كان من المفترض أن يعقد منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب مؤتمره الأول بمدينة الشاون أيام 10/11 و 12 دجنبر الجاري، إلا أن السلطات المغربية مركزيا أبت إلا أن يكون لها رأيا آخر، و أن تمنع بالقوة عقد هذا المؤتمر بالرغم من الشرعية القانونية التي يتمتع بها، و اعتراف السلطات به رسميا، بالإضافة إلى اتخاذه لكل الإجراءات التنظيمية و الأدبية و المالية و القانونية لعقده في الزمان و المكان المشار إليهما أعلاه. كمتتبع قريب جدا لتحضيرات هذا المؤتمر، و كقارئ لكل ما كتب و نشر حول هذا الموضوع لشرح معاني و مغزى هذا المنع الظالم، فان ثمة أسئلة محيرة تظل بدون جواب. الشيء الذي دفعني لأحرك قلمي لكي أساهم من خلال هذا المقال المتواضع لإبداء وجهة نظري حول هذا المنع الناتج عن وضع شائك عبرت فيه السلطات عن ارتباك عميق في تدبير الشأن العام بما فيها الملفات الأكثر حساسية بالنسبة للمغاربة جمعاء. فكيف إذن يمكن فهم ما جرى؟ الوضع السياسي العام لا يمكن فهم منع مؤتمر منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، إلا إذا وضعناه في سياقه السياسي العام. فالمنتدى المعترف به قانونيا، أقدم على الخطوات اللازمة لعقد مؤتمره في ظروف سليمة و هادئة، لكن يتضح أن مغرب اليوم، يعرف جملة من الأحداث، عنوانها الفشل الذريع في انجاز خطوة "الانتقال ألديمقراطي التي كان يعول عليها الكثيرون - بما فيهم الأقل تفاؤلا في المغرب- لإخراج مغربنا من مغرب الظلمات إلى مغرب النور و التقدم و الديمقراطية و الحداثة. هذا الفشل يبرز من خلال محاولات الدولة التحكم الكلي في الشأن العمومي و عدم ترك أي مبادرة تخرج من يد المتحكمين الجدد في البلاد و العباد. هذه السياسة العمياء، بدأت تحرق كل الأوراق التي أنجزت بفضل تضحيات و نضالات شعبنا قبل، و إبان و بعد فترة المعروفة ب "فترة الرصاص"، و التي انتزع من خلالها شعبنا بعض المكتسبات المتعلقة بفرض نسبي لحق التجمع و حق التعبير و التجول، بالإضافة إلى تعديلات مدونة الأسرة رغم علاتها، و الانفراج النسبي في تعامل الدولة مع القضية الامازيغية، بالرغم من محاولة التحكم فيها و احتوائها، وكذا إطلاق سراح العديد من المعتقلين السياسيين و عودة المنفيين، و تعويض بعض ضحايا الانتهاكات الجسيمة عبر هيأة الإنصاف و المصالحة، دون الكشف عن الحقيقة كاملة و اعتراف الدولة بالجرائم التي اقترفتها اجهزتها في حق المواطنين المغاربة شمالا و جنوبا، شرقا و غربا. فبالرغم من محدودية هذه الاجرءات، إلا أنها أعطت صورة كأن المغرب يتجه نحو الحداثة و الديمقراطية، مما جعله يحسن صورته في الخارج، مكنته من تحقيق انجاز الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي، كثاني بلد غير أوروبي بعد إسرائيل يتمتع بهذا الوضع. لكن بعد مرور إلا سنوات معدودة، بدا الجميع في الداخل كما في الخارج مندهشا أمام التراجعات الخطيرة و السريعة التي تعرفها وضعية حقوق الإنسان بالمغرب ابتدءا من خنق الصحافة المستقلة، مرورا