الأحداث المغربية: وزع أصدقاؤنا من محبي الناقد السينمائي الراحل قبل الأوان نور الدين كشطي ، دعوة إنسانية خيرة من أجل تذكر أسرة الراحل عبر تعميم رقم حساب بنكي لمن يريد مساعدتها ، هي التي فقدت المعيل الوحيد في حادثة سير منذ أيام ، ونحن نتمنى من الهيئة السينمائية الرسمية ومن وزارة الإتصال ومن وزارة الثقافة أن يتم الإلتفات إلى أسرة الراحل ، بتخصيص معاش استثنائي لها ، احتراما لذكراه ، وتقديرا لحبه للسينما في هذا البلد ولكل ما قدمه لمجال النقد ، وكذا من باب الإحساس ببعضنا في مثل هذه الأوقات الصعبة . نتمنى ولانملك على بلدنا إلا التمني بأن لا يطول كثيرا أوان الإستجابة لهذا الرجاء " المختار لغزيوي الأحداث المغربية العدد 4092 ليوم الإثنين 12 يوليوز 2010 ص20 ---------------------------------------------- جريدة الإتحاد الإشتراكي: نور الدين كشطي.. آه كم كنت وحدك في أغلب الأحيان ! نور الدين.. تعرف أنني متقاعس عن الكتابة، وأتهيب بياض الورق... لكن رحيلك المباغت وهول الفراغ دفعني للتطفل على الكتابة وعليك مرة أخرى، فمعذرة يا مجنون السينما والفن وأشياء أخرى... لكن ما عساني أقول والقلب يعوي قبل دمع العين... ويصيح لماذا يذهب الذين نحبهم، لماذا ينسحبون تباعا بصمت ودون إشعار مسبق تتناسل الأسئلة ولا جواب محدد سوى مزيد من الألم وإحساس متزايد بعبثية الحياة... أتذكر ما قاله صديقنا محمد جبران وهو ثمل بالألم أمام كشك الراحل تيريدا، بعدما علم بموته «... علاش أخويا تيريدا خويتي بنا حنا راه غير متكيين على بعضيتنا...» قالها الذي نسميه «تأبط نقيرا» فأوجز القول واقتصد العبارة، وبدوري أقولها لك ولكل الذين أحببناهم وغادرونا فجأة. أتذكر تحملك لشغبي ومشاكساتك وابتسامتك الخجولة المتميزة عندما كنت أتلاعب باسمك الشخصي فأسألك: أتفضل أن تكون نور الدين lumiere de la religioin أم مجرد إنارة سينمائية، فكنت تكتفي بالإشارة البليغة والابتسامة المعبرة.. وحتى اسمك العائلي لم يفلت من مقترح سيناريو صغير، حينما اقترحت عليك أن أتطوع نيابة عنك لرفع دعوى قضائية لإصلاحه أي الاسم العائلي ليصبح «كشطوني» في تلميح لنقاوتك وزهوك وحبك للانزواء، وتحاشي المتهافتين أيها الحلزون الجبلي. نوبات غضبك الطفولي الذي سرعان ما يتلاشى.. وحتى طيبوبتك الأصيلة لم تكن تثنينا عن مشاكستك والاستمتاع بمحاولة حصرك في الزاوية. من نادي العزائم على ما أظن الى نادي العمل السينمائي، إلى ما يشبه الاحتجاج والانسحاب اللبق... حتى نادي السينما الجديدة بعين السبع رفقة ثلة من هواة الشغب الجميل والمهووسين بالسينما والعمل الجمعوي الجاد قفزا على الجامعة الوطنية للأندية السينمائية وتطوراتها. وكذا جمعية النقاد ودار الوصل والكتابة النقدية والصحفية... في كل ذلك كنت حاضرا دوما بلطف وسلاسة: فكرة، تحفظ، اقتراح، انتقاد هادئ، تشنج طفيف وعابر، مزحة ونكتة، تواطؤات صغرى وجميلة، مقالات... كنت دائما حاضرا بيننا وكان حضورك طلائعيا، ولذلك ستبقى بيننا أيها الرفيق والأخ العزيز. ماذا سأقول بعد ذلك؟ ليعذرني الراحل المجاطي «يسعفني الدمع والكأس ولكن لا تسعفني العبارة آه كم كنت وحدك في أغلب الأحيان... هاتفت حسني ثم سكري ثم الآخرين فأحسست بالغصة في الحلوق والنبرات. فكان ما يتعارف عليه بالعزاء... لكن لا عزاء لنا.. سوى أنك بقيت نظيفا، من الطبيعة ثم السينما والفن أتيت وإليها كلها عدت... ولا يهم بعد ذلك كيف. لماذا غادرتنا هكذا..؟ لا عزاء لنا ولسنا بصدد البحث عنه. واسمح لدفاعك (....) أن يقولها مرة أخرى: وداعا أيها الرفيق لأنك كنت فعلا كذلك . وداعا نور الدين... رغم أنني واثق أنك سترافقنا دوما وسنلتقيك في أزقة عين السبع والبرنوصي والمعاريف ودرب السلطان وأمام الأبواب المقفلة لما تبقى من القاعات السينمائية، وفوق خشبات ما يسمونه بالمسارح والمركبات وحتى بعض دور الشباب إن لم يقع تفويتها. نعم ستلاقينا بابتسامتك وسنتسامر ونتقاسم الآلام وحب هذا الوطن ونختلس بضع لحظات فرح طفولي.. سيستمر كل ذلك حتى ننسحب تباعا ... وبصمت مثلك تماما. عبد الله مهلال جريدة الإتحاد الإشتراكي مراكش 2010/7/6 10/7/2010 ---------------------------------------------- جريدة الصحراء المغربية : الساحة الفنية المغربية تفقد الناقد السينمائي نور الدين كشطي لقي الصحافي والناقد السينمائي، نور الدين كشطي، مصرعه، أول أمس الأحد ، في حادثة سير بالقنيطرة، تعرضت لها السيارة التي كانت تقله.. رفقة المخرج الشاب، يونس الركاب، والممثلة هدى صدقي، وزوجها، الذي كان وراء المقود، وهم في طريق العودة إلى الدارالبيضاء، بعد اختتام الدورة العاشرة لمهرجان مرتيل السينمائي. وخلفت وفاة كشطي، عاشق السينما إلى درجة الجنون، حسرة لدى المهتمين بالسينما وأصدقائه وأقاربه، إذ، برحيله، يفقد الفن السابع رمزا من رموزه الغيورين على الفيلم المغربي. وأجمع العديد من أصدقاء الراحل، ومن المهتمين بالسينما، في شهاداتهم، على أن نور الدين كشطي كان إنسانا متفانيا في حبه للسينما، إذ وهب حياته لمواكبة تطورات الحقل الفني، دون كلل أو ملل، وأنه مثال الإنسان المتسامح، الذي عاش في الظل، ومات في صمت. وقال الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي إن "خبر موت الصديق نور الدين كشطي نزل علينا كالصاعقة"، مضيفا، في تصريح ل "المغربية"، أن هذه الحادثة التي نجا منها كل ركاب السيارة إلا الراحل نور الدين، تركت حزنا عميقا في نفسه، مضيفا "رحل عاشق السينما، بعد حضوره حفل تكريم مخرج طنجة، الجيلالي فرحاتي، وتمتعه بمشاهدة العديد من الأفلام القصيرة والوثائقية، القادمة من إسبانيا وبعض دول أميركا اللاتينية والمغرب وسوريا، ومشاركته، بفعاليته المعهودة، في جلسات النقاش، وغيرها من أنشطة المهرجان". من جانبه، عبر عبد الخالق بلعربي، أمين مال "جمعية نادي السينما بسيدي قاسم"، عن عميق حزنه لرحيل كشطي، قائلا "كان الراحل أحد مؤسسي مهرجان السينما بسيدي قاسم، سنة 1996، حضر جل دوراته، وكان بمثابة المستشار على مستوى التنظيم. كان نعم الأخ والصديق، إنه مثال للإنسان المتسامح الخجول، الذي يشتغل في صمت، ولم يتردد يوما في مدنا بالجديد، دون مقابل، ولم يبخل على النادي بمجهوداته وعطاءاته". وأضاف بلعربي، في تصريح ل"المغربية"، والحسرة على فراق كشطي تخنق حنجرته، قوله "كأن تكريمه الأخير في مهرجان سيدي قاسم كان مناسبة لتوديعه. أعطى للمجال السينمائي كل شيء، ولم يحصل على شيء. عانى الكثير من المشاكل المادية، لكنه كان إنسانا عفيفا لا يشكو. عاش في صمت ورحل في صمت". في المنحى ذاته، قال الناقد السينمائي، محمد سكري، إن "الراحل كشطي إنسان يحب السينما حتى الضجر، كي لا أقول حتى النخاع. كان يكلمني مرارا عن آخر كتاب قرأه عن السينما، وعن أفلام ومخرجين لا أعرفهم، أحيانا. وكم تروقني تحليلاته وتعليقاته عن أفلام شاهدناها معا. من النادر أن نعثر على رجل له هذه القدرة على المتابعة والمشاهدة والقراءة، وتحليل السينما". يذكر أن نور الدين كشطي، الذي ولد سنة 1965 ببركان، شارك في عدد من المهرجانات واللقاءات السينمائية الوطنية والدولية. واختير الراحل، وهو أب لطفلين، عضوا في لجان تحكيم العديد من المهرجانات الوطنية، منها لجنة تحكيم الصحافة في المهرجان الوطني للسينما في طنجة (1995)، وعضوا في لجنة النقد بالمهرجان الوطني لمراكش (2001 )، وعضوا في لجنة التحكيم في المهرجان الدولي لفن الفيديو، بالدارالبيضاء. 06.07.2010 خديجة معقول | جريدة الصحراء المغربية ---------------------------------------------- جريدة " النهار" اللبنانية: محمد باكريم يتذكر نور الدين كشطي في رحيله: هاجر اليوتوبيا الى السينما جاء ذات يوم بعيد. من عصر مغربي آخر. من مغربه العميق، من الجانب الذي تشرق منه الشمس. جاء من بلدته الأم بركان حاضناً المتروبول، الدار البيضاء، التي كانت تجذب التوقعات كافة، وأيضاً كل الآمال وكل اليوتوبيات. نعم، نور الدين كشطي، ناقد سينمائي ومدرّس فنون، الذي فقدناه في حادث سير في يوم أحد شديد الحرارة، كان ملتزماً مثالية ظل مخلصاً لها كراهب من الأزمنة الحديثة. صورة الراهب هذه تليق كثيراً بكشطي، اذ لم تكن تتاح لنا ملاقاته، في الواقع، الا حول صالة سينما، معبده المفضل، أو داخلها. هذا الذي كان يعمل تقنياً، في أوائل الثمانينات، استطاع أن يوفق ببراعة تامة، بين الانضمام الى يوتوبيا يسارية وحب السينما في آن واحد. في خاتمة المطاف، انتصر الأخير على الاول، ليس لأنه هاجر معتقداته، انما لأن السينما كانت تتيح له، على غرار الجيل السينيفيلي في سبعينات القرن الفائت وثمانيناته، أن يستمر باليوتوبيا بأساليب أخرى. وكان هذا يتيح له ان يعيش اليوتوبيا على الشاشة المتضمنة الكثير من الانكسارات والخيبات. في السينما، الحلم ممكن دائماً، لأنها تتيح لنا أن نسترد العالم على النحو الذي ننطر اليه. عندما وصل الى "كازا" (الدار البيضاء)، اكتشف البركاني الشاب، مدينة في حالة اضطراب: نشطاء يساريون، ديناميكية نقابية، وخصوصاً حركة ثقافية قوامها نشاطان اساسيان، مسرح الهواة والسينما. السينما بصفتها المرجع الثقافي الذي لا مفر منه لنموذج الحداثة. فالسينيفيلية كانت الخبز اليومي لهذا الجيل. في الدار البيضاء، كان هناك ما لا يقل عن خمسة نوادي سينما وكانت تقترح على جمهور متعطش ومواظب باقة من أهم سينماتوغرافات العالم. كل يوم أحد صباحاً، كنا على موعد مع فعل يشبه الطقس الديني: كشطي، الشديد الخجل، كان بدأ آنذاك في النقد