طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نيسان الفلسطيني...بذل وعطاء وشهادة

"في شهر نيسان نستذكر أرواح قادة كبار سقطوا بفعل الإرهاب الصهيوني ليشهد هذا الشهر على نازية وفاشية الكيان العنصري اللقيط الذي قام على أنقاذ فلسطين قبل 62 عاماً. في هذا الشهر نستذكر أرواح القادة الشهداء عبد القادر الحسيني، كمال عدوان، أبو يوسف النجار، كمال ناصر، خليل الوزير "أبو جهاد"، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والمئات المئات غيرهم من القادة والكوادر والمناضلين الفلسطينيين. في هذا الشهر نستذكر كل شهداء فلسطين والوطن العربي من المحيط إلى الخليج الذين قضوا بفعل الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي."
عندما يدرك المفكر أو الكاتب أو الإعلامي العربي أن النظام الرسمي العربي قد بلغ من العجز والتخاذل مداً بات معه من المتعذر لَمَ شمل الحكام العرب في قمة الحد الأدنى من التضامن العربي أو المراهنة عليهم في اتخاذ قرار التصدي عملياً أو لفظياً لغطرسة الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي المُتصلين في الوطن العربي عامةً وفلسطين والعراق خاصة، يُصبح من حقه لا بل من واجبه الوطني والقومي أن يُبقي يده متحفزة على"زناد" قلمه تماماً كما يُبقي المقاتل العربي يده متحفزة على زناد بندقيته، ويظل هذا كما ذاك في حالة استنفار دائمة، تمكنه من الدفاع عن قضايا الأمة وتدوين الصفحات تلو الصفحات من السير الذاتية الأسطورية لشهداء القضية الأبرار الذين تساقطوا ويتساقطون زرافاتٍ ووحدانا نتيجة هذا الإرهاب الإجرامي الذي عادة ما يتخندق وراء ذلك الاستكبار الجهنمي وتوثيقها وحفظها في"موسوعة الشهادة والاستشهاد"، لتسهل مهمة انتقالها من جيل عربي إلى جيل عربي آخر دون تزييف أو تزوير أو تدليس.
ولا أعتقد أن هناك فارقاً أو تبايناً يُذكر بين المفكر أو الكاتب أو الإعلامي العربي من جهة والمقاتل العربي من جهة أخرى في هذا الصدد، طالما أن كليهما مُعرضان للشهادة والاستشهاد في كل لحظة وطالما أنهما يحملان نفس الرسالة ويتبنيان نفس العقيدة ويدافعان عن نفس القضية ويقاتلان من أجل نفس الهدف. ولربما أن الفارق أو التباين الحقيقي والوحيد بين الاثنين هو في نوعية السلاح الذي يحمله كل منهما والذخيرة التي يحشو بها كل منهما هذا السلاح!! ولا أذكر أن هذا الفارق أو التباين قد شفع في يوم لمفكر أو كاتب أو إعلامي عربي دون مقاتل عربي أو لمقاتل عربي دون مفكر أو كاتب أو إعلامي عربي في مواجهة غطرسة الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي على مدار العقود الزمنية الستة الأخيرة!!!ولقد تجلت هذه الحقيقة بوضوح في الساحتين الفلسطينية والعراقية أكثر من غيرهما في الساحات العربية الأخرى.
