بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    أمن طنجة يوقف شخصًا اعتدى على متشرد.. والمواطنون يطالبون بعدم الإفراج عنه رغم شهادة اضطراب عقلي    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طنجة.. الأمن يوقف لصين ظهرا في فيديو يوثق محاولة سرقة وسط المدينة    "أسود القاعة" يتوجون بلقب الدوري الدولي بعد فوز مثير على البرتغال    حملات شرسة بطنجة .. الجريمة تحت الحصار    "الأشبال" يستعدون للقاء كوت ديفوار    طنجة تستعد ل"كان 2025″.. انطلاق أشغال توسعة الطرق المؤدية إلى الملعب الكبير    المنتخب الوطني المغربي في المجموعة الثانية برسم منافسات كأس الإمم الإفريقية لأقل من 20 سنة لكرة القدم    الجيش ينفرد بوصافة البطولة المغربية    مقاييس التساقطات المطرية خلال ال24 الساعة الماضية.. وهذه توقعات الإثنين    مهرجان فاس في قلب برشلونة    تأنيث ضمير اللغة    اختراق رقمي يهز المواقع الرسمية .. والمغرب 24 في قلب العاصفة السيبرانية    القفز على الحواجز.. الغالي بوقاع يفوز بجائزة ولي العهد الأمير مولاي الحسن    رغم الأمطار.. آلاف المغاربة في مسيرة من أجل فلسطين والتأكيد على وحدة التراب الوطني    الجزائر تدافع عن مشتبه به في جريمة محاولة اغتيال... وتتهم الآخرين بالتآمر    علماء ودعاة مغاربة يُدينون رسوّ سفن أمريكية تحمل عتادًا موجّهًا للاحتلال الإسرائيلي    تحقيق دولي لواشنطن بوست يكشف: إيران جنّدت مقاتلي البوليساريو في سوريا لتهديد أمن المغرب    اسبانيا .. تفكيك شبكة تهرب المهاجرين من المغرب إلى إسبانيا عبر رومانيا    مندوبية السجون تنفي صحة مزاعم وردت على لسان السجين السابق (ع. ر)    الاعتداء الخطير على بعثة "المينورسو" في تيفاريتي يدفع للتعجيل بتصنيف بوليساريو على قائمة الارهاب الدولي    إحداث مراكز الدراسات بسلك الدكتوراه في العلوم التمريضية وتقنيات الصحة ابتداء من الموسم الجامعي المقبل    إدريس لشكر بدون لغة خشب : «وطنيتنا هي التي تملي علينا مواقفنا»    اللجنة المشتركة المغربية العمانية: شراكة متجددة تعكس عمق العلاقات الثنائية    تافراوت : مجهودات جبارة لرجال الوقاية المدنية ساهمت في إنجاح النسخة ال 12 لمهرجان اللوز    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    مؤشر الحرية الاقتصادية 2025.. غياب النزاهة الحكومية وتصلب سوق الشغل يُفرملان نمو الاقتصاد المغربي    المغرب يطلق مبادرة إنسانية جديدة لدعم الأطفال الفلسطينيين في غزة والقدس    وفاة أستاذة أرفود متأثرة بإصابتها بعد الاعتداء الشنيع من طرف أحد طلابها    قطاع مكافحة سوء التغذية يحذر من «كارثة»    في ورقة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي .. مرسوم دعم المقاولات الصغيرة خطوة تعيقها معضلات التوزيع والبيروقراطية وهذه توصياته    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    بينبين مستاء من تغييب وزارة الثقافة له خلال معرض الكتاب بباريس    الصين تدعو الولايات المتحدة الى "إلغاء كامل" للرسوم الجمركية المتبادلة    عبد الوهاب الدكالى يعود بجمهور الرباط إلى الزمن الجميل    مكتب الصرف يحقق في تهريب العملة من طرف منعشين عقاريين    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    'واشنطن بوست': إيران دربت مسلحين من البوليساريو وسوريا تعتقل المئات منهم    المغرب وسلطنة عمان يؤكدان عزمهما على تطوير تعاونهما في شتى المجالات    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى        المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي    مسرحية ديموغرافية بإخراج جزائري: البوليساريو يخدع الأمم المتحدة    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد اشويكة : الطفل الغائب في السينما المغربية ملاحظات أولية

استهلال: يعتبر موضوع الطفل والطفولة من التيمات المسكوت عنها في السينما المغربية، شأنها في ذلك شأن مجموعة من التيمات الأخرى، ودلك لمجموعة من الأسباب تعود الى مايلي:
- يتطلب التعامل مع موضوع الطفل الإلمام بأهم الميكانيزمات النفسية المحيطة بالموضوع ولاسيما علم نفس الطفل...
