تتآكل بنية دبلوماسية جبهة البوليساريو يوما بعد بسبب تراجع "رصيدها السياسي والدبلوماسي" واقع يترجم ذلك التطور في مرجعيات السياسة الخارجية للجبهة، حين وضعت مسألة المطالبة بالحصول على عضوية عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم أن هذا المسعى ضعيف التحقق إن لم نقل مستحيل. إن انهيار العمل الدبلوماسي للبوليساريو تعمق بعد تأكد زيف ادعاءاتها الإعلامية، ولاسيما ما يتعلق بادعاء وجود انتهاكات حقوقية في الأقاليم الجنوبية، حيث نفى كريستوفر روس في تقريره الأخير حول الصحراء علمه بوجود انتهاكات في الصحراء. وبعد زيف ادعاءات إعلامها بعد تورط مؤسسات إعلامية إسبانية رسمية ودولية في تلفيق إعلامي مدبر عبر الترويج لصور أطفال فلسطينيين ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة على أنهم ضحايا تفكيك مخيم "إكديم ايزيك" بمدينة العيونجنوب المغرب. إن تراجع موقف جبهة البوليساريو والجزائر من النزاع حول الصحراء، استمر بتدني صورة البوليساريو لدى الرأي العام الدولي، بسبب تعاطي أعضاء منها لأنشطة إرهابية والاتجار في المخدرات والبشر بدول الساحل الإفريقي. واستمر هذا الانهيار الدبلوماسي جيوسياسيا بتفكك مثلث الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي بإقبار نظام معمر القذافي وتراجع هيمنة نظام العسكر في الجزائر، وتعويض جنوب إفريقيا في مجلس الأمن بالمملكة المغربية. لقد كشفت الولادة العسيرة للائحة التمثيل الدبلوماسي لجبهة البوليساريو ملامح دالة عن هذا الإنهيار الدبلوماسي، حين عرت عن بؤس في الاستراتيجية والأهداف والامكانيات وفي الكوادر، بل وفي انعدام الرؤية. وقد تسبب ذلك في تأخر إن لم نقل تعطل اصدار لائحة التمثيل الدبلوماسي المرتبكة، لتترجم انكسارات العمل الدبلوماسي للجبهة بالعديد من العواصم التي كانت تعتبر إلى وقت قريب قلاعا مؤيدة لأطروحتها الانفصالية. تهلهل استراتيجية البوليساريو الدبلوماسية، كانت أحد أسباب إحاطة تعينات المسؤولين الجدد في سلك دبلوماسيتها بالكثير من الغموض والالتباس، حيث تم تحديد أسماء لائحة الهيئة الدبلوماسية بناء على اعتبارات شخصية راعت الاستفادة من امتيازات العمل الدبلوماسي بالعديد من العواصم. وهو الأمر الذي تسبب في بروز اختلافات جوهرية فيما بين القيادة الانفصالية، حيث يحرص زعيم التنظيم على ضبطها بالقوة والنار. إن مؤشرات انهيار ما تبقى من فعل دبلوماسي للبوليساريو تَكَشَّفَ بالإعلان عن لائحة التمثيل الدبلوماسي منقوصا قبل أن يتم تدارك ذلك بلائحة ثانية مرفقة، مما يشير أن قيادة البوليساريو عاشت على خلافات لا ترتبط بجودة الأداء الدبلوماسي ولكن على خلافات شخصية تجاوزت الاستفادة من كعكة التمثيل الدبلوماسي في عواصم الدول الأوربية إلى اختلافات وجهات نظر حول تدبير النزاع حول الصحراء. وقد جسد تسابق قيادات البوليساريو على التمثيل الدبلوماسي بإسبانيا ذات العائد المالي الكبير أحد مؤشرات الافلاس السياسي للجبهة، إذ نشبت صراعات من أجل ضمان التمثيل في مكتب منطقة "بلاد الباسك" الذي يحظى بامتيازات مالية وسياسية مهمة. ويتزايد الإفلاس الدبلوماسي للبوليساريو بطول أمد النزاع حول الصحراء ووصول المفاوضات إلى النفق المسدود، ولاسيما بعد سحب المغرب لثقته من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون إلى الصحراء، فضلا عن تراجع عائدات الدعم الليبي بعد إقبار القدافي، وتراجع كميات المساعدات الغذائية إلى المخيمات بفعل الأزمة المالية والاقتصادية الدولية. لقد تمخض عن صراعات التعيين في لائحة التمثيل الدبلوماسي لجبهة البوليساريو استمرار نفس الوجوه، مترجمة مقاربة النظام الشمولي