فكم من العقول والأقلام والرموز الثقافية العربية وبالأخص الفلسطينية قد استهدفها الإرهاب الصهيوني، مثلما استهدف المقاتلين والكوادر والقادة السياسيين والعسكريين!! وهل من مرة واحدة ميز فيها هذا الإرهاب أو فرّق بين المسلحين والمدنيين العُزل، أو بين الأطفال الرضع والنساء والشيوخ، الأصحاء والمقعدين منهن ومنهم؟ ألم يستهدف السياسيين والعسكريين من شعب الجبارين في كل مكان وزمان دون ما تمييز أو تفريق؟ وألم يستهدف الحجر والشجر والحرث والزرع والنسل وباطن الأرض وأديمها والماء والهواء وكل البحر والفضاء في فلسطين؟ وألم يحول كل هذه منفردة أو مجتمعة إلى أهدافٍ عسكرية استراتيجيةٍ لجيشه وعصاباته وآلة بطشه وجبروته وفاشيته بدعوى وزعم " الضرورات والمقتضيات الأمنية" للكيان الصهيوني العنصري القائم فوق ثرى فلسطين منذ عام 1948، بمنطق القوة ودبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية!!؟
في عصر الانبطاح العربي هذا الذي يوغل فيه الإرهاب الرسمي الصهيوني، تحت مظلة الاستكبار الأميركي الذي دخل اختطافه غير الشرعي للعراق عامه الثامن، في ارتكاب جرائمه البشعة والنكراء ضد الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، أقبل علينا شهر نيسان هذا العام بكل ما حملته جعبته واختزنته ذاكرته من قوافل الشهداء الفلسطينيين الأبرار الذين سقطوا على مدار العقود الستة الماضية من عمر الاغتصاب الصهيوني لفلسطين. وهل بين الفلسطينيين في الوطن والشتات من نسي أو غاب عن باله ولو للحظة واحدة مسلسل المجازر والمذابح وعمليات الاغتيال التي ارتكبها جزارو وسفاحو الكيان الصهيوني بحق شعب فلسطين على المستويين الجماعي والفردي في أعوام وشهور تلك العقود وبالخصوص الشهور النيسانية!!؟ ومَن مِن هؤلاء المظلومين والمضطهدين دائماً وأبداً دون إثم ارتكبوه أو ذنب اقترفوه غير حب الوطن والوفاء له قد نسي أو غاب عن خاطره ولو لبرهة قصيرة أو لمحة بصر خاطفة جرائم عصاباتي "شتيرن" و"الهاغاناة" وغيرهما من العصابات الصهيونية الإرهابية المنظمة وغير المنظمة قبل نكبة عام 1948 الكبرى وأثناء وبعد حدوثها وصولاً إلى عصر الانحطاط والردة هذا، وبالأخص جرائم رجال جهاز الموساد التي ارتكبت بحق الفلسطينيين الأبرياء في شتات الداخل والخارج؟
مجازر ومذابح بربرية تجاوزت حدود الإبادة الجماعية وجرائم اغتيال جماعية وفردية لا أخلاقية ولا إنسانية كبيرة لا حصر ولا وصف لها إلا في قواميس التتار والمغول والنازيين ارتكبها الجزارون والسفاحون الصهاينة بحق الفلسطينيين خاصة والعرب عامة منذ عهد الإرهابي بن غوريون وصولاً إلى عهد الإرهابي الحالي بنيامين نتانياهو، مروراً بعهود كل من تعاقبوا على السلطة اللقيطة في تل أبيب من كبار الإرهابيين الصهاينة. شلالات من الدماء الفلسطينية الطاهرة سفكها الإرهاب الرسمي الصهيوني الإجرامي على مدار 62 عاماً من الاحتلال القهري المستمر. مسلسل دموي صهيوني بغطاء استكبار أميركي ما تزال حلقاته تتواصل حتى اللحظة الراهنة، يتقاطع مع مسلسل دموي آخر يعيش العراق حلقاته الجهنمية المستمرة أيضاً على أيدي المحتلين الأميركيين والبريطانيين الأفاكين للعام الثامن على التوالي.