بأحداث العيون و انتهاء بالأحداث الأخيرة التي عرفتها مدينة المحمدية و نواحيها و التي أدت إلى اعتقال متضررين من الفيضانات التي شهدها المغرب، و بعدها أحداث بوكيدارن بإقليمالحسيمة، ومنع الجمعية المغربية لحقوق الانسان من الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 دجنبر)، في كل من طنجة و الحسيمة، و منع انعقاد مؤتمر منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب بمدينة الشاون. إن هذه الأحداث المتتالية تبين مدى الارتباك الكبير التي أوضعت الدولة نفسها فيه، باعتمادها على سياسات قديمة في تدبير الشأن المحلى، كما يتبين بان اغلب القرارات التدبيرية- إن لم نقل كلها- تأتي من خارج البرلمان و الحكومة المفترض أن يكونا لهما دورا تشريعيا/رقابيا و تنفيذيا لاتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الأزمات. أحداث العيون "الإنذار الأول" بالرغم من أن جميع المنظمات الدولية لم تثبت إلى حدود اليوم بان المغرب استعمل الرصاص في قمع معتصمي العيون، لكن كل هذه المنظمات تجمع على الاستعمال المفرط للقوة لتفكيك مخيم اكديّم إيزيك، في الوقت الذي تركت فيه مصالح المواطنين في العيون عرضة للتسيب و الخراب نتيجة رد فعل وغضب المنتفضين. فبدل لجوء المغرب إلى محاسبة المسئولين الفعليين عن هذه الأحداث و معالجة دواعيها، صوب بندقيته إلى الخارج مؤججا الرأي العام ضد الحزب الشعبي اليميني الاسباني، مما كادت أن تؤدي بالعلاقات المغربية الاسبانية إلى نقطة الصفر، علما أن الحكومة الاسبانية الحالية بقيادة ساباتيرو و وزير خارجيته السابق مورانتينوس، إلى جانب فرنسا كانا وراء منح الوضع المتقدم للمغرب لدى الاتحاد الأوروبي. بدل نهج المغرب اسلوب الشفافية و محاسبة أو معاقبة المسئولين، اكتفى فقط بنقل والى العيون محمد جلموس إلى اسفى. هذا الإجراء اعتبرها البعض تكريما و ليسا عقابا، مما جعل وسائل الإعلام و بعض المنظمات الدولية تشكك في مصداقية الدولة المغربية، معتبرين بان السيد محمد جلموس محمي من طرف لوبي نافذ في الدولة. و تجنبا لكل إحراج تم تعويضه عبد الله بندهيبة كوالي جديد لجهة دكالة عبدة، دون معرفة الوجهة الجديدة التي سيسلكها السيد محمد جلموس في انتظار ترقيته وتنصيبه في منصب جديد قد يكون بعيدا عن الأضواء هذه المرة. و لطي هذه الصفحة الأليمة التي لا يمكن طيها بقرارات ساذجة، أقدمت الدولة على تنظيم مظاهرة الثلاثة ملايين بالدارالبيضاء. مظاهرة وفرت لها الدولة كل إمكانيات النجاح من نقل و مأكل و مشرب و أشياء أخري تحدثت عنها الصحافة بما فيها الصحافة المغربية، هدفها الظاهر هو تشحين شعب ضد الحزب الشعبي الاسباني و الذي لا يعرفه إلا القليلون (المهتمون) من المغاربة أما الباطن هو خلق إجماع جديد مغشوش للتغاضي عن أخطاء الدولة أو المتحكمين فيها. فيضانات الدارالبيضاء و ما جاورها أتت فيضانات البيضاء و بعض المدن المغربية الأخرى يومين فقط بعد تنظيم المظاهرة الحاشدة ضد الحزب الشعبي. و هنا اكتشف سكان كاريان سونترال