انقضت أيام وشهور العام 2010 بحلوها ومرها بأفراحها وأحزانها، بما فيها من انجازات وإخفاقات تحسب على كل فرد اجتهد وعمل كي يترك بصمة لربما تترك أثرها يوما ما في ذاكرة غزة المثقلة بالهموم والأوجاع .. على الصعيد الفني شهد عام 2010 حراكا فنيا وسينمائيا ملفتا للانتباه ومثيرا للدهشة، وان كان خجولا من حيث الحجم فقد وصل ذروته في النصف الثاني من السنة، حيث شهدت غزة إقامة ثلاث مهرجانات سينمائية كان شعلة انطلاقها وأولها (مهرجان غزة لأفلام الهواة ) في شهر أغسطس تلاه مهرجانين في شهر ديسمبر نهاية العام هما (مهرجان غزة الدولي للأفلام الوثائقية / ومهرجان الحرية الدولي للأفلام التسجيلية ). إن الإيمان المطلق بأهمية الصورة المرئية ودورها الكبير في التأثير على الثقافة والمعتقدات وما تلعبه من دور ريادي في تشكيل الوعي المجتمعي ومخاطبة الأخر من خلالها ... جعلها الخيار الأول لكل المبدعين والذين شحنوا طاقاتهم الفكرية والجسدية وصهروها في بوتقة الإنتاج الفيلمي. ** بال سينما وعام 2010م : لعل أهم ملاحظة في 2010 هي الثورة الإنتاجية الشبابية الهاوية، وبزوغ جيل جديد من المخرجين الشباب العاشقين للصورة المرئية، الممتلكين للفكر المبدع والحداثي، استطاعوا الاستفادة من كل الإمكانيات التي وفرتها ثورة التكنولوجيا الرقمية، وتغلبوا على قلة الإمكانيات الفنية والتقنية التي تعاني منها غزة، وأنتجوا صورة تتحدث عنهم وعن أحوالهم وطموحاتهم وآمالهم وتصورهم لغزة الجميلة كما يريدون ويرغبون، إلا أن أبرز الإشكاليات التي عانى منها شباب غزة هي عدم وجود مؤسسة ترعاهم وتحتويهم وتقدم لهم الخدمات التي بحاجة لها للإنتاج. حاولنا في الملتقى السينمائي الفلسطيني (بال سينما ) وكنا السباقين لاحتضانهم وتحقيق أحلامهم ومد يد العون لهم، وكان ذلك واضحا في مهرجان غزة لأفلام الهواة والذي جمع شمل الشباب وإبداعهم على نطاق واسع محليا، مما جعل صدى المهرجان يدوي في مناطق ومدن عربية كانت شاهد عيان على النجاح الاستثنائي الذي حققه المهرجان. كنا دائما المبادرين لتبني هذا الحراك الفني ووضعه في مساره الصحيح الذي يضمن تميزه وينقل من خلاله حجم الوعي الكبير الذي يكبر يوميا في غزة، وقد كانت مبادراتنا لجمع شمل المخرجين وإقامة ورشات عمل متخصصة تناقش الوضع العام للفيلم الفلسطيني، وان يصبح واقعا مهنيا مميزا، وهنا لا ننسى الجهود العظيمة التي ساندتنا بها بعض المؤسسات المهتمة التي تربطنا بهم علاقة قوية ومتينة، جوهرها الإيمان المطلق بأهدافنا ورؤيتنا للواقع الفني الذي يجب أن يصبح واقعا مهنيا في قطاع غزة. لقد نادينا مرارا وتكرارا وما زلنا ندعو إلى ضرورة استنهاض ودعم العمل البصري الفلسطيني وتوحيده بكل الاتجاهات، وبكل صوره المختلفة وهذا ما سعينا إليه دائما باستمرار من خلال الحراك الفني التثقيفي بين المخرجين والإعلاميين عبر لقاءاتهم وأحاديثهم المكثفة عن أهمية الصورة، وهذا مبني على قاعدة حتمية وضرورة ضبط الحالة الفنية على الساحة من خلال وضع مفاهيم وأسس للعمل الإنتاجي والمهرجاني المختلف. وهنا نؤكد أننا في بال سينما على استعداد دائم وأبدي لتبني كل أنواع الحراك الفني والمنتج البصري بالتعاون مع كل الأطر الفنية المختلفة في الساحة الفلسطينية. ** أفلام غزة 2010 : ليس بالغريب على قطاع غزة الذي يحوي عددا كبيرا من المبدعين في شتى المجالات، أن يحتضن حالة الإدراك والوعي البصري وان تبدأ مرحلة زرع هذه الثقافة في مجتمع يعاني بشدة من وطأت الحصار الذي أصاب الحياة بالشلل على كافة الأصعدة ...