لقيادات أتباع عبد العزيز المراكشي. حيث تمت ترضية ما يسمى ب "وزير التعاون الصحراوي السابق" بتعينه سفيرا بأمريكا اللاتينية، انطلاقا من عاصمة فينزويلا شريكة الجزائر في منظمة الأوبك. وبارستقراء لجغرافية توزيع التمثيل الدبلوماسي المستقبلي للبوليساريو، فإن استراتيجيتها الدبلوماسية ستروم الحفاظ على دعم أطروحتها في المناطق التقليدية المرتبطة بالجزائر إيديولوجيا أو عبر الارتباط النفطي استهلاكا أو في منظمة الأوربك. وإذ تتقهقر دبلوماسية البوليساريو مستقبليا كميا ونوعيا، فإن انهيار أدائها الدبلوماسي المقبل ستتحمله دبلوماسية الجزائرية عبر دبلوماسية مزدوجة، لكنها لا تتعدى الفضاء التقليدي الذي يقبل بالأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو بعدد من الدول الإفريقية وأجزاء من دول أمريكا اللاتينية، المتحكم في قراراها السياسي عبر البترودولار الجزائري. وحيث إن جبهة البوليساريو عملت على تعبئة تمثيليتها الدبلوماسية ب 9 أشخاص من العاملين في الإدارة المركزية بالعاصمة الإسبانية يساعدهم ممثلين ومساعديهم بمختلف المقاطعات الاسبانية، فإنها ستزيد من تركيز فعالية دبلوماسيتها على اسبانيا مستفيدة من الدعم المالي والإعلامي الذي يوفره الجانب الاسباني المتناغم مع أطروحتها الانفصالية، ولو من قبيل دعم الجمعيات الصحراوية والاسبانية الموالية للجبهة. ذلك أن زيادة تكثيف اهتمامها الدبلوماسي على اسبانيا، يأتي من مدخل ارتباط اسبانيا بالصحراء كدولة مستعمرة، ولأنها عضو أساسي في مجموعة دول أصدقاء الصحراء "الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ناقص الصين زائد اسبانيا"، ولأن لها تأثير ثقافي وسياسي على العديد من دول أمريكا اللاتينية حيث تؤيد العديد من دولها موقف البوليساريو. كما ستعمل على تطوير تمثيلها الدبلوماسي بالولايات المتحدةالأمريكية الداعم لمقترح المغربي حكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية، ولذلك عمدت إلى ابعاد "سفيرها السابق مولود سعيد"، فإنها خسرت دورها التاريخي في تمثيلية "برلمان عموم افريقيا" الذي فقد بريقه، فلم يعد له أي تأثير في السياسة الدولية. والمؤكد أن لا شيء قد يتغير في مسار دبلوماسية البوليساريو، سوى الرفع من التركيز الإعلامي على الادعاءات الحقوقية بغية توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان في الصحراء، وبالتالي المس برمزية السيادة السياسية والإدارية للمغرب على الإقليم. ولذلك يزداد اقتناع البوليساريو بأهمية تعبئة الخطاب الانفصالي داخل اقليم الصحراء لما حققته من مكاسب حقوقية بعد أزمة "أميناتو حيدر" وأزمة "مخيم اكديم ايزيك" وأزمة "اعتقال مجموعة سالم التامك" بتهمة التخابر ضد النظام العام. حيث تنطلق دبلوماسية البوليساريو من منطلق الاستفادة فيما فشل المغرب في تدبيره من تلك الأزمات على اعتبار أن ذلك يقوي من مطلب توسيع صلاحيات المينورسو بما يوفر الحماية لدعاة الانفصال من الداخل، وبالتالي ارباك الوضع الأمني والسياسي المغربي خارجيا ودوليا. ومهما يكن فإنه يبقى لدى البوليساريو شخصيات سياسية احترفت الدفاع عن قضية الصحراء من موقف المناضل والدبلوماسي الذي يمتلك خبرات مهمة لطول بعضهم في الدفاع عن الصحراء في موضع مسؤولياتهم السياسية والدبلوماسية، وكذا بما يعتبرونهم عملا نضاليا. والحق فإن قوة كارزمية العمل الدبلوماسي للبوليساريو تطرح علينا أسئلة حاسمة، حول إذا ما كان المغرب يمتلك جهاز قويا من الشخصيات المؤثرة وذات الكاريزمية السياسية والدبلوماسية في ملف الصحراء. ٭محلل سياسي متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي [email protected]