- الإطلاع على أهم مرتكزات التنشئة الاجتماعية للطفولة المغربية خاصة وأن مشاربها متعددة ومتأرجحة بين ماهو تقليدي وماهو عصري...
- التسلح بالمناهج البيداغوجية الحديثة والانفتاح على النظريات التربوية التي تخدم معالجة مواضيع الطفولة...
- إن معالجة موضوع الطفل يتطلب أيضا مجهودا كبيرا على مستوى المعالجة الفنية/التقنية، فكتابة سيناريو يكون بطله طفلا بالنسبة لكاتب سيناريو لا يتوفر على ثقافة سيكولوجية وسوسيولوجية وتربوية...؛ كما أن المخرج الذي سيدير طفلا تكون مهمته أعقد وأصعب، فإدارة الممثل المحترف تحتاج إلى إعداد فني وسيكولوجي عال وحذق؛ فما بالك بتهييء طفل -ربما- سيقف لأول مرة أمام الكاميرا ويتحمل عناء تجسيد دور لم يعشه من قبل، وليست لديه تمثلات حوله... إن المخرج في هذه الحالة مطالب بترسيخ ملامح الدور المنوط بالطفل وتدريبه عليه قبل بدأ التصوير... إن المخرج الموهوب هو الذي يستطيع ركوب صهوة مغامرة فنية من هذا النوع...
عالجت مجموعة من الأفلام الروائية المغربية الطويلة موضوع الطفولة بشكل جزئي أو عابر، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي:
من الواد لهيه، عرائس من قصب، شاطيء الأطفال الضائعين، مبروك، البحث عن زوج امراتي، علي ربيعة والآخرون، العيون الجافة، ياقوت... ولم يهتم -في حدود ما شاهدت- بموضوع الطفولة إلا فيلمي: "علي زاوا" و "ألف شهر". أما فيما يتعلق بالأفلام القصيرة فقد أثارت الانتباه لظواهر متميزة نذكر منها: موزع الجرائد، على جناح السلامة، العرض ( éexposl' ) ...