وهذا ما جعل العامين الماضيين 2009-2010 بداية الطريق لرسم معالم واضحة لعالم الفيلم والإنتاج البصري، وذلك نظرا للمحاولات الارتجالية لإقامة فعاليات ومهرجانات سينمائية في غزة وتعزيز هذه الثقافة ونشرها على نطاق محلي ودولي أيضا. نعم إن نجاح الفيلم ألغزي مرهون بعدة عوامل رئيسية تضمن له الانتشار والتأثير، ولعلنا حتى اللحظة نفتقد للفيلم المؤثر إن كان تأثير بالرأي العام أو التأثير الفني بسبب أخطاء كثيرة يقع فيها صانع الفيلم، وهذا عائد لسيطرة التقارير والريبورتاجات الإخبارية وما تقدمه شركات الإنتاج من خدمات إنتاجية تخدم فقط الحدث السياسي وتبعد الصورة عن واقعها وثوبها الإنساني الحقيقي. ** مشاركة أفلام فلسطينية في المهرجانات : ورغم قلة الإمكانيات المادية والتقنية التي تمثل العائق الأبرز للمخرج الفلسطيني...إلا أن محاولة الإبداع بحد ذاتها وسام شرف على جبين السينما الفلسطينية وهو جهد بحاجة لمزيد من الدعم والمساندة وهذا يتضح جليا من خلال الحضور المميز للأفلام الفلسطينية في المهرجانات السينمائية العربية والدولية وحصدها العديد من الجوائز ومنافسة أفلام أخرى كبيرة، كما لم يكتفي المبدع الفلسطيني بالمشاركة الإخراجية بل كان هناك حضور فلسطيني مميز ومهم في لجان تحكيم كبرى المهرجانات مثل المخرج ميشيل خليفي رئيس لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة والمخرجة نجوى نجار عضو لجنة تحكيم في مهرجان القاهرة السينمائي. أما فيما يخص الأفلام التي حازت علي جوائز في مهرجانات مختلفة فإننا نذكر منها: 1- فيلم "تذكرة من عزرائيل" للمخرج عبدا لله الغول (جائزة تقديرية من مهرجان دبي السينمائي 2010م). 2- فيلم "المر والرومان" للمخرجة نحوى نجار (جائزة أفضل فيلم عربي عن مسابقة يوسف شاهين بمهرجان الرباط السينمائي وقد فاز بجائزة الخنجر الذهبي بمهرجان مسقط السينمائي الدولي.) 3- فيلم "بدرس" للمخرجة جوليا باشا (الجائزة الفضية في مهرجان برلين السينمائي الدولي) 4- فيلم "صراع" للمخرج رائد انضوني (جائزة التابيت الذهبي الجائزة ألكبري في مهرجان قرطاج السينمائي). 5- فيلم "عيون الحقيقة" للمخرج جبريل أبو كميل (جائز أفضل فيلم وثائقي في المهرجان الدولي –حديث المقاومة). 6- فيلم "جيفارة" للمخرج خليل المزين (جائزة أفضل تصوير في مهرجان حديث المقاومة). 7- فيلم دوشة للمخرج فايق جرادة (مهرجان خريبكة للأفلام الوثائقية الدورة الثانية). ** الجدل ما زال قائما حتى عام 2010 احد ابرز القضايا الجدلية التي تداولها المخرجون والإعلاميون في نقاشتهم ولقاءاتهم عام 2010 هو موضوع التمويل والسيناريو والنص الفيلمي والعمل الدرامي والوثائقي وحجم الدعم الذي يتلقاه صناع الأفلام في فلسطينوغزة. عموما النقطة الأكثر وضوحا والموثرة بشكل كبير على المخرج الفلسطيني هو غياب الدعم الحكومي لصناعة الأفلام وغياب الدعم المؤسساتي المحلي واكبر الإشكاليات عدم وجود مؤسسة سينمائية قادرة على ضبط الحالة الفنية في فلسطين مما أدى إلى إحداث شرخ كبير في التواصل بين