معينة من أجل الاستقطاب الديني، حيث يستطيع التصوف أن يعبئ الجماهير روحيا دون المس بأمور الحكم وثانيا، لأن مفهوم الجهاد في التصوف ينصب على التزكية والتربية والتسامح مع الغير لا على العنف المسلح. كما أنه حتى على مستوى الصراع الإقليمي بين دول منطقة المغرب العربي خاصة ( المغرب والجزائر) أضحى عنصرا مهما في الحفاظ على التوازنات الإقليمية[12]، وفي المغرب قام الشيخ حمزة زعيم الطريقة القادرية البوتشيشية، بدعوة مريدي الطريقة إلى الظهور وإلى التصويت لفائدة الدستور الجديد فالتيارات المرتبطة بالإسلام الراديكالي كانت قد دعت إلى مقاطعة الانتخابات. بذلك تمكنت تلك الطريقة الصوفية من إظهار توسع تأثيرها وقدرتها على التعبئة، خصوصا في مواجهة أقطاب الراديكالية[13]. وهذا ما يؤكد تجدد وإحياء الزوايا والطرق الصوفية في المشهد الديني المغربي المعاصر، بل ارتباط السلطة السياسية فيه بالصوفية مسلّمة ثابتة تاريخيًّا، ويشهد لذلك الرعاية الرسمية للإسلام الصوفي كتنظيم ندوات، فضلا عن تنظيم مجموعة من المهرجانات ذات المنحى الصوفي من قبيل "الموسيقى الروحية، السماع الصوفي، الإسلام الزوياتي" لا يرى أتباعه أي تعارض بين معتقداتهم الدينية وولائهم لدولهم وقوانينها رغم اختلاف مرجعياتها الإيديولوجية[14].
ب-تسييس التصوف في العالم العربي مرده الزعامة الدينية : في الفترة الأخيرة بدأت بعض الرموز الصوفية تذهب نحو ممارسة "تسييس التصوف"، ومع دخول المنطقة العربية مرحلة صراع إقليمي طرفاه إيران والسعودية، ذهبت السعودية باتجاه دعم "السلفية المتشددة"، بينما فضلت إيران التوجه نحو "الصوفية السياسية"، من الناحية الأيديولوجية، تحاول السلفية والصوفية السياسية، احتكار الحديث عن الإسلام[15].
ج_الطرق الصوفية بين التبعية الاستعمارية والتوظيف السياسي: بعض الحركات الصّوفية تحالفت مع الاستعمار أو رفضت مقاومته باعتباره قضاء وقدرا، حتى وصل الأمر إلى التّحريم المطلق لمقاومة الاستعمار، ولهذا حرصت سلطات الاحتلال على إطلاق يد الطّرق الصّوفية في ممارسة أنشطتها. وعلى محور آخر، حاول بعض الدّارسين الرّبط بين الظّهور المكثّف للطّرق الصّوفية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، الّتي وجّهت الأنظمة السياسية بالعالم الإسلامي، لفتح الأبواب للطّرق الصّوفية، لمواجهة التيّارات السّلفية[16]
2_علاقة التصوف الفرنكفوني بالحداثة: يلوح بعض المثقفين الحداثيين في العالم العربي والغرب بالتصوف باعتباره الحل الأمثل لإقرار السلم والتصالح بين الأمم والديانات والشعوب. وانبرى بعض الحداثيين إلى إبراز رحابة الرؤية الصوفية، والتأكيد على ميل الصوفية إلى المسالمة والموادعة ومحبة الآخر. وكثيرا ما يتم الاستشهاد بنصوص ومواقف دالة ظاهرا على حداثة الصوفية وتفتحهم الفكري والوجداني والروحي ومحبتهم للآخرين مهما أوغلوا في الاختلاف والغيرية. وكثيرا ما يعمد هؤلاء إلى إيراد وقائع أو مواقف (موقف عبد القادر الجزائري من نصارى الشام في عام 1860) أو نصوص ناطقة بالمحبة والشوق والحدب على الناس(أشعار الحلاج وابن الفارض وابن عربي …) أيا كانوا أو داعية إلى قبول العيش المشترك وتقاسم القيم الإنسانية.كما يتم التأكيد على نقاط التلاقي بين التصوف والعرفانيات الكتابية أو الحداثية (السريالية مثلا) وعلى تجاوب أفق النص الصوفي مع آفاق ما بعد الحداثة والتفكيك(كتابات علي حرب وعبد الوهاب المؤدب وعبد الكبير الخطيبي[17]
أ_تأثر التصوف الفرنكفوني بوسائل الحداثة: رأت المجتمعات السّياسية العربية والغربية في التّصوف، البديل الرّوحي للردّ على التّنظيمات الدّينية المتطرّفة لذا رُئي أن توظيف الدّبلوماسية الصّوفية في العديد من القضايا السّياسية، نوع من الحداثة الدّينية[18]، وشهدت السنوات الأخيرة انتعاشاً كبيراً للأدب والتراث الصوفيين، بفضل الانترنت والبروز الثقافي والسياحي وهذا ما يدل على بوادر نهضة صوفية جديدة في العالمين العربي والإسلامي، بعد الانتكاسة التي تعرض لها التصوف، حتى وصلت المنطقة إلى مأزق حقيقي في تحديد العلاقة بين الدولة والدين، وفي إيجاد مصالحة بين الحداثة والدين، خصوصاً في ظل بطء وتعثر عملية الإصلاح الديني_التشريعي لمواكبة تطور الأحوال. وانتشر نوع من التدين الانتقائي لدى شريحة واسعة من الشباب العربي، غير مشروط بالنسق التقليدي للمذاهب، ولا بآراء فقهائها. تدينٌ يؤمّن الحاجات الروحية، ويراعي الحاجة لمواكبة الحداثة والعولمة والعلمنة والحريات[19].