والسينيفيلية، في عين سباع، منطقة العمال في الدار البيضاء، وتحديداً في "السينما الجديدة". اسم هذه السينما وحده كان يعد بالكثير! الأفلام المقترحة كانت تأتي من كل أنحاء العالم. كان المغرب في تلك الحقبة يملك واجهة ثقافية ذات صيت عالمي (بفضل علاقات نور الدين الصايل)، الا وهي الاتحاد الوطني لنوادي السينما. افلام من أميركا اللاتينية، المنطقة التي شهدت بزوغ حركة ال"نيوفو سينما" البرازيلية، والتي شكلت صدمة جمالية وتركت بصمات دامغة في جيل كامل من السينمائيين كان قائدهم الشخصية المتمردة لغلاوبر روشا. وكانت كذلك السينما السوفياتية الآتية من العشرينات، والموجة الفرنسية الجديدة (مع "سيرج الجميل" لكلود شابرول)، ثم السينما البريطانية الحرة والسينما الالمانية والتشيكية والمجرية... كان ثمة سيل من الصور الطليعية، واجهه جيل كامل بإمكاناته المتواضعة، وغالباً كان يجري ابعاد النقاش عن مضمونه وجرّه الى السياسة. فبدأت تتكون ظواهر في قلب نوادي السينما في الدار البيضاء: بعضها كان يولي القراءة السياسية للفيلم الأهمية، وبعضها الآخر كان يسعى للدفاع عن خصوصية ما واستدعاء المقاربة الجمالية. لكن، في كلتا الحالتين، كان النقاش بين الطرفين يدور بشغف، وقد وجد نور الدين كشطي في هذا كله طريقه، حدّ انه نسي مساره المهني. فاستقال من المصنع حيث كان يعمل، مكرساً نفسه بشكل كامل الى شغفه. اختار الوجهة الأقل ضماناً: الكتابة السينمائية. فالذهاب الى السينما لم يكن عنده فعلاً مجانياً؛ مشاهدة فيلم لا تكتمل من دون هذه الرغبة في مواصلة تجربة المشاهدة من خلال الكلمة والحوار والكتابة. عقيدته كانت بسيطة: التكلم على الأفلام التي يحبها، والتكلم عليها بعطف وحنان، من دون أن يكون جدلياً أو مشاكساً البتة. كان نصيراً لجان دوشيه أبي هول النقد السينمائي الفرنسي، ولكتابه عن "فن أن نحب". والحب لا يمكن أن يكون من دون فن، والفن لا وجود له من دون حبّ... خيار كشطي كان راديكالياً ومؤلماً في سياق بدأت تضيق فيه تدريجاً مساحة السينيفيلية. فضاءات التعبير الحر باتت نادرة أو معدومة. ثم مع الانعطافة الجديدة للتسعينات، منطق جديد تسلّم مقاليد السلطة: المنطق النفعي والليبيرالي، زمن التجارة والمال. في هذه البيئة المستجدة كان كشطي يعطي الانطباع مراراً كما لو انه طفل تائه في الأدغال أو وسط حشد لا يتكلم لغته. هو الذي اقتصرت قدراته على تفكيك لغة الرموز الايقونية، صار "أمياً" في مواجهة رموز زمن جاحد، فوُضع تالياً على الهامش الثقافي، شأنه شأن مجمل النشاط النقدي. كتب فرنسوا تروفو ذات يوم: هناك على هامش السينما، مهنة ناكرة للجميل، مهنة شاقة، لا يعرفها كثر: مهنة النقد السينمائي. من هو الناقد؟ ماذا يأكل؟ ماذا عن ذوقه، تقاليده، عاداته؟ نور الدين كشطي كان المثال الأبلغ عن هذا الشيء، كان دائم الكلام عن الآخرين ولا يتكلم البتة على نفسه. كان الحشمة مجسدةً. ولقد رحل كما جاء... لكن هذه المرة رحل من حيث تغيب الشمس. وداعاً أيها الصديق! (محمد باكريم ناقد سينمائي مغربي والمدير الفني لمهرجان الرباط لسينما المؤلف) نقله من الفرنسية:( ه. ح.) جريدة " النهار" اللبنانية