إن الطفل المغربي في الفيلموغرافيا المغربية بصفة عامة غالبا ما يتم التعامل معه كموضوع عارض ومؤثث للسرد الفيلمي أو ك"اكسسوار بشري" ساذج يرافق الممثلين الآخرين، أو كجوقة لا تتقن إلا الضجيج والشغب... أما من ناحية الانتماء الطبقي، فالنماذج التي تقدم لنا السينما المغربية هي نماذج منحدرة من أصول فقيرة أو غنية دون الالتفات إلى الطبقات الاجتماعية الأخرى، كما أنها تركز على الطفل الذي يقطن بالمدن وخاصة الكبرى منها دون التعرض للطفل القروي راهنا، فهدا الطفل يعاني تهميشا لا مثيل له في الصورة السينمائية المغربية عامة، انه كائن مجهول كالقرية نفسها... إذا، كيف تقدم لنا السينما المغربية الطفل المغربي؟ أو ما هي ملامح شخصية الطفل المغربي من خلال السينما المغربية؟
على المستوى السوسيولوجي:
يظهر الطفل في هده الفيلموغرافيا بأنه شيء تابت، يتقبل كل التعاليم التي يمليها عليه المجتمع دون تفكير، ويتأثر بما يجري في محيطه دون تأثير... هكذا تتساوى مؤهلات الأطفال جميعا في مجتمع يخضع له الجميع، وبالتالي يتم التعامل معه كموضوع تجريدي يتميز ببراءة وطهرانية لا مثيل لهما... حيث نجد أن أولياء أمره يأخذونه إلى نفس الأماكن التي يرتادونها تقريبا دون التفكير في احتياجاته الخاصة، فالأفلام المغربية تكاد تخلو من ارتياد رياض الأطفال، أو الأماكن المخصصة للعبهم وكأن فضاءات الكبار هي عينها فضاءات الصغار، كما لا تقدمها بطريقة تساهم في تكوينهم بل تجعلها مكانا للتوتر والعنف، وهدا الأمر يقودنا إلى القول بأن الكبار ينتجون نفس السلوكات الاجتماعية التي مورست عليهم من قبل دون وعي. كما أن بعض الأفلام تكرس العنف الذي يمارسه المجتمع على الأفراد، وتحاول أن تقدمه كما هو من خلال صراع الأقران أو أبناء الدرب أو الإخوة... الشيء الذي يذكي روح الأحقاد الاجتماعية، فالمخرجون وكتاب السيناريو يوظفون الطفل كوسيلة طيعة لانتقاد المجتمع، وهذا التوظيف لا يخلو من ديماغوجية مفضوحة لأنهم لا يستطيعون التكلم عن بعض الأشياء بصراحة، فيرون بأن الطفل هو الحامل الأكثر رمزية للتعبير عن دلك لاسيما إذا كان الطفل بريئا أو محروما أو في أحط حالاته ضعفا. فالطفل دائما يعاني من الفقر أو القهر في الكتاب أو المدرسة، ويفتقد إلى العناية الصحية اللازمة، أو يشتغل في ظروف مأساوية أو يخضع لهرمية غير ديمقراطية في علاقاته الأسرية التي يسيطر فيها الذكر (الأب أو الأخ الأكبر) وهو الشيء الذي تكرسه الصورة دائما، فغالبا ما نجد أن الأم هي اللصيقة بالابن، وأن العلاقة بالأقران تكون غير سوية سواء على مستوى تكوين الصداقات أو تبادل الخبرات... إن الطفل يصبح وسط هذه العلاقات اللامتكافئة عرضة للسيطرة ولا يحس بالأمن، مما يجعله مضطهدا ومقموعا، الشيء الذي ينعكس سلبا على شخصيته التي تبقى منطوية وغير حوارية ولا تستطيع تفجير طاقاتها الداخلية بوجه سليم...
على المستوى البيولوجي:
نستطيع منذ الوهلة الأولى أن نكشف بأن حضور الطفل الذكر في السينما المغربية حضور طاغ، وهذه نتيجة منطقية للسيطرة الذكورية وسيادة النموذج البطريريكي في المجتمع المغربي؛ إن حضور الطفلة يكاد يكون نادرا لما يسود المجتمع من تمثلات سلبية لحق البنت في الاختلاط المبكر مع الأطفال الذكور، وتأثير الأم في ابنتها في المراحل الأولى من حياتها، وأيضا إلى حداثة الوعي الأنثوي لدى الرجل والمرأة في المغرب على السواء، وكون هذا الوعي هو مطمح فكري وثقافي أكثر مما هو مطمح مجتمعي. إن هذه الرؤية لها جذور تاريخية في المجتمع المغربي خاصة والمجتمع العربي عامة، وترتبط أساسا بظروف الصراع بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. أما على مستوى العلاقات فنجد أن الطفل يكون لصيقا بالأب، وبالبيت لصيقا بالأم، الشيء الذي يظهر مجال كل واحد منهما، ويبين توزيع السلط أيضا: الأب رمز الضبط والسلطة بينما الأم رمز للتسامح والتستر على زلات الطفل... نشير أيضا إلى أن الأفلام المغربية تقدم لنا الطفل الجميل، ذي الملامح الجذابة، والأعضاء الكاملة، ولا تنتبه إلى الطفولة المعاقة في المغرب، وكأنها غير موجودة اللهم إذا استثنينا بعض الصور الخجولة في الأفلام القصيرة أو الطويلة، والتي تختلف تصوراته من فيلم إلى آخر حسب الموضوع وحسب الطبقة المستهدفة... فإذا كان الطفل ينتمي إلى وسط اجتماعي فقير فإن ملامحه الجسمانية تطغى عليها الخدوش على مستوى الوجه، وتظهر أظافره طويلة ومتسخة، وشعره أشعث... أما إذا كان ينحدر من وسط اجتماعي غني فان ملامح الصفاء والجمال تكون لصيقة به... وهذه _للأسف_ صورة نمطية مكرسة عندنا ولا تخلو من إيديولوجية ظاهرة، وتفتقد في عمقها إلى السند العلمي والمعرفي الذي يبررها، ويبعد أصحابها من عدم السقوط في التعميم عبر الانطلاق من الحالات الخاصة...
على المستوى النفسي:
نلاحظ في السينما المغربية ضعف الوعي النفسي لدى المخرجين وكتاب السيناريو المغاربة في تعاملهم مع الكبار، أما بالنسبة لمن يمتلك نوعا من هذه الآليات لا يستطيع استعمالها بشكل يراعي الفوارق بين الكبار، والصغار وبين الأطفال نفسهم: إن طفل القرية هو طفل المدينة، وطفل السنة السابعة هو الرضيع، وابن الموظف هو ابن العامل، والقاطن بالحي الشعبي هو ابن الڤيلا... إن هذه الرؤية تختزل الطفل المغربي وتجعله متساويا من حيث قدراته الذكائية، وميولاته النفسية، وتخضعه لنفس الميكانيزمات من حيث النمو العقلي والعاطفي والجسماني، كما ترى بأن حاجياته واحدة مهما كان وسطه...وهكذا نرى بأن الطفل في السينما المغربية يعتمد أكثر على غريزته ذات التوجه الاندفاعي الخالي من أي توجيه كيفما كان نوعه، فهدفه الأساسي هو إرضاء فضوله في الاكتشاف أو إشباع غرائزه الطبيعية (تخريب الأشياء العمومية، تدمير الأشجار...) أو تجاه الحيوان (الاعتداء على الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب، أو الحيوانات الأخرى كالنمل...) أو تجاه المجتمع ( السرقة...). إن هذه الرؤية تختزل الطفل المغربي ككائن يفتقد إلى الرعاية النفسية الضرورية كنتيجة منطقية لعدم إشباع حاجياته الضرورية في الواقع؛ إن التنشئة الاجتماعية للطفل المغربي تجعله يتأثر بالظروف المختلة في الشارع والمدرسة والبيت... وهي مؤشرات لها دلالتها على مستوى نموه الطبيعي المتأثر أيضا بالوضعية الاقتصادية والأمن الغذائي والتأمين الصحي... نشير أيضا إلى قضية أساسية في الفيلم المغربي لم يتعامل معها المخرجون وكتاب السيناريو بشكل عقلاني: إن للعب أهمية قصوى في حياة الأطفال، وهو الشيء الذي يقدمه هؤلاء بشكل عفوي وعبر لقطات خالية من الدلالة وغير ذات أهمية في السرد الفيلمي ككل، فالطفل يلعب بشكل حركي غير منظم، أو بشكل عنيف... وغالبا ما يتم تقديم ذلك في أماكن عشوائية تخدم حبكة الفيلم أكثر ما تفكر في دور الإطار ( le cadre ) النفسي في الحكي...
إن السينما المغربية لا تهتم بجانب الخيال عند الطفل المغربي، رغم أن السينما تشغل الخيال كمكون أساسي في الخطاب، فعندما نذكر الخيال نستدعي مباشرة الإبداع والحلم والتأمل... وهي ميكانيزمات نفسية وفكرية لا تهتم بها الصورة السينمائية المغربية، لأنها صورة تنبني على معطيات الواقع المحسوس، وغارقة في الوصف أكثر من الاشتغال على التأمل والخيال...
على المستوى البيداغوجي:
انطلاقا مما سبق نستشف أن الطفل المغربي خاضع للمعطيات السوسيولوجية والنفسية والاقتصادية والأسرية والسياسية والثقافية... التي ينتجها الواقع المغربي، وهي وضعية تنم عن سيادة التفاوت الطبقي والتخلف الاقتصادي وغياب الوعي بقضايا الطفولة الذي يختلف حسب الجنس والدخل الفردي ويرتبط بالوسط والسكن وغيره... إن هذه المعطيات تنعكس على مستوى التمثلات لدى صانعي الصورة السينمائية المغربية، حيث يظهر أنهم يكرسون الوضعية القائمة، وينقلون الجاهز منها دون الوعي بخطورته التربوية، أو توجيه الانتقاد إلى المؤسسات التربوية كالمدرسة والأسرة... مع عدم تسليط الضوء على مشاكل المؤسسة المدرسية بجميع مراحلها، فلحد الآن لازلنا لم نشاهد فيلما واحدا يخصص موضوعه للمدرسة فقط.
إن المشكل المطروح على المتن الفيلمي المغربي هو: هل يمكن أن يتم أمام هذا الوضع المأزوم تربويا الاستعانة بالوثيقة السمعية البصرية كمادة للاشتغال الديداكتيكي؟ وما هو دور الباحث التربوي في هذا المجال؟ هل يتم اللجوء دائما إلى المادة الأجنبية مع ما تحمله بين طياتها من سلبيات؟ أم أننا نستعين بالفيلم المغربي على علاته في إطار المشروع الوطني الحالم بمغربة التعليم؟
إن الفيلم المغربي يهتم بالطفل في مراحله الأولى حيث يقدمه وهو يخضع للعناية المركزة سواء داخل المستشفيات أثناء الولادة، أو من طرف الأبوين _ولاسيما الأم_ في البيت، كما يعرض أيضا لبعض المظاهر المرتبطة بالعناية به وهو لازال جنينا خاصة على مستوى عرض بعض المسائل المتعلقة بالوقاية من السحر والعين وزيارة الأضرحة، وهذه العملية تمتد أيضا إلى ما بعد الولادة ولاسيما أثناء الختان مثلا... إن ما يتم تصويره على هذا المستوى بشكل مباشر لا يراعي في الحقيقة أدنى شروط التناول التربوي السليم، بل يكرسه ويرقى به إلى صف الممارسة العادية مع عدم احتساب العواقب. إن هذه الممارسات والطقوس يتم التقاطها وسط عالم مشحون بالغيبيات والميثولوجيات، الشيء الذي يتبث النظرة التقليدية للأشياء في ذهن الطفل... وهذا ما يفسر تأرجحه عندما يكبر بين العقلانية والخرافة، وهو ما لا تكاد المدرسة أن تمحو آثاره، ولا الأسرة أن تتجاوز تناقضاته أو تجيب عن تساؤلاته الحارقة. إن السينما المغربية لا تبحث بشكل تربوي في أهم قضايا الطفل المغربي المتعلقة بعلاقته بأسرته (الأب، الأم، الإخوة...) أو في قضايا العنف الموجه ضده بكل أشكاله، وفي كافة الأماكن التي يرتادها الطفل، ومن خلال جميع القنوات التي ينفتح عليها (التلفزيون، الشارع، المدرسة...). إن المشكل الأخطر في نظري لا يتجلى في الصورة السلبية للطفل المغربي في السينما الوطنية فحسب، وإنما يكمن في الخطر الذي يتهدد زميله الذي هو خارج إطار الصورة، أي الذي يستقبل الصورة: صورته هو، ثم الصورة التي تأتيه من الخارج إذا ما علمنا بأن البيت المغربي هو بؤرة مشرعة لكافة الصور العالمية، فضلا عن كون الجهاز المستقبل يتحكم به الكبار لا الصغار! كيف يتأقلم هذا الطفل الذي يتعرض يوميا لسيل من الصور العابرة للقارات مع محيطه الذي لا ينتج صورا كافية لإشباع غريزته البصرية؟ كيف سيواجه الطفل المغربي في زمن العولمة والتبادل الحر الإشكالات التي يطرحها عليه العصر الذي نحياه في غياب استراتيجية تربوية واضحة لمعالجة هذا الأمر داخل المدرسة المغربية التي لا تستعمل الوسائل السمعية البصرية كأداة تعليمية، ولا تدرس مادة السمعي البصري كتخصص علمي؟ ألا يؤثر هذا الاستقبال المنفتح على صورة الطفل الآخر على تمثلات الطفل المغربي لنفسه وللعالم؟ إننا نخاف أن يصبح الطفل مستلبا في كل شيء نتيجة غياب الوعي البصري... تلك أسئلة حارقة تؤلمنا، ونريد أن نفتح عليها مسارات البحث البيداغوجي المغربي عله ينتبه إليها.
على المستوى التقني:
إن الطريقة التقنية التي يتم تقديم الطفل المغربي عبرها داخل إطار الصورة السينمائية المغربية تزيد من تأزيم الوضعية ككل، فالطفل يكون دائما مع الكبار في إطار لقطات عامة دون التقاطه بشكل منفرد له فاعليته في إطار الصورة؛ كما أن اللقطات المكبرة لاتهتم إلا بالبطل... إضافة إلى ذلك فالكاميرا لا توضع بطريقة تتناسب وقامته، بل تلتقطه بشكل فوقي، الشيء الذي يجعله دونيا، وتكون رؤيتنا إليه فوقية: "يجب أن ننزل إلى مستواه"... أما على مستوى إدارته الفنية، فلا ترقى إلى مستوى النفاذ إلى شخص الطفل الذي يميل أكثر إلى العفوية مما يتعارض مع رغبة المخرج في ضبط وتقنين حركاته وتحركاته بنفس الطريقة التي يسير بها الكبار...
مخرج تأملي:
نود في الأخير أن نختم هذه الورقة بقول للباحث السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو، لأنها تفتح أعين المتأمل على كوات فكرية جادة: "إن منتج "قيمة العمل الفني" ليس الفنان، ولكن مجال الإنتاج بوصفه عالما من الإيمان ينتج قيمة العمل الفني باعتبارها صنما (...) وعند التسليم بأن العمل الفني لا يوجد بوصفه موضوعا رمزيا مزودا بالقيمة إلا إذا كان معروفا ومعترفا به، أي قد تأسس اجتماعيا باعتباره عملا فنيا بواسطة متلقين مزودين بالاستعداد الجمالي وبالقدرة الجمالية الضرورية لمعرفته والاعتراف به بوصفه كذلك".
في انتظار أن نؤمن بقيمة الطفل داخل المجتمع، لتتحول بالتالي إلى قيمة فنية لها شفراتها ورموزها الدالة... لا يسعنا إلا أن نملك استعدادا جماليا للاعتراف بقدراته الإبداعية والخيالية.
مكتبة البحث:
- بيير بورديو، قواعد الفن، ترجمة: إبراهيم فتحي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1998.
- أحمد أوزي، الطفل والعلاقات الأسرية، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 2002.
- محمد جسوس، رهانات الفكر السوسيولوجي في المغرب، منشورات وزارة الثقافة، الطبعة الأولى، الرباط، 2003.
- أحمد أوزي، الطفل والمجتمع، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 1988.
- Youssef Ait HAMMOU, Audiovisuel et enseignement-apprentissage des langues: le français, langue étrangère, 1ėre édition: Marrakech, 2001.
- Debray, R. Vie et mort de l'image, Gallimard, Paris, 1992


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.