لم يكن أكثر المتتبعين لقضية الصحراء المغربية تفاؤلا يعتقد أن عددا من بلدان أمريكا اللاتينية ستسحب اعترافها بجبهة البوليساريو، التي كانت تتصرف في هذه القارة كما تتصرف في حديقتها الخلفية، حيث اكتسبت تعاطفا شعبيا ورسميا في العقود الماضية. وخلال السنوات القليلة الماضية سحبت عدد من بلدان هذه القارة اعترافها بجمهورية تراها على الورق لكنها لا تراها على الواقع، وبدا أن الدبلوماسية المغربية قررت أخيرا أن تفتح عيونها على قارة كانت ضحية لخطاب أحادي، هو الخطاب الانفصالي. ولعب الفراغ الدبلوماسي للمغرب في هذه القارة دورا كبيرا في منح جبهة البوليساريو مساحة شاسعة تلعب فيها لوحدها، حيث استغلت التوجه الدبلوماسي المغربي نحو البلدان العربية أو الفرنكفونية، بينما بقيت هذه القارة الهامة هدفا سهلا جدا للبوليساريو، الذي استطاع أن يجعل منها قلعة من قلاعه الرئيسية، بل واستطاع تجنيد الأجهزة الدبلوماسية لهذه البلدان لكي تخوض معها حملات دبلوماسية لصالحه في باقي القارات. ولم تكن اللغة غائبة عن هذا المجال، حيث قدمت جبهة البوليساريو نفسها على أنها تمثل شعبا ناطقا بالإسبانية، وأيضا شعبا شبيها بشعوب أمريكا اللاتينية، والتي كانت بدورها ضحية للاستعمار الإسباني، فاكتسبت بذلك تعاطفا سهلا على المستويين الرسمي والشعبي. مقابل هذا الاستغلال الدبلوماسي لمعطيات مفبركة تاريخيا وثقافيا وسياسيا، فإن المغرب، خلال العقود الماضية، سلم بالأمر الواقع واعتبر أمريكا اللاتينية قضية خاسرة، إلا فيما ندر من تحركات خجولة عادة ما كانت تنتهي بمجاملات دبلوماسية لا أقل ولا أكثر. وعلى الرغم من توفر المغرب على دبلوماسيين ومثقفين أكفاء ويتحدثون الإسبانية بكثير من الإتقان، إلا أنه جرى تهميشهم لصالح هيمنة اللغة الفرنسية، بينما كان من الممكن أن يشكلوا حربة دبلوماسية قوية في مواجهة مزاعم البوليساريو بأمريكا اللاتينية. كما أن المغرب، الذي خضعت أجزاء منه للاستعمار الإسباني، لم يبذل أي مجهود في استثمار هذا المعطى التاريخي لكسب ود وتعاطف شعوب وحكومات أمريكا اللاتينية، التي يجمعها قاسم تاريخي مشترك وهو خضوعها للاستعمار الإسباني ومقاومتها المشتركة لذلك. غير أن المغرب بإمكانه أن يطبق المثل الإنجليزي الذي يقول "أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا"، ويبدو أن المغرب وصل بالفعل متأخرا إلى أمريكا اللاتينية، غير أن هذا أفضل بكثير من أن يظل مجرد متفرج أمام عربدة الانفصاليين في هذه القارة، لذلك من حق المغرب أن يبتهج بإعادته الأمور إلى نصابها في عدد من البلدان التي انتبهت أخيرا على كونها كانت فقط ضحية خطاب أحادي، وبإمكان المغرب أن يحقق المزيد في هذه القارة بمزيد من الجهود.