ب_وسائل الحداثة وما بعدها تجذب العلمانيين للطرق الصوفية:إن بشائر عصر ما بعد الحداثة التي حلّت لا تخلو من عدمية تركن للتصوف الذي لاح أفقا في فكر نيتشه. إن فضح الحداثة التي حوّلت الإنسان إلى عبد مطيع لإرادة السلطة والبيروقراطية على نحو ما وضّح ذلك ماكس فيبر وماركوز خلقت حالة سريريه للعقل التائه والمغترب ليغدو التصوف هذيان يوطوبيا الحب كذريعة مسكّنة لمعاطب الحلول الواقعية لمشكلاتنا[20]، فهناك إقبال بين صفوف الشّباب والنّاضجين من ذوي الخلفيّات العلمانيّة، اليساريّة، المدنيّة، الليبراليّة واللاأدريّة التي تؤمن بأن القيم الحقيقية والغيبية لا يمكن تحديدها، على خوض تجربة التّصوّف ومما يهيئ للانجذاب نحو التّصوّف كظهور اليوتيوب أو الشيخ الرقمي بدون الحاجة إلى خوض مراسيم مبايعة الشّيخ بناء على النّهج الطّروقي. أيضا انتشار الشعر الصوفي قبل الإنترنت بين شعراء الحداثة من ذوي الشعبية بين جماهير المدنيات والعلمانيات، وعود الشعر الصوفي القديم جدا كنص يغنيه مغنّيون على أنغام الجاز الحديث. في مقابل الاستياء من الأنموذج الرأسمالي الذي حشر الإنسان في نظام روتيني ممل جعل الإنسان العلماني المدني يفضل الانضمام للتصوف سعيا خلف السّعادة والروحانيّة الموعودة[21].
اقرأ أيضا: ندوة علمية حول التصوف السني ببوجدور
3_ وجهة نظر: يتمثل موقفي الشخصي في معارضة اقتران التدين بالدهاء السياسي والفصل بين التدين والإيمان والتصوف كتجربة فردية روحية سامية بأغراض السياسة ودهاء ومكر العاملين في مجالها وأوافق الرأي القائل: (إذا كان الدين من حيث هو نصوص وتشريع لا يعير للعمل السياسي في إطار التعبد إلا هامشًا تبعيًا غير أصيل، فكيف تسيس العمل الإسلامي المعاصر في كثير من صوره حتى كانت له ردود أفعال ذات طابع عنيف على شاكلة العنف الثوري الوارد في الأدبيات الماركسية، فيضع كل رهانه على الحل السياسي وحده، ويصبح معيار تدين الفرد على مدى ما يضمره الفرد من مواقف سياسية ضد هذا النظام أو ذاك، فيصبح التدين حركة احتجاجية أكثر من كونه حركة تعبدية)[22].
المبحث الثاني: التصوف الفرنكفوني في المغرب العربي وتداعياته
المطلب الأول: حراك ونشاط الساسة لتفعيل التصوف الفرنكفوني في دول المغرب العربي
إن التصوف الفرنكفوني يكشف في ثناياه تبعية دول العالم العربي والإسلامي للدول المستعمرة[23]، وقد كشف الربيع العربي عن هامشية الدور السياسي المستقل الذي تلعبه الطرق الصوفية في الإقليم العربي في السنوات الأخيرة، بسبب أزمة الفكر الصوفي وانزلاقه في الممارسات الشعبية، وتحول غالبية الطرق من دور الاستقلال، الذي مارسته أثناء الاستعمار في معظم الدول، إلى التبعية لسياسة الدولة؛ حيث أصبحت الطرق الصوفية مُنفِّذًا لتعليمات الحكام لضبط التوازنات الاجتماعية والحركات السياسية[24].ويلاحظ أن الموقف الصوفي من ممارسة السياسة والثورات في دول المغرب العربي (الجزائر والمغرب) في صورة مقارنة؛ نظرًا لتشابه الحالة الصوفية في هذه الدول من حيث التركيبة الاجتماعية والطرقية. وما زالت سياسة الدولة في كلا البلدين تضبط المحددات الرئيسية للتصوف بما يخدم سياستهما الخارجية من خلال دعمهما للطريقة التيجانية ذات الأعداد الكبيرة من الأتباع، والطريقة العلوية لما لهما من ثقل وتأثير شعبي كبير في المنطقة الإفريقية وفي الإقليم العربي وخارج حدوده[25]. والطرق الصوفية المنتشرة في الإقليم العربي بعد ربيع الثورات العربية فهي التيجانية والعلوية في الجزائر والمغرب، وفي الجزائر وصل عدد الطرق الصوفية إلى30 طريقة، تنشر في 9 آلاف زاوية تضم حوالي 4 ملايين صوفي وأشهرها الرحمانية والسنوسية والدرقاوية[26]والطيبية والتيجانية والعلاوية، وتنتشر في العاصمة مراكش وفي دمنات وفي إزيلات، وتنتشر بكثرة في الريف الشرقي. ومن الطرق فيتلك المناطق: العلوية[27] والقدورية الكركرية والدرقاوية والقادرية والشاذلية[28] والشعبيون[29].