ببلوغنا منتصف شهر نيسان الجاري ترانا كما في نيسان من الأعوام السابقة نعيش أيامه بكل ما تستدعيه من مستلزمات التأمل والاستنفار وما تفترضه من متطلبات الحيطة والحذر، لما لها وما عليها من مخاطر وتبعات سلبية محتملة. ونحن بدورنا نرى أنفسنا مدفوعين بل مندفعين تلقائياً ومن باب الوفاء لإنعاش ذاكرتنا باسترجاع شريط تلك المجازر والمذابح وجرائم الاغتيال التي دفع فيها الشعب الفلسطيني من دمه الذكي والغالي الكثير الكثير من أجل أرضه المباركة وقضيته المقدسة، جراء صنوف وأنواع الإرهاب الصهيوني التي مورست ضده ولم تزل تُمارس حتى أيامنا هذه. ونحن نعيش هذه الأيام بحلوها ومرها، نستذكر القسطل ودير ياسين وفردان وسيدي بوسعيد والسارة وغيرها الكثير، ونستذكر أرواح الشهداء الأبرار الذين سقطوا في شهور نيسانية مماثلة اصطُلح على تسميتها فلسطينياً شهور البذل والعطاء والشهادة والاستشهاد من أجل الشرف والكرامة وحرية الأرض والإنسان، لكثرة الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلالها وبالأخص على المستويات القيادية. ونستذكر أرواح الشهداء عبد القادر الحسيني وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وخليل الوزير "أبو جهاد" والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والعقيد طيار محمد درويش والعقيد طيار غسان ياسين والمهندس طيار ثيودوروس جيورجي. نستذكر أرواح ثمانية عشر شهيداً أبت أرواحهم إلا أن تهاجر من الأرض الفلسطينية المحتلة لتعانق روح "أمير الشهداء" يوم وصلت يد الغدر الإرهابي الصهيوني إلى جسده الطاهر في العاصمة التونسية، وتُزف معها في عرس شهادةٍ ما بعدها شهادة. نستذكر أرواح هؤلاء الذين قالوا للكيان الصهيوني لا وألف لا، لن تموت جذوة الانتفاضة المباركة مع اغتيال "أمير الشهداء". نستذكر أرواح الشهداء الثلاثة الذين قضوا دفاعاً عن "الأمير" والقضية، مصطفى وحبيب التونسي وأبو سليمان.
ولكي أجنب نفسي إحتمال الوقوع في النسيان وحتى لا يؤخذ علي مأخذ "التجاهل المتعمد لا قدر الله" أو أرزخ تحت طائلة لوم نفسي قبل لوم الآخرين لي، أرى أن من العدل والإنصاف استذكار أرواح كل الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين وصلتهم يد الغدر الصهيونية والأميركية والبريطانية خلال شهور نيسان والشهور الأخرى وعلى مدار عقود الصراع العربي الصهيوني الطويلة وأعوام أسر العراق السبعة. لكن ضرورات اختصار الحديث عن هذا الشهر اللعين يستدعي مني التوقف فقط عند رموز قياديةٍ كبيرةٍ ومميزة كان شغلها الشاغل وهمها الأول الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني من أجل خدمة القضية المقدسة ولم تفكر ولو للحظة عابرة بتقديم "الأنا" أو المصلحة الذاتية أو الحركية على المصلحة الوطنية الفلسطينية والمصلحة القومية العربية، استهدفها الإرهاب الصهيوني في شهور نيسانية لعينة سابقة.
فالحديث عن القائد الشهيد عبد القادر الحسيني يعيدنا بالذاكرة إلى الوراء 62 عاماً. الحديث عن هذا القائد الكبير يعيدنا إلى تاريخ استشهاده في معركة القسطل في 8 نيسان 1948، ويعيدنا أيضاً إلى أيام بالغة الظلمة والسواد، أفرطت خلالها عصاباتا "شتيرن" و"الهاغاناة" الإرهابيتان في عدوانهما النازي والفاشي ضد المواطنين الفلسطينيين لغرض ترحيلهم والاستيلاء على أراضيهم، فارتكبتا من المجازر والمذابح الجماعية ما لم يُعد ولا يُحصى وما يندى لها جبين الإنسانية. ومن بين تلك المجازر كانت مجزرة دير ياسين التي حدثت في 9 و10 من ذات الشهر والعام والتي اغتال الصهاينة الأنذال فيها جميع أبناء البلدة إلا من نجا منهم بأعجوبة ، في واحدةٍ من أسوأ عمليات الإبادة الجماعية .
