تحت قبة المركب الثقافي سيدي بليوط بالدارالبيضاء، وبحضور أسرة المرحوم نور الدين كشطي، خاصة والدته وزوجته وابنته لمياء وابنه ياسر وأخوه وبقية أفراد الأسرة، فضلا عن مسؤولي المركز السينمائي وعدد من المخرجين ونقاد سينمائيين وصحفيين ورواد أندية سينمائية وطلبة المدرسة العليا للفنون الجميلة، وعدد من المحبين.. وسط هذا الحضور المكثف، حضرت روح فقيد النقد السينمائي المغربي نور الدين كشطي، ليلة الجمعة 20 غشت 2010، وحلقت بسخاء.. ذكراه لم تندثر ولن تندثر، اليوم هو حاضر وبالأمس كان حاضرا في كل المحطات والمناسبات السينمائية، إنه العفيف والجميل والمحبوب والعارف بخبايا ودروب السينما المغربية نور الدين كشطي. بفضل لفيف من المحبين نظيره، أضحى الفيلم المغربي يوفر لعشاقه حلقة اجتماعية متينة، ضمن منظومة الإنتاج والاستغلال والتسويق والتوزيع السينمائي الوطني.. وإذا كانت تقارير حديثة للمركز السينمائي المغربي ما فتئت تؤكد أن حجم مشاهدة الفيلم الوطني في اطراد متزايد، فأهمية حدث إشعاع السينما المغربية تأتي بفضل دعم موصول ودائم من جنود خفاء ومولعين حتى النخاع بهذا الفيلم، عملوا و يعملون في السر والعلن على المتابعة وتحليل مستجدات وضعية تقود الناقد ليقدم اعتبارية خاصة للفيلم المغربي، بعد أن أصبح يضمن فيها ربحية للمنتج والموزع والمستغل، أمام أفلام أجنبية لها قدرات أكبر على المنافسة ولها إمكانيات مادية وإعلامية قوية.. ولعل حب المغاربة للفن السابع نموذجه الصارخ هو حب نور الدين كشطي للسينما.. صعب أن تجمع كل أطراف منظومة قطاع السينما بالمغرب، ولكن روح نور الدين كشطي، هو بالذات لا غيره، توفقت في هذا التجميع الجميل، هو بالذات الذي حذا بمولعين كثر أن يشدوا الرحال من كل تراب المملكة لحضور أربعينية مرحوم تمتع بأخلاق حميدة كثيرة.. ضمن تلك الأمسية الرمضانية الباذخة، تحدث الكثير من السينمائيين، ورغب آخرون كثر في البوح بشئ ما لا يعرف آخرون.. لكن « ما كل شئ يقال» في وقت محصور ضيق مماثل. تحدث عن فقدانه منشط الأمسية حمادي كيروم بتحصر وأسى، وتتابعت الكلمات بدء بمحمد صوف عن جمعية «نقاد السينما بالمغرب»، وأيت عمر المختار عن الأندية السينمائية، وسعد الشرايبي عن علاقته بالمخرجين المغاربة، ومحمد استيتو ممثلا للمركز السينمائي المغربي، ومصطفى الدرقاوي عن تجربة العمل معه كمساعد مخرج، ولمياء كشطي كفرد من أسرته وكقريبة تعلم أشياء غير التي يعرفها العموم.. لم يتغير نور الدين منذ طفولته الصغرى كثيرا، من بساتين وأشجار برتقال مدينة بركان قدم كشطي متأبطا جبة الجهة الشرقية، لكنه سرعان ما لبس ثوب الدار البييضاء وأصبح أحد أبناءها البررة، أحب هذه المدينة الصاخبة كما أحب أهلها وناسها وعمل كثيرا في أحيائها ودروبها، وتعب كثيرا. أسس جمعيات وساعد في نشأة أخرى.. حسابات الزمن صحبة جسده النحيف لم تترك له نفس الاستراحة، لهذا انسحب ولم يترك أثرا، غاب كوميض نجم لامع سريع الحركة.. انسل ولم يترك أثرا.. اعتبره الكاتب والناقد محمد صوف بالمحب للفن السابع حتى الرمق الأخير، وتابع أنه رغم تكوينه التقني (تصنيع الميكانيكا) إلا أن معشوقته السينما نادته فلبى الدعوة غير آبه لمتاعب الحياة مغيرا منعرج الحياة والمهنة. كان حاضرا وسيظل كذلك دوما وإلى الأبد.. وقال عنه الناقد حمادي «نور الدين لا يستحق الحزن.. ابتسامته السريعة جعلت منه السهل الصعب، مناضل شاهد على عصره بالصورة..». وعاتب المخرج سعد اشرايبي نفسه، معتبرا أن له جزءا من المسؤولية في وفاة المرحوم، وأوضح الأمر بكون ظروف توقيت انطلاق تصوير فيلمه الجديد لو ساعدت لكان بجانبه كشطي كمساعد مخرج ولما سافر إلى مرتيل، وعدد مزاياه في الصدق والشرف والخجل والعمل في الخفاء والجدية، وذكر بمحاولاته ومساعيه المتعددة في رأب الصدع بين أطراف متخاصمة لحظات التوتر والشدة بين السينمائيين، وأوصى بتجميع كل مساهماته في النقد وتعهد بنشرها على نفقته، وأنهى حديثه بدعوة الجميع بإيفاء وعد المساهمات المالية لفائدة أسرته. أما رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية سابقا آيت عمر المختار فشدد أن حدث وفاة نور الدين كشطي شكل حدثا وطنيا بامتياز على مدار شهر كامل، وهذا لم يكن ليدوم لولا خصال الرجل المعروفة، كان نور الدين كشطي خدوما دائما للأندية وجميع الجمعيات السينمائية أو المهتمة بالسمعي البصري. وقال أيت المختار أن حكايات جواسم معه ومع رؤسائها كثيرة تستحق كتابات للنشر. إنها مسيرة 30 سنة من الاحداث، عمر من العشق والحب والتعفف والركد وراء الفيلم والسينما. أما ابنته لمياء فعبرت عن حب نور الدين كشطي للأسرة الصغيرة والكبيرة بالقول، أن كل ما قيل في حق المرحوم جزء يسير من ما هو متداول من أخلاقه، ويبقى الجزء الأكبر الغالب لا يعلمه سوى أبنائه ووالدته وزوجته.. نور الدين كان بحرا من العاطفة والحنو، كبيرا في التضحية وإعطاء المثال عن الأب النموجي، معرفته غزيرة وحكمه لا تنتهي.. ضمن نفس أمسية حفل التأبين، تابع الحضور فيلما للراحل « مايكين اوف عن فيلم إسلامور» والشريط السينمائي «اوليدات كازا».