المخرجين ومؤسسات الدولة مما جعلهم يتجهون للممول الأجنبي لتوفير الدعم والتمويل لصناعة أفلام فلسطينية وغالبا ما تكون رؤية هذه الأفلام مسيسة وينقصها الواقعية. وهنا نعود لنبحث عميقا عن دور مؤسسات الدولة حكومة وسلطة في دعم الإنتاج الفيلمي فبدلا من صرف ملايين الدولارات لشراء مواد إنتاجية من هنا وهناك وعرضها على فضائياتنا المحلية فإن من الأجدر صرف هذه الأموال بالتوازي مع صناعة أفلام فلسطينية ترتقي بالإنتاج الفني وتزيد من تالقة وحرفيته ونكون منتجين أكثر من كوننا مستهلكين. ** طبيعة أفلام 2010 في غزة موضوعيا نستطيع القول بان عام 2009 كان أفضل على غزة فنيا وإنتاجيا وذلك بسبب احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية والتي دعمت القطاع ماليا مما أدى إلى ازدهار في الساحة الفنية والإنتاج الفيلمي وشهدت المهرجانات المقامة فيه مشاركة نوعية ومميزة للمخرجين الفلسطيني إلا أن الصورة اختلفت في عام 2010 حيث قل الإنتاج وعمت الفوضى الساحة الفنية حيث كانت وما تزال الارتجالية هي المسيطرة على الساحة، كما ولاحظنا الترهل الكبير في مضامين الأفلام المنتجة حيث لم تخرج عن سيطرة الريبورتاجات الإخبارية والمقدمة للفضائيات وهذا بطبيعة الحال مشكلة قائمة سببها الرئيسي شركات الإنتاج الإعلامي والتي تقدم خدمات إنتاجية للفضائيات ولا تنتج فنا مطلقا شغلها الشاغل جني الربح المادي فقط.وسببها الرئيسي أيضا غياب المرتكزات الفنية الصحيحة وأسس العمل الفني الصحيح. ** مراجعة رغم أن الثقافة والفن أصبح بمثابة رد يمثل تحديا على الحصار و حتى على الانقلاب الذي جاء بعد عام من تلك العملية التي أعقبها الحصار , ليزيد من حالة الإحباط والقنوط , وتزايدت الحياة سوءا بهذا الاتجاه عند شن الحرب الإسرائيلية على غزة ... فقد كان لمناسبة احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية بمثابة الرافعة للعمل الثقافي الذي جاء استثنائيا , ليس من حيث كم وعدد النشاطات الثقافية التي حدثت ولكن أيضا من حيث نوعيتها , حيث لأول مرة يشهد القطاع, حراكا فنيا وثقافيا , كذلك شهد لأول مرة إنتاج العديد من الأعمال الفنية بتمويل و طني وكذلك مهرجانات وتظاهرات سينمائية عربية ومحلية حيث تأكد مرة أخرى بان عمقنا العربي في النهوض بالحالة الفنية والثقافية مهم جدا ولن نرتقي بدون عمقنا العربي ...فمن خلال أسبوع الفيلم التسجيلي على سبيل المثال استطعنا تجميع ما يقارب من 52 فيلما جسدوا حالة الواقع الفلسطيني هنا في غزة ...كذلك مهرجان الخليج السينمائي والذي شكل عامل ايجابي في الوسط الفني حيث أنه ولأول مرة في التاريخ ألغزي تقام مثل هذه المهرجانات. لقد كانت نتيجة الجهود التي بذلت من اجل النهوض بالحالة الثقافية والفنية نتيجة طبيعية للعلاقات التي تمت بيننا وبين نخبة من السينمائيين العرب أمثال الناقد العربي السوري صلاح سرميني والسينمائي الإماراتي مسعود أمر الله والدكتور الحبيب الناصري والدكتور بوشعيب المسعودي والأستاذ.