و سيدي مومن بالبيضاء واقعا آخر بعيدا عن الشعارات الرنانة. واقع ناتج عن فظاعة تدبير المدن الكبرى، إذ غرقت مدينة الخمسة ملايين نسمة أو أكثر في وحل محتويات الواد الحار، و فقدان العديد من المواطنين ما لديهم من أفرشة و مؤن كما تعطلت المدارس و المصحات و المعامل و الملاعب. أدرك سكان البيضاء بأن مسئوليهم لا يرددون إلا الشعارات الخادعة، و لا يظهرون إلا في المناسبات و الحملات الانتخابات الفاسدة، إذ أضحت البيضاء عارية أمام العالم، فلا واد حار، و لا بنيات تحتية منجزة وفق المعايير التي تحترم الإنسان و البيئة، و لا قادرة على الصمود أمام الكوارث الطبيعية. كما أعطت صورة التي توجد عليها العاصمة الاقتصادية التي تعد نبض المغرب. فأي تنمية بشرية يتحدثون إذن؟ في البيضاء كما في المحمدية و الدواوير المجاورة لهما خرج مئات الأشخاص يطالبون الدولة بالتحرك و التدخل لإنقاذ الأرواح و الممتلكات و إنقاذهم من الضياع، لكنهم جوبهوا كما العدة بالقمع و السجن حيث "أودع شبان من دوار «بوعزة»، بسجن عكاشة حيث يوجد ستة من زملائهم المنحدرين من دوار «البراهمة»، الذين اعتقلتهم السلطات بتهمة عرقلة السير في الطريق السيار وتعريض حياة المواطنين للخطر، بعدما لجئوا إلى الاحتجاج وسط الطريق العام بسبب تماطل السلطات في تقديم المساعدة إليهم بعد الفيضانات الأخيرة التي دمرت مساكنهم"، حسب ما أوردته جريدة المساء بتاريخ14 دجنبر الجاري. شمال المغرب/الريف الكبير كانت الأمور شبه عادية، بل أصبح الأمل يغامر العديد من الناس بان تكون هناك فعلا إرادة حقيقية للمصالحة مع الريف. لقد استبشر أبناء الشمال خيرا عند بناء الميناء المتوسطي مثلا و بناء بعض الطرق وتزيين مداخل بعض المدن. هذه الانجازات واكبها تدجين لفئات واسعة من أبناء الريف حيث ارتمى بعض ضعاف النفوس فرادى و جماعات في أحضان المخزن مروجين بان المصالحة مع الريف قد تم تحقيقها و انه آن الأوان ل"حلب البقرة" -على حد تعبيرهم- و الاسترزاق من كرم المخزن كما فعل الفاسيون و السطاطيون و آخرون من قبلهم. هذا الخطاب صاحبه اكتساح شامل لحزب صديق الملك، استغل فيها غضب الريفيين ضد حزب الاستقلال منذ انتفاضة 58/59، و إرادة الريفيين من خروج من مرحة القمع و الحكرة، و تعطشهم للحرية، وطموحهم الكبير لتحقيق سياسة بديلة وعادلة في تدبير الملفات. لكن بعد مرور "عام الباكور"، بدأت تعود حليمة إلى عادتها القديمة. فالقمع ضل يرافق نضالات المعطلين حاملي الشهادات بدءا من الناضور السنة الماضية وصولا إلى الحسيمة بكل فروعها. تماسينت الغالية ظل سكان تماسينت شاهدين على الغش الذي واكب عملية إعادة الاعمار بعد الزلزال العنيف الذي ضرب إقليمالحسيمة في شهر فبراير2004، كما أن نضالاتهم المؤطرة من طرف جمعية ثاماسينت لمتابعة آثار الزلزال، كشفت مدى ضيق صدر الدولة مع مطالب بسيطة و مشروعة بإمكان حلها بسرعة، إن حظرت إرادة سياسية فعلية بعيدا عن لغة التسويف و التهديد و الاعتقالات و المتابعات كان آخرها اعتقال المناضل و الصحفي