المطلب الثاني: التصوف الفرنكفوني وتداعياته على الجزائر
أبرز الطرق الصوفية الفرنكفونية وأهم شخصياتها بالجزائر تتمثل في:
1-العلوية أو العليوية أو العلاوية: تعتبر العلوية من أحدث المؤسسات نشأة وسميت باسم شيخها العلوي تتموقع الزاوية بحي تجديث العتيق بمستغانم[30]، الطريقة العلاوية شيخها المؤسس أحمد بن مصطفى بن عليوة (1874-1934م) ولد ونشأ بمستغانم وخلف شيخه حمو البوزيدي[31]، دفن بتحديت[32]. قال فيه أبو القاسم سعد الله: (ذاع صيت ابن عليوة ودخل طريقته المسلمون وبعض النصارى وتجاوز تأثيره الجزائر وبلغت مؤلفاته حوالي أربعة عشر تأليفا هي أقرب للفلسفة منها إلى التصوف المعتاد، ومن ذلك الكتاب المنسوب إليه بعنوان الأبحاث العلوية في الفلسفة الإسلامية، وفي دراسة أوغسطين بيرك عنه آراء فلسفية نسبت إليه تجعله في مصاف أعلام الفلسفة المعاصرة، بينما اتهمه البعض بأنه كان حلوليا في مذهبه الصوفي…كما أن بعض الأوروبيين المندسين حاولوا استعمال ابن عليوة في أغراض قد لا يكون هو واعيا بأبعادها، كدعوته لحضور افتتاح مسجد باريس، وحديثه اللاهوتي مع القس جياكوبتي، وانتماء عدد من الأوروبيين إلى طريقته وتشهد كتابات مارتن لنغر وأوغسطين بيرك أن ابن عليوة كان ربما مستعملا)[33]
"خالد بن تونس"[34]إمام وشيخ الطريقة الصوفية "العليوية، العلاوية" يعتقد أتباعها الذين يوجد أغلبهم في فرنسا أنه ولي من أولياء الله وصاحب سر عظيم وبركات عظيمة، أنشأ فرعا للكشافة الإسلامية لإرساء مبادئ التراث الصوفي ويعتمد على العصرنة والتحديث في نشر أفكار الصوفية وشيوخ هاته الزاوية يهتمون بالتأليف والتدوين[35]، ويرى خالد أن زواجه من فرنسية كاثوليكية كسر تابو التقاليد ويعطي للمرأة والرجل الحرية ويقول إن القرآن تتمثل رسالته المقدسة في الحرية وهذا مما يسمح لتيار الطريقة أن يجد لنفسه طريقا إلى الغرب. وبوفاة والده تم تعيينه من قبل مجلس الحكماء لخلافة والده وهو بست وعشرون سنة، ويرى خالد أن القدر هيّأه ليدمج: الحياة الروحية التي اكتسبتها من التعليم الأصيل، والحياة المادية بمختلف مظاهرها. ويقول عن منصب خلافته للعلاوية بعد والده أن كونه شابا ومقيما بباريس فك عنه حصار المعارضين لاعتباره غير خطير[36].
2-التيجانية :تقع الزاوية التيجانية [37]بمدينة عين ماضي والتي تبعد عن مدينة الأغواط بحوالي 75 كلم[38]، وتتمثل طقوس الطريقة التيجانية في الورد اللازم والوظيفة-تتكون من 4 أركان الاستغفار، صلاة الفاتح، الهيللة، جوهر الكمال-وحضرة يوم الجمعة[39]. الشيخ التيجاني كان يقول إن الاستعمار قدر إلهي ويوم يشاء الله يذهبه، ولم نشهد للتيجانية موقفا يعارض السلطة فأثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر وجه الأمير عبد القادر للتيجانية و"محمد الصغير التيجاني" دعوة للانضمام إلى حركته الجهادية فرفضوا تحت التذرع بأن الاستعمار قدر ومكتوب على المجتمع الجزائري ويكفي أن ندعو الله حتى يخلصنا منه فلما اكتشف الأمير تعاملهم مع المستعمر حاصر الزاوية بعين الماضي حتى تمكن من المنطقة وبعد تلاشي قوة الأمير بعد ذلك اعتبر التيجانيون أن الله سلط القوات الاستعمارية على الأمير وجيشه أي أن ذلك عقاب رباني له لأنه عاد وليا من أولياء الله وتم استغلال الزاوية التيجانية لتمرير الخطاب الديني الذي تغنت به السلطة الاستعمارية لتضمن ولاء الطبقات الشعبية التابعة للزاوية[40]. أما عن الطريقة التيجانية حاليا وتوظيفها للبعد السياسي فترى "هبة بريسنشر" أن الطريقة التيجانية لاقت العطف والدعم الكامل من المخزن السليماني الذي اعتمد على توجهها السني من أجل محاربة البدع و الطقوسية التي كانت منتشرة بشكل كبير في المجتمع المغربي، فوجدت المجال الرحب لاستقطاب الأتباع وتأسيس الزوايا ليس في المغرب فقط، بل امتد إشعاعها الصوفي مما جعل كلمة شيوخها اليوم مسموعة حتى في أعلى هرم السلطة في عدد من دول الساحل الإفريقي ، وهذا ما دفع الدولة المغربية إلى الاستمرار في دعم الطريقة لضمان دعمها للسياسة الخارجية المغربية ، التي لاقت صعوبات عدة على المستوى الإفريقي خصوصا في مسألة مشكل الصحراء[41]، وحاولت الدولة الجزائرية في البداية أن تستميل شيوخ الزاوية التجانية وتستقطبهم للعب الدور المعاكس للسياسة المغربية عبر عقد الملتقيات بعين ماضي مسقط رأس الشيخ التجاني لإضفاء نوع من الشرعنة للاستخدام السياسي للطريقة[42]، إلا أنها اصطدمت بالروابط المتجذرة بين الدولة المغربية و أتباع الطريقة التجانية بأن أمير المؤمنين في المغرب هو أمير المؤمنين لجميع التجانيين في العالم بحكم البيعة التي في عنق الشيخ المؤسس سيدي احمد التجاني للسلاطين العلويين. كما أن غياب الوفد المغربي عن الحضور بعين ماضي شكل ضربة قاسية للجزائر التي كانت تراهن على أن يكون مقر الخلافة العام للطريقة بأرضها بدل المغرب حيث ضريح الشيخ سيدي أحمد التجاني)[43]
3-العمارية: نسبة إلى الولي الصالح عمار بوسنة (كان في القرن الثاني عشر في ضواحي عنابة) ومؤسسها هو مبارك بن يوسف المغربي وهو عميل من عملاء فرنسا سمى نفسه خديم سيدي عمار وطريقته الطريقة العمارية؛ وقد أسس هذه الطريقة بتشجيع من فرنسا التي بنت زاوية قرب قالمة لتنطلق منها دعوته كما ساعدته بالدعاية لطريقته بإقامة الحفالات في المدن وفي المقاهي، وعن طريق تكوين فرق بهلوانية متجولة تنتقل في الأرياف، وفي سنة 1882 تمكن من وضع ذكر طريقته المستقل عن الذكر القادري بإعانة شيخ قادري تونسي عميل أيضا، وذكره هذا يتميز باختلافه حسب أيام الأسبوع إذ منه "لا حول ولا قوة إلا بالله" يوم الأحد ، و"لا إله إلا الله" يوم الإثنين وهكذا.وقد بلغت الزوايا التابعة له 26 زاوية كانت تستقطب 7 آلاف مريد إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي[44] .
