الدبلوماسية الجزائرية والتوظيف السياسي للزوايا الصوفية في النزاع المغربي الجزائري تحت الإشراف والتوجيه المباشرين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهذا منذ وصوله إلى السلطة سنة 1999، تنظم كل عام ملتقيات دولية للصوفية كملتقى الطريقة القادرية، بولاية ورغلة عاصمة الصحراء الجزائرية و ملتقى التيجانيين الدولي بالواديجنوب الصحراء . إلى هنا الظاهرة عادية واحتفال طبيعي، إنها "الوعدة" – الموسم- في كل أبعادها الشعبية و الدينية، لكن الذي يثير الانتباه هذه المرة هو الوسائل و الإعتمادات الضخمة التي رصدتها الجزائر لهذه الملتقيات، حتى تكون هذه التجمعات الدينية الإنسانية العالمية مناسبة ليس للذكر والحضرة وتلاوة القران، كما هو متعارف عليه منذ القدم، بل فرصة مواتية لتحرك الدبلوماسية الدينية الجزائرية، بما لها من نفوذ وسلطان لتحويل هذه المنتديات الصوفية إلى منبر سياسي، يخدم أغراض الدولة الجزائرية على المستوى الداخلي والخارجي - حضور أكثر من 13 وفد أجنبي- و توجيههم إلى سيدي ماضي لإثبات جزائرية الزاوية التيجانية و إبعادها عن مقرها الأصلي مدينة فاس المغربية، حيث يوجد ضريح مؤسس الزاوية. "" إن هذا التوغل الرسمي في أنشطة الزوايا القادرية و التيجانية، الخ...، هو عمل سياسي وأمني بامتياز بعيد عن التصوف والعبادة. فعلى المستوى الداخلي، نلاحظ أن منذ حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ و فشل ملتقيات الفكر الإسلامي، قامت الجزائر بتفعيل طاقات وشبكات كافة الزوايا القائمة على أراضيها كالقادرية والرحمانية والشاذلية و الكرزازية و الزيانية و التيجانية و النقشبندية الخ...قصد محاصرة الإسلام السياسي و الجهادي على حد سواء، زوايا اعتبرت في أدبيات الثورة الجزائرية في الماضي أدوات في يد الاستعمار الفرنسي، بل قامت جبهة التحرير الوطني بتقزيمها و محاربتها و تشويه سمعتها شعبيا منذ 1962 إلى 2001. أما الآن فالدولة الجزائرية أحيت هذه الطرق الصوفية لأهداف سياساوية محضة، من خلال دعمها بالمال والتسهيلات الإدارية وتزويدها بوسائل اتصال الكترونية متطورة. غرضها في ذلك، قطع الطريق أمام الإسلام السياسي الأصولي المحلي أو القادم من آسيا (جماعة الدعوة و القتال، الشيعة، القاعدة)، إنها مقاربة أمنية صرفة، لها ما يبررها لإنجاح برنامج المصالحة و الوئام المدنيين، و قد وجهت عدة انتقادات إلى هذا التوظيف الأمني، الذي يسعى إلى تسييس الزوايا والطرق الصوفية وتحويلها إلى مراكز للانتفاع السياسي و الإيديولوجي في الداخل، إنها محاولة لضرب الجبهة الإسلامية للإنقاذ و كل الخلايا المسلحة الجزائرية (تأطير و استقطاب الجماهير الشعبية و النخبة المثقفة). أما في الخارج، فلقد استغلت الورقة الدينية في محاصرة المغرب و دعم الانفصال في الصحراء المغربية. إن استغلال أنشطة الزوايا وشبكاتها ومريديها، كما هو حاصل للطريقة القادرية و الطريقة التيجانية (350 مليون منتسب)، في عمل دبلوماسي ديني ضد وحدة دولة جارة، هو تعبئة هدفها الانفصال والتمزق وخلق انشقاق ديني دائم في الصحراء الكبرى، من خلال دعوة شخصيات فكرية قادرية و تيجانية من نيجيريا، والسند والهند و أوروبا و الولاياتالمتحدةالأمريكية، مرورا بمصر وتركيا الخ....