حتّى في التعديلات الحكومية والتغييرات السياسية يعاني النظام الجزائري حالة التقليد المرَضية لكلّ ما يطرأ في بلادنا من تطورات. لم يعد الأمر يتوقف على تقليد المشاريع واستنساخ المبادرات ومحاكاة كل الرؤى والتصورات بطريقة فاشلة، بل أصبح من الروتيني اليوم أن نشهد تغييرا في الحكومة الجزائرية بعد أيّ تعديل حكومي في بلادنا. في 24 أكتوبر المنصرم شهدت حكومة عزيز أخنوش تعديلا جوهريا حيث ارتفع عدد الوزراء من 24 إلى 30 وزيرا، ودخل 14 وزيرا جديدا بينما غادر الحكومة 8 وزراء. كما حافظ 16 وزيرا على مناصبهم. بالأمس أفاد بيان للرئاسة الجزائرية قبول الرئيس الجزائري استقالة رئيس الحكومة محمد نذير العرباوي ثم تجديد الثقة فيه. يبدو الخبر مربكا وغير مفهوم. لكن ما قصدته الرئاسة الجزائرية أن الرئيس الجزائري كلّف رئيس الحكومة المستقيل نفسه، بإعادة تشكيل حكومة جديدة. وأسفر ذلك عن تعديل حكومي اليوم احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، وفقا لما ذكرته تقارير إعلامية. وأطاح التعديل بوزراء العدل، والتعليم، والإعلام، والثقافة، والنقل، والصناعة، والسياحة، والشباب والرياضة، والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية. وجرى تعيين الفريق أول سعيد شنقريحة، في منصب وزير منتدب لدى وزير الدفاع الوطني مع احتفاظه بمنصب رئيس أركان الجيش. بينما جرت ترقية وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، إلى وزير دولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الأفريقية. كان من الممكن أن تعلن الرئاسة الجزائرية ببساطة عن إجراء تعديل حكومي بدلاً من خبر الاستقالة ثم إعادة تجديد الثقة. لكن الجوهري في هذا التعديل الذي أطاح بعدد كبير من الوزراء، ليس فقط أنه يأتي بعد أسابيع قليلة من التعديل الحكومي الذي جرى في بلادنا، ولكن أنه تجاهل لأول مرة منذ سنوات إسقاط وزير الخارجية. لقد اعتدنا خلال السنوات القليلة الماضية على اكتشاف وزراء جدد باستمرار في هذا المنصب بسبب تعاقب الخيبات الدبلوماسية والهزائم على صعيد الساحة الإقليمية والدولية. ومن الواضح أن الاحتفاظ بأحمد عطاف وزيرا للخارجية، بل ومحاولة إظهاره بمظهر الوزير الناجح من خلال تغيير مسمّاه الوزاري، يؤكد بالملموس أن النظام الجزائري يحاول جاهدا الحفاظ على ماء الوجه، والتظاهر بالتماسك والقوة على الرغم من أن ما حصده أحمد عطاف من خسارات وما ناله من صفعات يفوق كل الهزائم التي تلقاها أسلافه على رأس هذه الوزارة في الجزائر. يكفي أن نذكّر أن عهد الوزير عطاف هو الذي شهد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، يما يعنيه ذلك من انتكاسة حقيقية للنظام الجزائري المرتبط ارتباطا وثيقا بفرنسا. ويكفي أن نتذكّر أيضا أن هذه الفترة التي قضاها عطاف منذ 16 مارس 2023 هي التي شهدت تسارعا في الدينامية الإيجابية التي تشهدها القضية الوطنية. وأن هذه الفترة التي تولّى فيها مسؤولية الخارجية هي التي شهدت طرد جبهة البوليساريو رسميا من كل اجتماعات الشراكة الدولية التي تربط بين القارة الإفريقية وشركائها الدوليين، وكان آخرها اجتماع القمة الروسية الإفريقية. ويمكن أن نستدل أيضا على فشل أحمد عطاف وهزيمته بالانتصار الأخير الذي حققته القضية الوطنية على الصعيد الأممي بعد قرار مجلس الأمن، الذي لم يتردد في لوم الجزائر وتحميلها مسؤولية العودة إلى طاولة المفاوضات. سرّ تشبث نظام العسكر بأحمد عطاف راجع أساسا إلى هذه الاستراتيجية القائمة على ادعاء القوة، وتجنّب الاعتراف بالاندحار وإعطاء انطباع ولو مزيف بأن الأمور تسير على ما يرام. لكنها ليست كذلك في الواقع. في عهد أحمد عطاف تزداد عزلة النظام الجزائري، الذي لم يعد يجد مخاطَبا أو شريكا يتقاسم معه مخططات العداء ضد المغرب. حتّى الجيران الذين حاول هذا النظام شراء ذممهم بالمساعدات على غرار تونس أو موريتانيا، توقفوا عن التجاوب مع هذه المؤامرات. كما فشل النظام الجزائري في بناء اتحاد مغاربي بديل مثلما توعّد بذلك في وقت سابق. وشهدت علاقاته مع جيرانه في الساحل الإفريقي مثل النيجر ومالي أسوأ مراحلها. وفشل أيضا في الحفاظ على الوعود العنترية بدعم القضية الفلسطينية والمقاومة، وتحوّلت تصريحات الرئيس ووزير خارجيته إلى فضائح حقيقية بعد أن تراجعا عنها في مناسبات عدّة. يدرك النظام الجزائري جيدا أن أحمد عطاف وزير فاشل على غرار سابقيه، لكن فشله لا يرتبط في الحقيقة بشخصه، بقدر ما يرتبط بالمنظومة الدبلوماسية الجزائرية، التي تركّز جل جهودها وبرامجها واستراتيجياتها على هدف واحد ووحيد، هو معاكسة الوحدة الترابية للمملكة المغربية. في الماضي لم يكن هذا النظام يتردد في الإطاحة بوزراء الخارجية كلّما طفت فضيحة من فضائحهم على السطح أو حصدوا هزيمة جديدة، لكن يبدو أن الكابرانات تعلّموا حيلة المداراة والتجاهل واللامبالاة لتجنّب تقديم الحساب والتقييم الحقيقي للأداء الدبلوماسي والخارجي. كم من وزير جزائري رحل في مواجهة هذه الهزائم من مساهل إلى بوكرة إلى لعمامرة، لكن حالة عطاف أصبحت تعكس خبرة وهمية لهذا النظام، الذي أضحى يميل إلى حلّ المشكلات بتركها.