منعم الموساوي، عضو لجنة تاماسينت لمتابعة آثار الزلزال، بطنجة. فبالرغم من الصمت الرهيب و استقالة أو تراجع العديد من مناضلي الريف أمام ضغط البام، إلا أن أهل تماسينت ظلوا حاملين لمشعل المقاومة و الصمود رغم كل الضغوطات و الإغراءات و التهديدات معبرين بذلك بان ريفا آخر ممكن، ريف العزة و الكرامة، بعيد عن الإذلال و سياسة الانبطاح الكلي. و هم يذكرون الجميع بان الريف الشامخ بتاريخه و بأجداده يتناقض كليا مع ريف الانبطاح و الإذلال الذي يريد أن يصنعه البعض اليوم. بوكدارن و الإنذار الثاني كشفت أحداث بوكيدارن بإقليمالحسيمة عن ديمقراطية النظام المبنية على سيادة الظلم و غياب العدل. إن طريقة تدبير السلطة لحدث بسيط جدا يكشف عن بؤس النظام القائم وغباء المتحكمين فيه أو الذين يحومون حوله. فكيف يمكن فهم استعمال الرصاص المطاطي و المروحيات و القنابل المسيلة للدموع ضد ساكنة تجمهرت فقط لحماية عائلة واحدة من ظلم احد ذوي النفوذ في المنطقة؟ إن أحداث بوكيدارن و اتهام الريفيين ب "اولاد السبانيول" من طرف أعوان السلطة، و سبهم و قذفهم بعبارات نابية (لا يمكن ذكرها في هذا المقال احتراما للقارئ)، ذكرت جميع الريفيين بان الحقد العنصري الأعمى لدى البعض ضد الريفيين لازال متعشعشا في عقولهم. ذلك الحقد الذي عبر عنه النظام "عام اقبارن" إبان الانتفاضة الخالدة 58/1959، بقمع همجي مؤطر باديلوجية الحزب الواحد، بزعامة حزب الاستقلال انذاك، ثم عندما تم نعت أهل الريف بالأوباش في فترة حكم الحسن الثاني سنة 1984. و عبر عليه بقمع مظاهرات جمعية تامسينت لمتابعة آثار الزلزال، و عبر عنه باعتقال شكيب الخياري ظلما و عدونا، و تجدد اليوم في بوكيدارن بوصف الريفيين ب"ابناء السبانيون". أولئك الأسبان الذين حاربهم الريفييون بشراسة بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي و قبله محمد امزيان، لكن تواطؤ مكشوف لموقعي الحماية مع كل من فرنسا و اسبانيا اخمد شرارة الثورة الريفية ضد الاسبان و كل المستبدين، مما جعلهم يرسخون حكم المستعمر الاسباني في المنطقة و الذي لازالت قواته العسكرية جاثمة الى اليوم في المدينتين السليبتين سبتة و مليلية و الجزر المجاورة لهما. فمن هم أبناء الاسبان إذن، نحن أم هم؟ و من وقع معاهدة الحماية و شرعن الاستعمار الفرنسيي و الاسباني للمغرب الريفيون أم الحاكمون؟ إن تكرار هذه الاتهام هي التي أعطت شحنة معنوية قوية لأهل بوكيدارن محولين احتجاجهم السلمي و تضامنهم مع عائلة مقهورة إلى غضب أوقف بطش رجالات العنكري و بنسليمان و الهمة، و هذا ما عبر عنه على الأقل بيان لجنة متابعة أحداث بوكيدارن حيت نقرا فيه: " وأدانت اللجنة التدخل القوي الذي تعرض له أبناء المنطقة من طرف الدرك و القوات المساعدة، كما أدانت ما أسموه بالأذان الصماء التي ينهجها المسئولين في التعامل مع قضايا المواطنين بالإضافة إلى إدانتهم لما أسموهم بالمسترزقين وسماسرة الانتخابات لتشويه المعركة وتحويلها لمصالحهم الضيقة". احتفالات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ب 