والتوقف عند 10 نيسان 1973 يذكرنا بذلك اليوم الذي تمكن فيه الإرهاب الصهيوني النازي بواسطة مجموعات مجرمة تابعة لجهاز "الموساد" من اغتيال ثلاثة من القادة الفلسطينيين الكبار في شارع فردان في قلب العاصمة اللبنانية بيروت هم كمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر. لقد كان الشهيد القائد كمال عدوان واحداً من أهم وأبرز الإعلاميين إن لم يكن أهمهم وأبرزهم. وكان الحريص الدائم على أن تتعانق الكلمة الحرة مع البندقية الحرة. رأى العالم من خلال القضية الفلسطينية، وكان القائل، وصَدَقَ قوله، "حتى تكون قومياً وحتى تكون أممياً لا بد أن تكون فلسطينياً أولاً". أتقن فن الثورة ودرب الآخرين على إتقانه وممارسته. أصدر جريدة "فتح" من قلب المعركة عندما تطلبت الضرورة ذلك. وكان الشهيد القائد أبو يوسف النجار فقد كان "السهل الممتنع" في مرونته وتصلبه، وكان شعاره الثابت والدائم "الحق أولاً والمبدأ أولاً". ومثل أبو يوسف النجار نموذجاً لجيلٍ فلسطينيٍ كاملٍ عَبَرَ عنه بنقاء ثوري أصيل. أما الشهيد القائد كمال ناصر"ضمير الثورة" الذي أحبه جميع الثوار كما أحبهم، إذ كان لحركة فتح كما كان لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية. كان أديباً وشاعراً ومفكراً، وكان إنساناً بكل معاني الإنسانية النبيلة. حبّب القتال إلى قلوب الجماهير فأصبحت الجماهير الحاضن الأمين والحُضن الآمن والدافئ لفكر المقاومة وممارساتها. وكان حريصاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعمل من أجلها. سُمي "ضمير الثورة" لما مثّله من قاسمٍ فكريٍ وسياسيٍ مشتركٍ بين جميع فصائل المقاومة، مع تعدد نزعاتها الفكرية والسياسية.
وما من أحد عرف أمير الشهداء القائد الرمز خليل الوزير"أبو جهاد" إلا واحترمه وأحبه، وأنا كنت واحداً من هؤلاء وهم كُثر جداً في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية. فما أقوله أنا وغيري عن الأمير الشهيد القائد لا يُمثل جزءاً يسيراً مما اتصف به من نُبل وعُرف عنه من أخلاق حميدة ومسلك مُشرف. ولا أبالغ حين أقول أنني مهما اخترت له من الصفات النبيلة والكريمة والإنسانية الشائعة والجديدة لن أوفيه بعض ما استحقه في حياته وما يستحقه في مماته، وهو أكثر بكثير.
لقد كان "أبو جهاد" قائداً بكل معاني الكلمة، وما أحوجنا لأمثاله وأمثال إخوانه الذين عاصروه وقضوا قبله وبعده في الأيام العصيبة والظروف الدقيقة والخطيرة التي مرت بها القضية الفلسطينية وكل قضايا الأمة الوطنية والقومية. وصلت يد الإرهاب الصهيوني المجرم إلى جسده الطاهر في 16 نيسان 1988 فاغتالته مع ثلاثةٍ من مرافقيه بعد معركةٍ غلب عليها طابع الغدر في ضاحية سيدي بوسعيد التونسية. ويوم اغتال الكيان الصهيوني الشهيد الكبير الذي سُميت باسمه "دورة الانتفاضة" للمجلس الوطني التي انعقدت في مدينة الجزائر في تشرين الثاني 1988، اعتقد أنه بذلك الاغتيال تمكن من اغتيال الانتفاضة المباركة، لكن وفاء أبنائها للقائد والقضية التي قضى من أجلها زاد الانتفاضة اشتعالاً وتوهجاً، إلى أن جاءت "أُوسلو" اللعينة فاغتالتها بالإنابة.
