البعد الرمزي/ ثقافي كل تجربة إخراجية لفيلم سينمائي هي ارتباط بحكي والأصل حكاية وهي مادة الفيلم، ثم سرد معين وفق نظام ترتيبي لمجموعة من الأحداث لواقع ما عبر سلسلة من الصور. لكن كيف بإمكان الخطاب البصري للصور أن يعبر وينقل الأحاسيس،أليس من خلال مجموعة من الرموز والحركات والألوان الثقافية والعمرانية والطبيعية. يمكننا في هذا الصدد الإحالة على الفنون الصينية مثلا والتي تمثل فيها الحيوانات والنباتات والأزهار مجموعة من الأساطير الموغلة في القدم والمرتبطة بالمعتقدات البوذية والأبراج، أو بعض الحلي والزرابي البربرية المحملة بالكثير من الرسوم والرموز الموحلة على الوشم وعوالم الجنس والغيب مثلا والتي يمكن توظيفها في مشهد ما على أساس أن يعمق من دلالة الفعل وآفاقه . المسألة الجمالية في بعدها الرمزي تتعزز بمعية مجموعة من الدلالات وفي مقدمتها الألوان كحاملة لمضامين تنتمي للديكور الذي يمثل المجال الفيلمي والذي تتحرك ضمنه أفعال الشخصيات.وبالتالي فالمجال الفيلمي في نهاية المطاف ليس مسندا تجريديا لأنه ينبني وفق متطلبات السينوغرافيا وعلاقة الأجساد بالعالم وأشيائه يمكن استحضار بعض أفلام المخرج الإسباني بيدرو المظفر وعلاقة شخوصه النسائية بالألوان وخصوصا الأحمر. يجب الإقرار إذن أن اللون ليس ضروريا للمعنى لكنه يضيف قيمة للإثارة الذهنية والعاطفية.وعليه، فعندما لا نختار الألوان بشكل اعتباطي فإنها تصبح سندا قويا لتمثيل الواقع،وبالتالي موضعة القيمة الجمالية ضمن سياقات ثقافية أكبر حيث يخرج اللون من حياده البصري ليتحول إلى لغة الأشياء ذات نبرة إيحائية وإشارية. ومن ثمة تتجاوز الألوان وظيفتها التشخيصية لتصبح ذات وظيفة ترميزية.كما تصبح الألوان كجزء لا يتجزأ من نظام ثقافي شامل يحيل على طيف من المعاني الإنسانية كالحب والشر والسعادة ،ويمكن بالتالي أن يغني المعاني السردية للحكاية.
وإذا كانت بعض الأفلام تعاملت مع المسيح بالرغم من انتمائها لنفس الثقافة الأنكلوسكسونية،فان طرق التعامل مع هذا الإرث الحضاري تباينت ووصلت حد تكفير مخرجيها، وبالتالي لم يرض عنها الجمهور لكونها شوهت المعتقد وتعاملت مع الثقافة المسيحية من نطلق تخييلي حر وتأويلي، لم يكن وفق ما حصل بشأنه الإجماع.وندرك هنا بالذات أهمية هذا التيه القيمي في التعامل مع ذاكرة التاريخ فلكل ذاكرته ولكل تاريخه. يحصل هذا الصراع حول أساليب أنتاج الصورة عندما يتعلق الأمر بثقافة أو رموز نتقاسمها مع آخرين وتحظى بنوع من القدسية مما يجعل الاقتراب منه سينمائيا كنوع من التعدي على طهرانية الذاكرة.لكن بالمقابل قد نسمح بنوع من الحرية عندما يتمكن المبدع والسيناريست في خلق عالم لا يقدم فيه على ما نشترك فيه، عالم يخصه هو. لهذا نلمس أن اللجوء للرمز قد يكون بدافع التستر عن اللغة المباشرة خشية الوقوع في الفتنة أو هروبا من مطاردة سياسية، أو عن طيب خاطر لإغناء فرش القصة ومنحها بنى خفية تهب نفسها كلما تسلح العارف بالمنهج النقدي الرصين.