4-الدرقاوية: رأسها غلام الله في مدينة تيارت يدعو صاحبها إلى سياسة الاتفاق الديني بين الإسلام وفرنسا[45]
المطلب الثالث: التصوف الفرنكوفوني وتداعياته على المغرب
أبرز الطرق الصوفية الفرنكفونية وأبرز شخصياتها ونشاطهم بالمغرب
1-القادرية البوتشيشية:منتسبون للطريقة القادرية البودشيشية التي تعد من أقوى الطرق الصوفية في المغرب تنتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ظهر في القرن الخامس الهجري. أما لقب البودشيشية، فقد اكتسبته بواسطة الشيخ علي بن محمد الذي حمل لقب "سيدي علي بودشيش" لكونه كان يطعم الناس أيام المجاعة بزاويته وجبة الدشيشة المشهورة في المغرب. تم إدماج الزوايا وعلى رأسها الزاوية البودشيشية في السياسة الدينية للمغرب من أجل احتواء ظاهرة التطرف الديني في السنوات الأخيرة، فالبودشيشيين خرجوا في مظاهرات حاشدة تؤيد النظام الحاكم وتدعم الإصلاحات والدستور الجديد للبلاد بعد 20 فبراير 2011م[46]، والطّريقة البودشيشية صنّفت نموذجا للتّزاوج بين الدّين والسّياسة العالميّة، أو العولمة الغربية[47]، إذ بات لها علاقات وطيدة مع هيئات دبلوماسية لبلدان مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، هذه الأخيرة الّتي أدّت دورا هامّا في تشجيع الطّرق الصّوفية، في عديد البلدان الإسلامية، من خلال العمل الجادّ على إدخال الفكر الصّوفي في المناهج الدّراسية[48]. ولقد استطاعت "الطريقة القادرية البودشيشية" أن تستقطب أتباعاً بالملايين داخل المغرب وخارجه كما تعكس المهرجانات الصوفية في المغرب محاولات الحكومة المغربية توظيف التصوف في لعبة التوازنات السياسية، بتعزيز الصوفية في البلد كحل لمواجهة صعود "الحركات الأصولية غير المعتدلة والمتطرفة". كمهرجان بمدينة مراكش باسم الدورة الدولية الأولى للقاءات والموسيقى الصوفية، تحت شعار: "سماع مراكش"، أقامته جمعية (منية مراكش لصيانة وإحياء تراث المملكة المغربية). ومهرجان بمدينة فاس حول الثقافة الصوفية، تحت شعار: "مهرجان فاس للثقافة الصوفية: التصوف والتنمية الإنسانية"، أقامه (مجمع المسالك والتصورات))[49]. و تعتبر الأكثر حضورًا وقوة في المشهد الصوفي بالمغرب. وترى أن "الصوفي هو ابن زمنه، يعيش عصره بمتطلبات روح العصر لكن بتوازن روحي. تؤمن البودشيشية، كغيرها من الطرق المنتسبة للتصوف بأهمية الشيخ المربي. إذ يزوره المريدون من شتى البقاع للتبرك به، عبر رؤيته وأحيانًا لمسه، والبعض منهم يتأثر كثيرًا لمجرد مشاهدته. والأذكار التي يلتزمون بها صباحًا ومساء، يقولون إن أصلها من عند الرسول محمد، توارثها شيخ عن شيخ بعده. وتشتهر الطريقة، التي يوجد مقرها في قرية مداغ، شمال شرق المغرب، بتنظيم لقاءين سنويين يحضرهما مئات الآلاف من الأشخاص، الأول ليلة 27 من شهر رمضان، وثانيهما في ذكرى مولد الرسول. الطريقة البودشيشية ومريديها يحترمون الوصية التي يكتبها الشيخ، والتي تحدد الشيخ المقبل الذي سيخلفه، ويعتبر مدير الملتقى "مولاي منير القادري بودشيش" الخليفة المقبل[50].
اقرأ أيضا: من يكون سعيد شنقريحة خلف قايد صالح؟
"فوزي الصقلي"[51] أهم مثقفي الطريقة البوتشيشية-من أكثر الشخصيات غرابة فقد وجدت أنه يمثل أكثر من طريقة صوفية البوتشيشية والصقلية والعلاوية- وزعيم التيار الفرنكفوني فيها فهو فرنكفوني حتى النخاع لغة و تفكيرا وهو لا يكتفي بالمحاضرة بالفرنسية بل يفضل الحديث بها في حياته اليومية[52] وخاصة أن زوجته فرنسية وهي بالمناسبة ليست محجبة، لأن الحجاب والالتزام بأحكام الشريعة ليس له أهمية كبرى عندهم وقد درس الصقلي في مدرسة فرنسية في فاس منذ نعومة أظفاره ثم واصل دراسته العليا في فرنسا حيث حصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة السربون ثم قاده تأثره بقراءاته لرينيغينون إلى الاهتمام بالطاوية في البداية {فلسفة دينية صينية} ، قبل أن يقرر البحث عن شيخ صوفي مغربي ليرشده وهو ما أوصله إلى اعتناق البوتشيشية وقد لعب الصقلي دورا كبيرا في نشر البوتشيشية في فرنسا
"زكية زوانات":وهي الأكاديمية المغربية الفرنكفونية المقيمة في المغرب التي تعد أبرز مثقفة بوتشيشية وصاحبة عديد المؤلفات الصوفية بالفرنسية، هي امرأة متبرجة تحاضر عن التصوف وشعرها مكشوف ووجهها مطلي بالمساحيق! كما أن حفيدة حمزة بوتشيش شيخ الطريقة الذي يعتبره أتباعه الولي والشيخ المربي الوحيد الموجود على أرض البسيطة في أيامنا هذه، والمقيمة في الحي المحمدي في الدار البيضاء امرأة متبرجة أيضا وتلبس لباسا لا يزيد أو يكاد عن مستوى الركبة!، وهي رغم ذلك تعطي الإذن بأوراد الطريقة لأنها تنتمي إلى العائلة البوتشيشية المقدسة[53].