10 دجنبر في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، أقدمت السلطات المغربية على منع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للاحتفال بهذا اليوم العظيم. فإذا اكتفت مثلا بمنع الجمعية من التظاهر في شوارع الحسيمة تخليدا لهذه الذكرى، فان مدينة طنجة عاشت على إيقاع تدخل بوليسي عنيف ضد مناضلي و متعاطفي الجمعية أغلبيتهم من رجال القانون و محامين كانوا يتأهبون لتنظيم وقفة في ساحة الأمم احتفالا بهذا الحدث. مؤتمر الشاون لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب منذ أزيد من ثلاثة اشهر، و مناضلي المنتدى يدبرون تحضير مؤتمرهم بكل تفان و إخلاص للوصول إلى محطة المؤتمر بأمان و ضمان. كما أقدمت اللجنة التنظيمية للمؤتمر بتعبئة كل طاقاتها أدبيا، فكريا و ماليا لإنجاح هذه المحطة النضالية. و بدل مناضلو المنتدى بالشاون مجهودات جبارة لتذليل الصعاب أمام المؤتمرين ووضعوا كل إمكانياتهم تحت تصرف اللجنة التحضيرية للمؤتمر،متخذين كل الاجرءات القانونية كما ينص عليها القانون المعمول به، و السهر على توفير الإمكانيات اللوجستيكية لاستقبال ضيوفهم في تلك المدينة الرائعة والهادئة. تنسيقية المنتدى و المؤتمرون و معهم الرأي العام المحلي، الجهوى، الوطني و الدولي، فوجؤوا بمنع مكتوب موقع من طرف وزارة الداخلية اقل من 24 ساعة فقط من انطلاق أشغال المؤتمر، دون مراعاة لا للمجهودات المبذولة، و لا الخسائر المعنوية و المالية الذي يمكن أن يحدثها هذا القرار الغير القانوني و الجائر. السلطة اعتمدت في منعها هذا على ثلاثة مبررات مردود عليها: أولا: عدم امتلاك المنتدى على فرع بالشاون: هذا المبرر لا أساس له قانونيا و إلا ستمنع كل المؤتمرات الحزبية و الجمعوية التي تعقد بالسخيرات لان ليس لديها فروعا بهذه المدينة. فالمغاربة بإمكانهم أن يجتمعوا بأي مكان في بلدهم المغرب شرط إشعار السلطات وفق القانون المعمول به، و هذا ما قام به المنتدى. ثانيا: عدم إشعار السلطات في الأجل القانوني، الشيء الذي يفنده المنظمون بقوة، مصرحين للصحافة بان سلطات الشاون أشعرت 20 يوما قبل موعد المؤتمر و أرسلته لها بالبريد المضمون بعد ذلك. ثالثا: إن المؤتمر ستتخلله وقفة لمدة 15 دقيقة تخليدا لليوم العالمي لحقوق الإنسان، و أن السلطة تخشى من انفلات امني: هذا المبرر يبقى سخيفا لان السلطة بإمكانها أن تتفاوض حول إلغاء الوقفة و ليس الإقدام على منع المؤتمر ككل. التنسيقية العامة للمنتدى و معها مناضلو الشاون دخلوا في مفاوضات عسيرة مع سلطات الشاون، لتوضيح كل شيء و إعطاء تطمينات تنظيمية للسلطات الأمنية و شرح أدبيات المؤتمر، لكن في آخر المطاف اتضح بان هناك أوامر عليا جاءت من الرباط لمنع المؤتمر، علما أن هذا القرار تزامن مع انضمام رئيس جماعة الشاون للحزب المتحكم في زمام دواليب الدولة اليوم. دلالة مدينة اشاون و منع المؤتمر إن مدينة اشاون لها دلالتها عند أبناء الشمال/ الريف الكبير. فاشاون معناه