احمد سيجلماسي وغيرهم من الشخصيات السينمائية العربية لقد حاولنا وما زلنا نحاول وبجد تكوين إطار يجمع العاملين في مجال الصورة وتفعيل شركات الإنتاج المختلفة وتحفيزها علي الإنتاج المستمر وقد تبلور مجهودنا في تكوين إطار سينمائي تحت اسم الملتقى السينمائي الفلسطيني (بال سينما ) خلال الأعوام السابقة لم يكن هناك من حراك سينمائي مهم , حيث لا يمكن الحديث سوى عن عروض متفرقة في قاعات مؤسسات أو جمعيات أو مراكز ثقافية مختلفة , حيث لا توجد دور عرض سينمائية على الإطلاق في قطاع غزة . ويمكن الحديث أيضا عن إنتاج أفلام وثائقية أو تقارير تلفزيونية من قبل شركات إنتاج وجامعات ومخرجين , ومن أهم شركات الإنتاج _ ميديا جروب ورامتان . أهم التجمعات الفنية الآن هناك ملتقيان للسينما بمثابة تجمعين للمخرجين والمهتمين بالشأن السينمائي هما : الملتقى السينمائي الفلسطيني ( بال سينما ) والذي نفذ خلال عام 2009 أيام السينما الخليجية في فلسطين وأسبوع الفيلم التسجيلي الفلسطيني , وملتقى الفيلم الفلسطيني الذي نفذ مهرجان القدس السينمائي . كذلك هناك اهتمام خاص بالنشاط السينمائي النسوي من قبل مركز شؤون المرأة التي نفذت مهرجان سينما المرأة عام 2009 ** الخلاصة إن الإيمان العميق بأهمية صناعة فن حقيقي بحاجة لتكاتف كل الجهود وبحاجة لتضحية جماعية من قبل كل المخرجين والمنتجين والمثقفين بحاجة لتعاون مشترك بين كل الأطر الفنية وشركات الإنتاج باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم بحاجة لرؤية وإستراتيجية مستقبلية واضحة المعالم ومتفق عليها ضمن لوائح وقوانين لا يمكن الخروج عنها. معاناة متعددة موجودة بالساحة الفنية الفلسطينية وأزمات مختلفة ...واكبر الدور ملقى على عاتق المثقف الذي غيب سريريا عن المشهد السينمائي بسبب بعض من أدعياء الثقافة الذين يدعون الفهم والفكر والذين يحترفون تلطيخ الصحف والمواقع الإخبارية بمقالاتهم السياسية عديمة الجدوة وتحليلاتهم البعيدة عن الحقيقة .فمن الأجدر علي المثقف وغيره أن يلعبوا دورا رياديا في قيادة وتوجيه الساحة الثقافية الفنية نحو بر الأمان، على المثقفين أن يكونوا خير سفراء لفكر وثقافة ومعتقدات شعب فلسطين. عملنا الفني وإيماننا بالصورة المرئية وبمرتكزة الرئيسي وهو العنصر الشبابي المبدع القادر على الإنتاج والانجاز بحاجة إلى مؤسسة راعية تحتضن كل هذه الطاقات وتقودها نحو الأهداف المشتركة التي نطمح سويا لتحقيها. كل هذا الجهد بحاجة لمد يد العون من السلطة الوطنية والحكومة الفلسطينية لدعم فكرة وجود مؤسسة سينمائية فلسطينية وتوحيد الأطر الفنية تجمع شمل المبدعين من عشاق الصورة وتوفر لهم كل الإمكانيات لإنتاج بصري قادر على المنافسة وتعمل على تطوير وتنمية مهارات العنصر الشبابي وتؤهله ليصبح حرفيا ومهنيا. كل هذا يصب في مصلحة وهدف واحد وهو رسم الصورة المشرقة لفلسطين الوطن والحلم. ***توصيات : 1- ضرورة تفعيل التجمعات الفني والاهتمام بها لأنها ستشكل لا محالة مستقبلا ونواة لحركة فنية متكاملة وفاعلة. 2- الاهتمام من قبل جهة الاختصاص والمؤسسات الحكومية المعنية بالنخب الفنية بجميع أشكالها . 3- العمل وبشكل غير قابل للمراجعة على أن العمل الجماعي هو روح العمل الإبداعي . 4- استنهاض خبرة العاملين في هذا المجال حتى نستطيع تكملة المسيرة بإخلاص وأمانة . 5- الانسجام الكامل بين النخب الفنية والمؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة لإحداث توازن في العلاقة الجدلية القائمة . فايق جرادة ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة