منذ تعيينه في أبريل 2017 وزيرا للشؤون الخارجية في حكومة سعد الدين العثماني لم يترك ناصر بوريطة الفرصة أمام أي من نظرائه الجزائريين في الخارجية من أجل الاستقرار في كراسيهم لفترة معتبرة، أو لتحقيق توازن في مواجهة هجومات الدبلوماسية المغربية. ما بين أبريل 2017 واليوم: 16 مارس 2023 يتعاقب أربعة وزراء جزائريين على حقيبة الخارجية في محاولة يائسة للملمة الجراح وتعويض الخسائر التي يحصدها الكابرانات منذ سنوات في الساحة الدولية. وبعد أن تمت التضحية برمطان لعمامرة، على أحمد عطاف الذي تم تعيينه اليوم وزيرا للشؤون الخارجية من طرف الرئيس الجزائري، أن ينتظر المصير نفسه أمام أسد الدبلوماسية المغربية. هذا التعيين الذي جاء في إطار تعديل حكومي للتغطية على حقيقته بالنظر إلى أنه اعتراف جديد بالاندحار الدبلوماسي للكابرانات، لا يمكن أن يحجب طبيعة المشكلة التي يعاني منها النظام الجزائري. إنها ليست مشكلة أشخاص أو موظفين بقدر ما هي مشكلة سياسة وسلوك واستراتيجية. فمنذ تعيين ناصر بوريطة وزيرا للخارجية، يمثل أحمد عطاف رابع وزير جزائري يقابله في المنصب ذاته، بعد كل من عبد القادر سلال الذي تمت الإطاحة به في مايو 2017 شهرا واحدا بعد تعيين بوريطة، ثم صبري بوقادوم الذي أعفي من منصبه في يوليوز 2021، ولعمامرة الذي تم إعفاءه اليوم. وكان الهاجس دائما وراء استبدال هؤلاء المسؤولين، بالإضافة إلى صراعات الأجنحة، محاولة التغطية على الهزائم التي يحصدها الكابرانات على الصعيد الإفريقي والدولي. لقد رحل رمطان لعمامرة، وحلّ محلّه اليوم أحمد عطاف، ولسان حال الآلة الدبلوماسية الوطنية يردد قياسا على شعار الجمهور المغربي في مونديال قطر: "لعمامرة مشى أرا عطاف". فأيّا كانت الشخصية الدبلوماسية التي ستتولى مسؤولية تدبير الشأن الخارجي للكابرانات، فإنها ستواجه مشكلات جمة بالنظر إلى أن هذا النظام لم يعد يمتلك أي مرجعية أو بوصلة تقود مبادراته وحركاته الدبلوماسية، تماشيا مع تطورات المرحلة التي يعرفها العالم والإقليم المغاربي والقارة الإفريقية. لم ينجح نظام العسكر في الجزائر في تجاوز خطابه الرجعي والتقليدي الذي يردده منذ عقود، ولا أن يستوعب المتغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة على كافة الأصعدة. دبلوماسية حقائب البترودولار ورشاوى الغاز وخطابات الحرب الباردة، والنظرة السطحية إلى العالم والجيران، واستمرار وهم التفوق كلها آفات تنال اليوم من أداء الخارجية الجزائرية، التي لا تزال مرتهنة لأجندات أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد حاضرة إلا في اعتبار بضع أنظمة مارقة في المجتمع الدولي. فما الذي كان ينتظره الكابرانات من رمطان لعمامرة؟ هل كانوا يعتقدون أنه سيحقق حلم الجمهورية الوهمية؟ إنه حلم ولّى إلى غير رجعة، ولن يعود، لا مع لعمامرة ولا مع عطاف ولا حتى مع عودة بوتفليقة نفسه إلى الحياة. والتحديات التي يحملها المستقبل على المدى القريب والمتوسط للخارجية الجزائرية ستكون أكثر حدة وزعزعة لهذا النظام المتهالك. والاستغاثة بوزير سابق مثل أحمد عطاف، سبق له أن شغل هذا المنصب ما بين 1996 و1999، أكبر دليل على إفلاس نظام الكابرانات، الذي يروج شعارات "الجزائرالجديدة"، بينما يعود للاعتماد على أبناء الجزائر القديمة. يطلق وعود التشبيب بينما لا يستطيع التخلص من دائرة رموز العصابة التي ثار عليها الشعب الجزائري منذ حراك فبراير 2019. وحتّى يدرك هذا الشعب حقيقة وقدر المسؤولين الذين يجثمون على رقاب أبنائه ومدى سطحية نظرتهم إلى الواقع والتحولات الجارية في العالم، عليه أن يضع هذا التعديل الحكومي في سياقه، المشوب بالكثير من الغيرة من المنجزات التي يحققها المغرب، وكان آخرها مشهد التتويج الإفريقي في رواندا وإعلان بلادنا مجددا دخول سباق التنافس على احتضان تنظيم كأس العالم. إنهم سطحيون فعلا إلى هذه الدرجة.