أما القائد السابق في قطاع غزة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فقد وصلت إليه يد الغدر والإجرام الحاقدة عندما قصفت الطائرات الحربية الصهيونية أميركية الصنع مساء 17 نيسان 2004 سيارته، فعانقت روحه الطاهرة أرواح جميع شهداء فلسطين الأبرار الذين سبقوه. حدثت جريمة اغتيال الرنتيسي بعد 25 يوماً فقط من جريمة اغتيال ملهمه وقدوته المغفور له الشيخ أحمد ياسين الذي سقط في حينه مع اثنين من مرافقيه هما الشهيدان أكرم نصار وأحمد الغرة. ومسيرة القائد الرنتيسي المميزة نسخة مشرفة عن مسيرة ملهمه وقدوته، تجعلنا هي الأخرى أعجز من أن نذكر كل صفاته ومآثره الكريمة في كلمات أو سطور قليلة. وكلا الرجلين، القائد والقدوة، حرصا على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعملا وقضيا من أجلها ومن أجل وحدة الشعب والأرض والقضية، ولربما أنه لو كتب لهما أن يحيا أطول لما حدث ما حدث، ولما كان ما كان، ولما وصل الحال إلى ما وصل إليه، ولما فُرض على قطاع غزة أن يدير ظهره للضفة الغربية وقلبها مدينة القدس المباركة ويتباعد عنهما.
اقتصار حديثي على ستة فقط من القادة الرموز الكبار في مسيرة النضال والاستشهاد الفلسطينيين وفي مسيرة الوحدة الوطنية الفلسطينية لا يقلل أبداً من شأن وقيمة الشهداء الأبرار الآخرين. فكلهم شهداء القضية النبيلة، من أصغر طفل رضيع وامرأة وشيخ مسن حتى أكبر قائد فلسطيني، وكلهم تتمزق قلوبنا ألماً وحسرةً على فراقهم . فقوافل سبقت وأخرى تنتظر والعطاء مستمر. لكن "نيسانية" الموقف افترضت التوقف عند هؤلاء القادة للتدليل على فيض العطاء الفلسطيني، بانتظار وقفات أخرى قادمة. إنه قدر فلسطين وشعبها أن يُلازمهما على الدوام حصادٌ دموي"نيسانيٌ" يعقبه حصاد بعد حصاد. مسلسل من الحصاد الدموي المستمر والمتواصل. فالإرهاب الصهيوني بشتى أشكاله وصوره الهمجية والمقززة مستمر ومتواصل، وشلال العطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان والقضية بشتى أشكاله وصوره النبيلة والمشرفة مستمر ومتواصل بغزارة هو الآخر. ولنا في كل يوم وأحياناً كثيرة في كل ساعة أو لحظة شهيد بل عشرات الشهداء، و"موسوعة الشهادة والاستشهاد" التي استوجبتها النكبة الكبرى لتخليد الدم الفلسطيني الطاهر تبقى مشرعة الأبواب ومفرودة الصفحات لاستقبال سير جديدة لكواكب من الشهداء الجدد ينضمون إلى إخوان ورفاق لهم سبقوهم إلى شرف الشهادة، إلى أن تتم العودة ويتحقق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ويعترف العالم كله بالمدينة المقدسة عاصمة لها. رحم الله كل شهداء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية. والحديث عن الشهداء والشهادة والاستشهاد متواصل، طالما أن العطاء الفلسطيني متواصل.
أنتهى المقال......
نيسان 2010‏‏
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.