بالريفية " القرنين". فدلالة هذه المدينة تكمن في أنها تعبر عن كونها مركزا للريف الكبير الذي يحمل بقرنها الأول الريف الشرقي و بقرنها الثاني الريف الغربي، وبذلك تشكل مدينة اشاون لحمة و قوة ذلك الريف الكبير الذي تحدث عنه أجدادنا و على رأسهم محمد ابن عبد الكريم الخطابي. ذلك الريف العظيم الذي يمتد من القصر الكبير غربا إلى نهر ملوية شرقا. ريف انصهر فيه قاطنيه و امتزجت فيه الحضارات الامازغية و الجبلية و العربية و الايبيرية . ريف كبير جزء من مغرب كبير منفتح على العالم و متعدد في لغاته و أفكاره و غني بتاريخه و تراثه و بحاره و شامخ بجباله و تاريخه. أكيد أن الموقع الجغرافي التي تتمتع به مدينة اشاون، و الأدوار التي لعبتها هذه المنطقة عبر التاريخ، ستتكسر على جبالها كل الدسائس و المؤامرت التي تدعو اليوم إلى تجزيء أبناء الريف التاريخي إلى أجزاء. من المؤكد أيضا بان شعار المؤتمر"من اجل دستور ديمقراطي يقر بحق الجهات التاريخية في تقرير مصيرها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي" اغضب الذي يستعدون لإعلان جهوية على مقاس المتحكمين الجدد في البلاد و خاصة أن اللجة الملكية ستقدم مشروعها إلى الملك هذا الشهر كما حدد لها رسميا. خلاصة لابد منها إن ما يعيشه مغرب اليوم من أحداث متسارعة لا تنبئ بالخير، و ترسم صورة كاريكاتورية لمغرب ما بعد الاستقلال، كأن التاريخ يعيد نفسه. فالفيلسوف كارل ماركس قال بان التاريخ لا يكرر نفسه و إن تكرر، فسيكون بشكل كاريكاتوري. و هذا ما نشهده للأسف اليوم في مغربنا العزيز. فمباشرة بعد الاستقلال كان حزب الاستقلال يريد أن يتحكم في كل شيء و يريد إخضاع الجميع لنفوذه، مما أدى إلى تصفية جيش التحرير، و اشعال فتيل انتفاضة الريف 58/1959، بزعامة الحاج محمد امزيان، و انتفاضة ايت باعمران بسدي افني. كما أدى إلى نشوب حرب الرمال بين المغرب والجزائر و بعدها انفجرت انتفاضة مارس 1965 و تم فرض حالة الاستثناء في البلد، توج بمحاولتين انقلابيتان قادها حماة النظام (الجيش). اليوم و بعد تجربة التناوب التوافقي، يلاحظ هناك إرادة حقيقية لتهميش دور الأحزاب السياسية و تخريبها و تهميش دور البرلمان و الحكومة، و سيطرة حكومة الظل على كل شيء و تتحكم في كل الملفات بما فيه الأكثر حساسية و تتدبرها بعيدا عن مبدأ الشفافية و المحاسبة التي تقتضيها دولة الحق و القانون. إن منهجية صديق الملك، الهادفة إلى إفراغ الأحزاب السياسية و المنظمات المدنية من مضامينها واحتواء مناضليها عبر تنظيمه لأكبر عملية " ترحال" للمنتخبين في تاريخ المغرب الحديث و في العالم. و تحكمه في كل شاذة و فذة، لتعبر بان ذلك الحزب السري في عهد إدريس البصري، قد خرج إلى العلن للتحكم في المشهد السياسي و تدبيره للعديد من الملفات خارج المؤسسات، وذلك ما سيؤدي لا محال إلى كوارث خطيرة انطلقت شرارتها الأولى بالصحراء و القادم سيكون أعظم، نتمنى أن يخرج منها المغرب آمنا و سالما. إن كل من يستعمل أساليب غير مشروعة و لغة التهيد و التسويف، و شراء الذمم فهو ظالم، وفي هذا الصدد يمكن الحديث عن طريقة/ طبخة انتخاب عمدة جهة الحسيمةتازة تاونات، و طبخة عمدة مراكش...الخ. إن منع مؤتمر اشاون نابع أولا و أخيرا من ابتعاد البعض من لغة التنافس الشريف و استعمال سلطتهم و نفوذهم لفرض الرأي الواحد بالريف الكبير. بما يعني بلغة العصر بان هناك إرادة حقيقية لإخضاع الجميع للحزب الواحد ( حزب الأصالة و المعاصرة)، مستعملين في ذلك مختلف الأساليب الملتوية، في الوقت الذي كان الجميع يعتقد بأن عهد الحزب الواحد قد ولى إلى غير رجعة. إن الريف عرف تاريخيا بتعدد قبائله و تنظيماته، و تعدد أراء أبنائه و من يريد أن يتحكم في الريف من الرباط و إخضاعه بالطرق الملتوية فلينتظر بوكيدارن و تاماسينت و القادم لا يعلمه إلا الغيب. الاستقلال و الأصالة و المعاصرة المهتمون تابعو مؤخرا أطوار تبادل الاتهامات بين حزبين يحكمان مغرب اليوم. الأول في الحكومة الرسمية و الشكلية (حزب الاستقلال)، و الثاني في حكومة الظل (حزب الأصالة و المعاصرة). فالحزبان وجهان لعملة واحدة، لكن تبادل الاتهامات جهرا حول ملفات حساسة كالصحراء مثلا، و تبادل التهم بينهما، خاصة عندما اتهم الأول حزب البام بإحراق العيون، ينذر بصراع ضروس بين أصحاب المصالح يكون وقودها أبناء شعبنا جنوبا و شمالا غربا و شرقا. كما يعبر عن أزمة عميقة يعانيها جسد النظام، نتمنى بكل إخلاص أن لا يكون الريف حطبا لحروب المحيطين به. فالريف الذي قال فليسقط حزب الاستقلال في 58/59، لن يتوانى في قول فليسقط كل من يريد أن يتحكم في مستقبله عن بعد، و منع مؤتمرات أبنائه بمختلف توجهاتهم الفكرية و السياسية و يقف أمام إرادتهم للحفاظ على كرامتهم و حريتهم. إن منع مؤتمر منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب يكرس تخبط الحاكمين الجدد للمغرب و الصعوبة التي تجابههم في تشييد دولة بامستان في المغرب، و التي سيقودها حزب البام سياسيا و امنيا و اقتصاديا. إن مستشارو الحاكم الجديد بالريف ينسون أو يتناسون بان الريف الكبير صخرة تكسرت و ستتكسر عليها كل المكائد. فلا مكان للمؤامرات بعد اليوم في الريف. فليتوقف الإرهاب الفكري و الأمني و الإغراء المالي الذي يمارسه البعض فورا. و أن يتركوا أهل الريف يعيشون بسلام و أن ينجزوا مصالحة مع أنفسهم أولا، و مع الآخرين في إطار الوضوح. مصالحة تمر حتما عبر الكشف عن مختطفينا حدو اقشيش، عباس السعيدي و آخرين، و إطلاق سراح معتقلي الرأي و على رأسهم المعتقل شكيب الخياري و إعادة الاعتبار لزعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي و إعادة رفاته إلى مقر إقامته بأجدير. وضوح يمر عبر تحقيق تنمية مستدامة و مصالحة حقيقية بعيدا عن شراء الذمم. وضوح يعطي الحق لأبناء الريف أسوة بباقي المواطنين في باقي جهات الوطن في حق تقرير مصيرهم و تدبير شؤونهم بأيديهم في إطار مغرب متعدد فدرالي، موحد و متضامن يحمي كافة مواطنيه من بطش الظالمين و يضمن لقمة العيش الكريم للجميع، و يصون لهم العزة و الكرامة.