ومن ثمة، تكون له إمكانية غواية المشاهد بالدفع به نحو نسيان الزمن من خلال الإشراك في التخيل والقبول بافتراضية العمل الفني. تعتبر عملية الصلب مثلا ،عملية ذات خلفية تاريخية وثقافية بالأساس.فالمواقف الراديكالية والمحافظة في أدبيات الصلب تفرعت حسب التأويلات الدينية والفقهية من داخل الوعي المسيحي ذاته.لكن إذا أخذنا فقط ثنائية التأويل بين النص الديني الإسلامي والنص الإنجيلي بالرغم من تنوعاته ،نلاحظ تباين المسارين باختلاف المرجعيات وحيثياتها.يقودنا هذا إلى كيفيات التعامل الفني بواسطة السينما مع حلقة تاريخية ذات جذور متباينة. هي أي عملية الصلب واحدة لكن ثلاثية التأويل وفق المرجعيات الدينية للكتب الثلاث، وهذا ما ينتج عنه ثراء في تفسير الحدث من مواقع ثقافية متباينة ومتعارضة أحيانا.لكن عندما يتعلق الأمر بإنتاج عمل فني يتكأ على ما هو تاريخي وثقافي فإن المنظور السردي لابد أن يحمل في ثناياه قيم معرفية يتحلى به المخرج ليقدم حسب ثقافته هو أحداث الحكاية حتى تتسنى له مسألتين : أولا، إسقاط المشاهد في غواية السرد البصري مع خوض كل الخيانات الممكنة التي يتوجب عليه أن يتقاسمها مع المشاهد دائما. ثانيا،الدفع به للقبول بعنصر التخيل. يمكن القول إذن أن بناء المعنى يتم من خلال شحن الديكور وكل الأكسسوارات بدلالات سيميولوجية تنبعث من المعاني التي تختار ضمن سياق الفيلم وأدواته في كيفية التعامل مع التقطيع والتركيب، والتوضيب وعمق المجال، والمؤثرات البصرية.ومن ثمة، يتم تحفيز المتخيل العاطفي والذهني للمشاهد لينجر إلى المساهمة في فك شفرات الرموز وإيحاءاتها الثقافية التي تسكن بطبيعة الحال البنية العميقة أو الموازية للسرد.يحصل هذا التفاعل بين المفهوم والدال من خلال تداخل الصورة بمرجعها والصوت بوظيفته التأكيدية أو الإيحائية. إجمالا، إن عملية الإخراج السينمائي تستلزم وعيا دقيقا بجماليات الرؤيا الإخراجية التي تتضمن جل العناصر التي أدرجتها ضمن صيرورة الخلق الفيلمي.وبدون هذه العناصر تشوب اللغة السينمائية الكثير من العلل التي قد تعيق التواصل والتفاعل المنتج مع خطاب عاشق لمكونات السينما كحقل ثقافي جامع ومتلاقح مع أنماط تعبيرية أخرى. إن السينما كوسيط تعبيري يوظف الصور لتمرير المعاني والأحاسيس ويأمل نقل تجارب إنسانية من خلال اختيار قصدي لمجموعة من الحركات والأفعال لخلق مجال للتخيل.ويتوقف ذلك على طبيعة العمل الفيلمي ذاته وخلفية اشتغال المخرج على مكونات الفيلم من منطلق تجاري أو ملتزم بقضايا تماشيا مع موقف فكري خاص بميزانية مستقلة لا تخضع فيها عملية الإخراج لإملاءات خارج حرية الإبداع والتفكير.ولنا في السينما المغربية حقلا واسعا للتأمل من خلال طيف غني بتجاربه الممتدة بين السينما التجارية والسينما المناضلة وسينما المؤلف بمواقع ضعفها وقوتها. عزالدين الوافي / كاتب وناقد سينمائي من المغرب ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة