"وجّد روحك" هكذا خاطب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الرجل الثاني في المخابرات الداخلية الجنرال عبد القادر حداد المعروف باسم ناصر الجن عندما سلّم عليه بعد اداء صلاة العيد. يتوهم بعض المراقبين إلى أن الأمر يتعلق برسالة مبطنة إلى الخارج، أو توجيه رئاسي للمخابرات من أجل العمل على التصعيد ضد الجوار والدول العربية التي افتعل معها النظام الجزائري أزمات دبلوماسية مؤخرا. والحال أن هذه الرسالة موجهة بالأساس إلى الداخل بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستجري في شتنبر المقبل ومن المتوقع أن يكون الرئيس الحالي أحد المتبارين فيها، ومن ورائه طبعا حليفه وسنده الرسمي اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة. من المعروف أن المخابرات الجزائرية تلعب دورا هاما وأساسيا في توطيد أسس الرئاسة الجزائرية، وتقف وراء ممثلي النظام السياسي من خلال الدعم الأمني والمخابراتي، وكذا من خلال تمتين استقرار البنية السياسية بمختلف فاعليها، ودفعها باتجاه دعم الرئيس الذي يجلس في كرسي قصر المرادية. ومن الواضح أن وتيرة الصراع الداخلي بدأت تتصاعد منذ الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة. فتبون الذي يعوّل على المدعو ناصر الجنّ، يجد في مواجهته جناحا آخر من أجنحة النظام يضم ضباطا بالأجهزة الأمنية والجيش والإدارة، تحركهم طموحات سياسية ورغبة في طيّ صفحة الثنائي شقنريحة وتبون وتقديم مرشح بديل يمكن أن يقود البلاد في المرحلة المقبلة، ولا سيّما بعد أن اتضح أن حصيلة الرئيس الحالي كانت سلبية بكل المقاييس. ومن المرتقب أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة التي ستسبق موعد الانتخابات الرئاسية صراعا حادا يتوقع بعض المتابعين أن يصل إلى درجة ممارسة العنف السياسي والأمني والقضائي. وفي هذا السياق يتحدث هؤلاء المراقبون عن قرب إطلاق حملة تطهيرية جديدة يحاول النظام الجزائري من خلالها التضحية بمجموعة من الفاعلين السياسيين ورجال الأعمال والمسؤولين في محاولة تهدف إلى تدارك الخلل الذي شهدته الولاية الرئاسية الحالية على مستوى تنزيل الكثير من الوعود، ومن بينها محاربة الفساد. يتذكر الجزائريون الرئيس الحالي في حملته الانتخابية الأولى عندما أعلن في برنامج تلفزيوني مباشر أن أرقام الاختلاسات وهدر المال العام في الجزائر فلكية ولا يمكن حصرها. ووعد تبون في تلك المرحلة أنه سيفعّل كل أشكال الرقابة والمحاسبة ضد المسؤولين لاسترجاع الأموال المنهوبة. تشرف الولاية الرئاسية على نهايتها ولم يتمكن الرئيس الجزائري من تنفيذ وعده، ولم تسترجع الخزينة الجزائرية دينارا واحدا من المليارات التي تحدث عنها الرئيس. ويشكل ملفّ الفساد بشتى أنواعه أحد أسس الحرب الانتخابية التي ستشهدها البلاد قريبا، وهذا ما يؤكد أن النظام الجزائري لن يتوانى عن تقديم بعض أكباش الفداء قبيل الانتخابات من أجل إقناع الرأي العام بجدوى المشاركة الانتخابية وإعادة تزكية الرئيس الحالي. لكنّ الصراع بين أجنحة الحكم لن يتوقف عند هذا المستوى. هناك الكثير من الأخطاء والهفوات بل الخطايا التي ارتكبها النظام الحالي وستمثل نقطة ضعف يمكن أن يستغلها المناوئون له من داخل النظام ضده. من بين هذه الأخطاء الإدارة الكارثية للعلاقات الخارجية للبلاد. فالولاية الرئاسية الحالية التي قادها عبد المجيد تبون تكاد تكون أفشل حقبة سياسية على مستوى الحصيلة الدبلوماسية والخارجية. لقد اندحر النظام الجزائري في مختلف الساحات التي حاول من خلالها الإساءة إلى المغرب أو النيل من وحدته الترابية. فشل في مناورته مع إسبانيا كما خسر مناورة أنبوب الغاز وتكبّد الكثير من الخسارات على الصعيد الإفريقي حيث استُدعي سفراءه في العديد من الدول للاحتجاج والمساءلة. كما تحوّلت كل المؤتمرات واللقاءات الدولية التي حرص على تنظيمها إلى موائد من الكوميديا والارتجال ولا سيما على الصعيد العربي. وتُوّج هذا الفشل كلّه بفتح مواجهات مباشرة وعدائية ضد دول عربية وازنة على رأسها الإمارات العربية المتحدة. ومن المتوقع أن تمثل هذه الحصيلة الصفرية نقطة ضعف تنضاف إلى الفشل الداخلي، ليستغلها الجناح المناوئ للثنائي تبون وشنقريحة من أجل توظيفها في الانتخابات المقبلة. وهذا ما يفسر الدعوة التي وجهها تبون أمام الكاميرات إلى موظفه ناصر الجن قائلاً "وجّد روحك"، إنه إيذان بانطلاق الحرب الداخلية بين أجنحة النظام.