، سلوك غير عقلاني للخارجية الجزائرية يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل العلاقات المغاربية المتوترة حاليا. فالطريقة القادرية التي أسسها الشيخ المرحوم عبد القادر الجيلاني، المدفون في العراق ( بغداد) كنموذج، تقوم على التصوف والتخلق والتفوق من خلال الذكر وتلاوة القران الكريم والحضرة . إنه تجمع بشري عالمي لتنقية الذات والتقرب من الله عز جلاله، لا الدخول في اعتبارات سياسية دنيوية ظرفية، بعيدة كل البعد عن العقيدة الأساسية لهذه الطريقة الإنسانية ولمؤسسها وأحفاده ومريديه، وهذا ينطبق كذلك على الزاوية التيجانية. حقيقة أن أصحاب الولاية العامة في الجزائر لهم كل الحق في التصرف في شؤونهم الداخلية و لكن لا على حساب الغير، لأن البعد الدولي لهذه الطرق هو شأن يهم كذلك كل المنتسبين من دكار إلى حيدرأباد مرورا ببركان وأنقرة. و دليلنا على ذلك، الدعاية السياسية التي واكبت الملتقى الدولي المنعقد تحت شعار "التصوف في زمن العولمة" بمدينة الواديجنوبالجزائر و محاولة المنظمين أخد التزكية لزعامتهم ووصايتهم على الزاوية التيجانية، و توظيف هذه الأخيرة في أمور داخلية و خارجية، حركة تسعى إلى تجنيد التيجانيين ضد المغرب ووحدته الترابية في إفريقيا و العالم. فالتيجانية هي زاوية مغربية الأصل و مقرها الأساسي هو مدينة فاس، فالشيخ سيدي أحمد التيجاني الأب الروحي للزاوية هو مغربي الأصل و مدفون بنفس المدينة، ولو أننا نشهد بميلاده بسيدي ماضي بولاية الأغواط بالصحراء الشرقية ، المنطقة التي كانت متنازع عليها بين المغرب و الجزائر، صراع لازالت ذيوله و تداعياته قائمة إلى الآن. و إذا تجاوزنا مسألة ميلاد الزاوية التيجانية و شيخها الشيخ التيجاني رحمه الله، يمكن القول بأن هذا الكيان الديني هو موروث تاريخي و إنساني و هو ملكية لجميع مريدي الزاوية التيجانية و أتباعها، و الغريب في الأمر أن الجزائر بدأت بمحاولة إقحام هذه الزاوية بشكل مباشر في أهداف سياسية داخلية و خارجية، بعيدة عن التصوف و العبادة و الذكر. للتاريخ نذكر، أن الزاوية القادرية كأخواتها التيجانية، الشاذلية،الرحمانية و الكتانية و الدرقاوية، الخ... في المغرب و الجزائر مرت بعدة مراحل أساسية في تطورها التاريخي الحديث، فبعد محاربتها للاستعمار الفرنسي من خلال مساندة الأمير عبد القادر، وهو قادري بالمناسبة، وقد كانت وراء ثورات فاطمة سومر وابن شوشة، تساكنت الطرق السالفة الذكر مع فرنسا لمدة طويلة حتى استقلال الجزائر سنة 1962، و لقد تناول بعض المؤرخين قضية زواج أحد أحفاد الشيخ عبد القادر الجيلاني بفرنسية، اكتشف فيما بعد أنها جاسوسة للاستعمار الفرنسي. بعد الاستقلال، حورب مريدو كل الطرق تحت شعار التخلف و الرجعية والبدعة، و كانت الحرب المعلنة ضدهم تتسم بالشدة والعنف من طرف جبهة التحرير الوطني وجمعية علماء المسلمين والتيار الماركسي (الحزب الشيوعي الجزائري)، فتم تقزيم أنشطة الزوايا في الجزائر المستقلة، مما أدى إلى تراجع إشعاعها الديني لعدة عقود، وها هي الدولة الجزائرية الآن، تعود لإحيائها من جديد لأهداف في نفس يعقوب. إن هذا التوظيف المشبوه للحقل الديني في الجزائر هو محاولة سحب البساط من تحت أرجل المغاربة و إبراز الطرق الصوفية كأذرع إضافية في الصراع السياسي و الدبلوماسي، الذي يخوضه الطرفان مند عقود (المغرب و الجزائر)، الأمر الذي لا يخدم مصالح كل الطرق خاصة القادرية والتيجانية، كما أن تغيير اتجاه وظيفة كل هذه المؤسسات الدينية يعد خسارة لها أولا، و زيادة في درجة الصراع الغير المعقول في المنطقة، فالزوايا هي ملك إنساني عالمي وليست مزرعة خاصة يستعملها الدبلوماسيون المغاربيون متى شاءوا ، ونصيحتي للقائمين على كل الطرق الصوفية، أن يوحدوا جهودهم لوأد الفتنة في شمال إفريقيا و إرجاع اللحمة إلى أتباعهم المتنازعين، فمريدو الطريقة التيجانية في المغرب، و هم كثيرون، تمنوا مشاركتهم في ملتقى الوادي، لكنهم منعوا بسبب إبقاء الجزائر على الحدود البرية مع المغرب مغلقة. كما أنهم خافوا أن يقع لهم ما وقع للوفود المغربية الأمازيغية، التي احتجزت في مطار هواري بو مدين ، ثم طردت في ظروف مأساوية إلى المغرب.