2-"الطريقة الشاذلية المشيشية": تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي، يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية، وإن كانت تختلف عنها في سلوك المريد وطريقة تربيته، بالإضافة إلى اشتهارها بالذكر المفرد "الله" أو المضمر "هو"، يتسم أتباعها بالحماس في نشر طريقتهم في الوقت الحالي، حيث يمتلكون جمعية رسمية، ومجلة تصدر كل ثلاثة أشهر، وموقعًا على شبكة الإنترنت، وعددًا من الكتب والنشريات.[54] والطريقة الشاذلية المشيشية في المغرب التي عقد تحت يافطتها منتدى العالم. ويزعم شيخ الطريقة ويسمي نفسه نور الهدى واسمه الحقيقي "نبيل الإبراهيمي" هو رجل في بداية الأربعينات من عمره كان عضوا في الجماعة المعروفة باسم " جماعة العدل والإحسان" المعروفة بتوجهاتها الصوفية وكان يمارس ما يعرف بالرقية الشرعية واستخراج الجن ثم تمادى به الأمر فادعى المهدوية منذ سنوات قليلة وهو ما أدى إلى فصله من الجماعة ولكنه تمادى في طموحاته ليراسل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عارضا عليهم مهدويته أو ربما خدماته ليتحول في وقت وجيز إلى صاحب أموال، بعد أن كان متواضع الحال و يشتغل معلما في التعليم الابتدائي ، وهو متهم بالاستيلاء على مبلغ مليون وأربعمائة ألف درهم مغربي عبر النصب والاحتيال في شكوى رفعت ضده لدى الشرطة، خاصة وأنه يمتهن الشعوذة واستخراج الجن، وقد افتتح موقعا على الانترنيت باسم طريقته المزعومة وكان مما زعم فيه قبل أن يحذف ذلك قرب إطلاق قناة فضائية مشيشية شاذلية! ويمتلأ الموقع الذي هو في شكل مدونة بالأكاذيب المضحكة والمبالغ فيها عن فضل الشيخ المزعوم وعن انتشار طريقته في مختلف الأصقاع وكذلك بالغلو الرافضي في الأئمة بعد أن اعتنق التشيع ويؤكد البعض في مدينة تطوان بأنه يتلقى حوالات من جهة شيعية ببريطانيا عبر أحد المصارف بمدينة سبتة[55].
3-عيساوة: أسسها "محمد بن عيسى" المغربي الذي توفي بمدينة مكناس المغربية سنة 1524م ودفن في مكناس، وأصل هذه الفرقة الصوفية يعود بدوره إلى محمد بن سليمان الجازولي، وتشتهر الطريقة العيساوية حاليًا باستعمالها للأمداح بصوت عال واستخدام الموسيقى في مسارات التنوير الروحاني[56]، أصحاب الطقوس الهمجية الذين يفترسون في موسمهم السنوي أضحيات المعز التي يلقيها إليهم الأغمار من الرجال و النساء من فوق السطوح وهي حية ترزق دون ذبح شرعي، بعد أن يعملوا فيها أظافرهم الحديدية و أنيابهم، فيما الدماء تسيل على وجوهم و ثيابهم،و يستوي في ذلك الرجال و النساء منهم في مشهد همجي ووحشي يفوق الخيال! أو حمادشة الذين يضربون رؤوسهم بالشواقير المهندة أو القضبان الغليظة الرأس أو الهراوات المطوقة بالمسامير!! والذين صار موسمهم المدعوم بالهبات والأضحيات الملكية فرصة لتوافد الشاذين جنسيا في أعداد غفيرة من مختلف أنحاء المغرب ليرتكبوا جرائمهم الفاحشة والمخزية في حماية العرافات اللاتي يزعمن بأن حضورهم لا بد منه لنزول البركة وقضاء الحاجات[57].
4-العلاوية أو العلوية: الشيخ "فوزي الصقلي"شيخ الطريقة العلوية الآن وعالم الأنثروبولوجيا المغربي المتخصص في الصوفية ومدير مهرجان فاس للثقافة الصوفية في المغرب ورئيس وكالة الهندسة الثقافية (البرشمان كونسيبت)، عن الصوفية وواقعها اليوم ودورها في الفنون في مقابلة مع وكالة فرانس برس. يرى أن هناك إيديولوجيات منحرفة ظهرت باسم الإسلام، كتقاطع الفكر الوهابي مع تيارات ما يعرف بالإسلام السياسي. لقد أدت هيمنة السياسة على الدين إلى تفريغه من جوهره، وهو البعد الروحي. إن تحويل الدين إلى إيديولوجيا هو من نتائج غياب الثقافة الدينية. وتجريد الدين من الثقافة من شأنه أن يصبح دافعا للعنف[58].ويؤكد الصقلي على أهمية الاهتمام بالتراث اللامادي والروحي، لأنه يجسد الحضارة الإسلامية بكل أبعادها الفكرية والفلسفية والدينية، ويرى أنه لا يمكن إحياء هذه الحضارة إلا باستحضار كل المكونات من فن بمفهومه الواسع، وأدب بكل تلاوينه، وفلسفة بكل أبعادها ويرى بتلون هذا التراث بتلوينات عدة عن طريق الاحتكاك مع ثقافات روحية وديانات أخرى[59].وفيحديث لوكالة المغرب العربي للأنباء قال "إن العالم اليوم، إزاء هذه الأزمة العميقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، للروح الصوفية". والأمر يتعلق في الواقع ب"أزمة وجودية وروحية"، لأن "الإنسان لا يمكنه العيش من دون وازع روحي في حياة تفتقد لمعنى يجعله مجرد جسد من دون روح"، و"أن مسألة السعي وراء الغايات مع جعل ذلك مقرونا بمعنى لهو سبيل أوحد للعيش في طمأنينة والطموح لحياة سامية وراحة أكبر في داخلنا"، معتبرا أن أحد الروابط المفقودة اليوم هي إمكانية الجمع بين المادي والروحي والعقلاني والإيمان.وفي رأي الصقلي، فإن التصوف له من القدرة ما يكفي لدفع المرء إلى إعادة النظر في دور العلاقات الاجتماعية والثقافية، هناك ما يشبه مصفوفة ثقافية تمكن كافة المقاربات من الالتقاء في إطار شبكة كونية تكون شاهدة على ما تشكله هذه الروحانية حتى في الإسلام.وتتميز النسخة ال11 من مهرجان فاس للثقافة الصوفية بانفتاحها على الأصوات النسائية عبر استضافة نساء صوفيات وفنانات يستلهمن أعمالهن من التراث الصوفي سواء بالمغرب أو بالخارج.وتتضمن فقرات الدورة ندوات تتمحور حول "الصوفية نموذجا للحضارة"، و"الصوفية بصيغة النسوة"، و"الصوفية والفن المعاصر"، و"ابن عباد الروندي والنموذج الروحي المغربي الأندلسي"، و"التيجانية والإسلام في إفريقيا"وقد أضحى المهرجان مع توالي الدورات يستقطب العديد من المفكرين والباحثين إلى جانب عشاق الموسيقى الصوفية من المغرب والخارج، مما يدعم وضعية المغرب في الحوار بين الثقافات عبر بناء صلات وصل بين الشرق والغرب[60].و"الصقلي"يمارس "إسلام آخر موضة" بامتياز وبدون حدود أو تحفظ فكل شيء مباح وسمه" إسلاما فرنسيا أو أمريكا" ليتحدث بعد ذلك لصحيفة"المساء" المغربية عن الحاجة إلى التصوف لمعرفة التعامل مع الآخر وتحقيق السلام[61].
4-التيجانية: تنتسب إلى أبي العباس أحمد التيجاني الذي تلقى تعليمه في مدينة فاس المغربية وتوفي سنة 1815، وتعتبر واحدة من أهم الزوايا ذات الصيت العالمي حيث تحظى بنفوذ كبير في بلدان إسلامية كثيرة، ووصل نفوذها إلى بلاد السودان جنوب الصحراء ولها امتداد قوي في شمال أفريقيا من المغرب إلى السنغال حتى مصر، وأتباع هذه الطريقة يسمون بالتيجانيين. في ديسمبر 2007، ظهر سوء تفاهم بين المغرب والسنغال، إذ استدعت الرباط سفيرها بدكار إثر تصريحات سيئة لعضو من حزب المعارضة في حكومة الرئيس عبد الله واد، جاك بودان، السكرتير الوطني المكلف بالعلاقات الخارجية للحزب الاشتراكي السنغالي ووزير الخارجية في الحكومة السابقة لعبدو ضيوف. وهنا تحركت الآلة التيجانية بقادتها وقواعدها نحو مقر الحزب الاشتراكي السنغالي للاحتجاج وإنهاء التوتر وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها. وتعمل المغرب على العناية بالطرق والزوايا الصوفية في عديد الدول الإفريقية، من قبيل الزاوية التيجانية الموجودة في المغرب والسنغال ومالي، ضمن سياستها الخارجية التي تعتمد على التصوّف كأحد أعمدتها[62].
5-الكتانية: نسبة لمحمد الباقر بن محمد بن عبد الكبير الكتاني (1319ه) ولد بفاس، يعد من نوابغ المغرب اجتمع فيه الصلاح والعلم والولاية، اقتيد للسجن برفقة عائلته لرفضهم للوجود الاستعماري فاظهر عداء لفرنسا وعدم تقبل وجودها بالمغرب فكان يلقي دروسا بالمساجد والزوايا يحث على جهاد فرنسا، وطالبت العائلة الكتانية باسم الطريقة استقلال المغرب عام 1944م[63]. لكن دور الطريقة انقلب لموالاة فرنسا فكان الشيخ عبد الحي الكتاني عدوًا للطريقة التيجانية لأنه كان شيخًا رسميًا للطريقة الكتانية، وإنما قلت رسميًا لأن أهل (سلا) أعني الكتانيين أنصار الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني[64] مؤسس الطريقة الكتانية لا يعترفون به أي بالشيخ عبد الحي ويقولون إن الاستعمار الفرنسي هو الذي فرضه على الكتانيين فرضًا) [65]، يقول الشيخ الإبراهيمي فيه: (يقال في جواب ما هو عبد الحي الكتاني؟ هو مكيدة مدبرة وفتنة محضرة[66]، وهو مع الاستعمار لا يعرف إلا التلقي والمباشرة والاتصال ، إنه تاجر بارع في المقايضات باسم الدين والعلم والطرقية[67]،كان بلاء هذا الرجل محصورا في محيط ومقصورا على قطر وكان إخواننا في المغرب يعالجون منه الداء العضال فلما تنبهت عقولهم لكيده وتفتحت عيونهم لمكره انقلب استعمارا محضا قائما بذاته وهاج حقده على الأحرار والسلفيين فترصد أذاهم ولكن السوءة التي لا توارى هي اجتراؤه في فورة الاستعمار الأخيرة على أعلى رمز تتمثل فيه أماني الوطن وكأن الرجل أخذ فيما أخذ عن الاستعمار طريقة للتوسع وكأنه أصغر المغرب أن يكون مجالا لألاعيبه ومكايده واندفع إلى الجزائر وتونس ليبث فيهما سمومه فعقد مؤتمر الزوايا بالجزائر ليضيف نكبة إلى النكبات المتوالية)[68]، ويقول فيه أبو القاسم سعد الله: (عبد الحي الكتاني من المتداخلين في السياسة والتصوف والدين خلال فترة طويلة في المغرب (والمغرب العربي عموما)، وكان يحضر مؤتمرات الزوايا التي تشرف عليها السلطات الفرنسية ظاهرا وباطنا)[69]
اقرأ أيضا: برينتون تيرانت
المطلب الرابع: تداعيات التصوف الفرنكفوني في المغرب العربي
من خلال ما سبق عرضه من أحداث وحاولت الوصول إليه للتعريف بالتصوف الفرنكفوني وأخطاره التي استنتجناها من خلال النقاط التي سبق ذكرها وسأدلل في كل نقطة بما يوافق ذلك من خلال الاستدلال من تراث جمعية العلماء المسلمين _وهي من المذاهب المعتدلة_وغيرها ممن يتصف بالعدالة ما يلي:
1_أن التصوف الفرنكفوني يشكل خطرا على الأمن القومي في دول المغرب العربي حاليا بجعل الدول المغاربية تابعة لفرنسا _ولذلك تم تسميته فرنكفونيا_ على أصعدة متعددة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ممثلة التصوف الفرنكفوني بامتياز هي طريقة التيجانية وقد سبق أن ذكرت الخلاف بين المغرب والجزائر بسببها وقضية الزعامة وبسط النفوذ، ويقول نور الدين : (على الرغم من اعتبار الشيخ ابن باديس عند أكثر الباحثين من المعتدلين إلا أنه في موقفه من التيجانية خصوصا كان متشددا، فقد أفتى بكفرهم في رسالته التي خصصها عنهم…(نقول أن الطريقة التيجانية ليست كسائر الطرق في بدعها، والمشاهد اليوم من أضرارها، بل هي طريقة موضوعة لهدم الإسلام تحت اسم الإسلام))[70]
2- نسبتنا بعض الزوايا والطرق الصوفية اجتهادا منا إلى التصوف الفرنكفوني مرده نقطتين :
أ_أن تلك الزوايا والطرق الصوفية انقلبت من جهاد أو رفض الوجود المستعمر أثناء حقبة الاستعمار إلى موالاته والفناء لخدمة مصلحة فرنسا الراعية الرسمية لإفساد الدين الإسلامي والتصوف السني ومحاولة خلق نوع من التصوف يخدم إستراتيجيتها في الدول المستعمرة _بفتح الميم_ فتغير دور الطرق الصوفية من الجانب الروحي إلى جوانب متداخلة ومركبة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ففي السياسي صارت الطرق الصوفية والزوايا تدعو لانتخاب اسم الراعي الرسمي الذي يدعم تلك الطرق، ومنه اقتصاديا التمويل لتلك الطرق وفتح المجال لها بدولها وبفرنسا بإقامة الفعاليات والملتقيات بل وبناء الزوايا والإنفاق في سبيل ذلك ما يسمح للزوايا باستقطاب أتباع والتمتع ببذخ الحياة، أما اجتماعيا فمصلحة فرنسا من الطرق الصوفية هي محاربة التيارات الدينية التي تطلق عليها لقب المتشددة لمناداتها بحركة جهاد الكفار والمستعمر وبالتالي فكان دور التصوف نشر فكرة أن الاستعمار قضاء وقدر بل هو عقاب لأعداء أولياء الله وفكان الدور الاجتماعي للزوايا الفرنكفونية هو إخضاع المريدين لفرنسا واستقطابهم لمسالمة حركة الاستعمار بل وبرمجتهم على الخنوع التام لها ومن ذلك التحدث بلغتها وتشرب ثقافتها، يقول الإبراهيمي: (إذا كان القرآن قد شرع في الغزو وهو من أحمز الأعمال وأشقها، فإن تلاوة هذا الإنجيل التيجاني مرة واحدة تعدل آلاف الغزوات، وهي لا تقوم إلا على حركة اللسان من غير اقتحام للميدان ولا تعرض للرمح والسنان)[71]، يقول نور الدين أبو لحية: (كانت مصالح المستعمر منوطة بتفريق الجزائريين وصراعهم فيما بينهم، ولهذا انتهجت فرنسا سياستها فرق تسد وقد مارست هذه السياسة مع الجميع، وقد مارست هذه السياسة مع الجميع، فهي لا يهمها طرقي أو مصلح، المهم عندها أن تتنافر النفوس وأن يجهز بعضهم على بعض، حتى يتمكن من تحقيق أهدافه، ويذكر الكثير من الباحثين بناءا على هذا أن الإدارة الفرنسية كانت تستعمل الطرق الصوفية لتحقيق أهدافها وخدمة مصالحها عبر استعمال العملاء وتوجيههم في خدمة مصالحها[72]، وبناء على هذا يعتبرون الطريقة العلاوية خصوصا من أدوات الاستعمار مستدلين على ذلك برضا المستعمر عنها، والسماح لها بأداء نشاطها بحرية كبيرة)[73]، ثم يعقب ذلك بقوله: (كتب الإبراهيمي مقالا طويلا تحت عنوان إلى الزاهري حمل فيه حملة شديدة على الرجل بعد أن تبين لهم أنه كاذب وخائن بل فوق ذلك عميلا من عملاء الاستعمار…فلما لمناك على ذلك قلت لنا بالحرف (ما نكذبش عليكم أنا نتبع مصلحتي حيثما كانت…ثم كنت متشوفا إلى خدمة إلى خدمة اللائكيين، ثم عرجت على الشيوعيين ولهم معك ماض معروف ولو آنست في ذلك من جانب الطرقية نارا لقلت إني أجد على هذه النار هدى)[74]، ويخبرنا ابن باديس عن إتاحة فرنسا للزوايا بالنشاط يقول (إن الزردة التي أقامها الدكتور _ابن جلول_ بقسنطينة وترأسها ودعا إليها، ونشر عنها المقالات الطويلة أياما متوالية في جريدة "لاديبيش" اليومية شغل الناس بما فيه نكر وما فيه من طرافة…ويناديه متصرف بريفي قسنطينة من نافذة سيارته في طريق سكيكدة سالي دكتور ويعطيه الماليون المعروفون قناطير الفرينة ورؤوس البقر ليقيم زردة لأموات وجه الأرض على أموات بطنها)[75]، (طائفة التيجانية تتكون من كبار الموظفين والأغنياء والتجار وقامت بدعاية بلغ نشاطها باريس وأقامت هناك مسجدا، والواقع أن هذا الفرع قوي في مراكش أكثر من الجزائر)[76]
ب_أن هاته الزوايا والطرق الصوفية تحمل العديد من النقاط يجعلها في خانة الفرنكفونية ومن ذلك :
هاته الطرق الصوفية نشرت العداوة والبغضاء بين المسلمين وانتبه المستعمر الفرنسي فعمل على تدعيم المتضادات أو دعم هاته الطرق، يقول الإبراهيمي: (وانظر الآن إلى الطرق وإلى أهل الطرق بعد أن باعدوا بين الأمة الإسلامية وبين قرآنها، وأصبحت مقاليد العامة والدهماء في أيديهم، إنهم بعد أن أفسدوا فطرتها وأماتوا ما غرسه الإسلام فيها من فضيلة وفككوا كل ما أحكم بينها من روابط أخوة …فرقوها فرقا وقسموها إلى مناطق نفوذ يتزاحمون على استغلالها واستعمارها، وإنك لتسمعهم يقولون الأخوة والإخوان فاعلم أنهم لا يريدون أخوة الإسلام العامة ولا يرعون من حقها حقا، وإنما يريدون أخوة الشيخ والطريق، وإن هذه الأخوة القاطعة تفرض عليهم أن يبغضوا كل من لم يتصل معهم بحبل الشيخ ولا يجتمعوا معه ولو في العبادات الشرعية كالصلاة وقراءة القرآن أو البدعية كحلقهم الخصوصية، بل يبلغ الغلو ببعضهم كالتيجانية أن لا يصلوا خلفه ولا يصلوا خلفه ولا يصاهروه، وعندهم أن حق الشيخ قبل حق الزوجة والأولاد والآباء والأجداد، وحق الشيخ في المال قبل حق الفقير والمسكين…لعمرك إن الطرق الصوفية في صميم حقيقتها، احتكار لاستغلال المواهب والقوى، واستعمار بمعناه العصري الواسع، واستعباد بأفظع صوره ومظاهره… ثم تتوالد الفتن فيكون اسم الشيخ فتنة وأولاده فتنة وداره فتنة وإذا هو مجموع فتون، وما ضر هؤلاء الأشياخ وقد دانت لهم الأمة أن يأخذوا أموالها سارقين، ثم يورثونها أولادا لهم فاسقين يبددونها في الخمور والفجور والسيارات والملابس والقصور)[77]
تعاليمهم بعيدة عن الإسلام ولا تمثله، وهي تعاليم بدعية تحمل من الشركية والجهل الكثير كالضرب على الأجساد والصراخ والحرق بالنار وابتلاع آلات حادة والذبح على طريقة الكهان والسحرة في أوقات معينة من السنة والتي يطلق عليها الزردة ولا ننسى أن أذكارهم أجرها يضاعف العبادات التي نص عليها الشرع، يقول الإبراهيمي (وإذا كان القرآن متعبدا بتلاوته اللفظية فإن تلاوة إنجيل التيجاني القصير وهو "صلاة الفاتح" مرة واحدة تعدل ستة آلاف ختمة من القرآن…وإذا كان القرآن يفرض الحج وما فيه من مصاعب ومتاعب، فإن إنجيل التيجاني تعدل تلاوته آلاف المرات من الحج ومئات الآلاف من الصلاة كما هو منصوص في كتب التيجاني، فأي تعطيل للقرآن أعظم من هذا؟ وأي تهويل لشعائر الإسلام ونقض لحكمها أكبر من هذا؟ اللهم إننا نعلم بما علمتنا أن دين التيجاني غير دين محمد بن عبد الله)[78]
أن شيوخها لم يعد ينالهم من المشيخة إلا تعاليم مدنية لا تمت للروحانية بصلة، فلم يعد شيوخ هاته الطرق الفرنكفونية يرتدون لبوس المشايخ ولا يحملون وقارهم، بل سقطت العلاقة المحكمة بين الشيخ والمريدين بالحلقات فسقط أهم عنصر في العلاقة ألا وهو البيعة فالشيخ تفرضه الحكومة الفرنسية إما بتقريرها أو فرضه بحكم الوراثة يقول الإبراهيمي: (وقفت جمعية العلماء المسلمين من البدع العامة والشعائر المستحدثة كما وقفت من بدع الطرق وضلالات الطرق وقفة المنكر المتشدد الذي لا يخشى في الحق لومة لائم…إن لفشوا الخرافات وأضاليل الطرق الصوفية بين الأمة أثرا كبيرا في فشو الإلحاد بين أبنائها المتعلمين تعلما أوروباويا، الجاهلين بحقائق دينهم، لأنهم يحملون من الصغر فكرة أن هذه الأضاليل الطرقية هي الدين، وأن أهلها هم حملة الدين، فإذا تقدم بهم العلم والعقل لم يستسغها منهم علم ولا عقل، فأنكروها حقا وعدلا وأنكروا معها الدين ظلما وجهلا)[79]
أن الفسق والفجور ساد حلقات التصوف الفرنكفوني فالمريدون وشيخ الطريقة يجتمعون مع الجلسات التي من المفروض أن يعمها الوقار لكن وفق مدنية فرنسا فان الرجال يرتدون بدلات والشيخ كذلك ومعهم السيدات بلباس قصير ويدخن أثناء الجلسات
أنها طرق تدعو لوحدة الوجود والأديان وتدمج تعاليمها بتعاليم مذاهب وضعية وسماوية لكنها انتحلت يقول "الإبراهيمي": (المذاهب الصوفية فهي أبعد أثرا في تشويه حقائق الدين وأشد منافاة لروحه وأقوى تأثيرا في تفريق كلمة المسلمين، لأنها ترجع في أصلها إلى نزعة غامضة مبهمة تسترت في أول أمرها بالانقطاع للعبادة والتجرد من الأسباب والعزوف عن اللذات الجسدية والتظاهر بالخصوصية، وكانت تأخذ من مظاهر المسيحية وشيء من البرهمية وهو تعذيب الجسد وإرهاقه توصلا إلى كمال الروح)[80]، وفي آثار ابن باديس جاء مايلي: (غلب الآن على متصوفة هذا الزمان من القول بالحلول أو القول بالوحدة…هي فلسفة خيالية من خيالات وحدة الوجود البرهمية الهندية قد شغل بها أفراد عن فطرة الله وشرعه معا فجعلوها أعلى مراتب العبودية)[81]، وكانت القادرية البودشيشية حاملة لواء عقيدة وحدة الوجود والأديان كما سبق ذكره، وكذا العلوية أو العلاوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.