يكفينا فخراً أن يكون المنتخب الوطني النسوي لكرة القدم أول منتخب عربي يصل إلى الدور الثاني في كأس العالم للسيدات، علماً أنها المشاركة الأولى لهذا المنتخب ولكل المنتخبات العربية. لا تهم نتيجة مباراة الثمن التي تابعناها جميعا اليوم بقلوب شغوفة، وليس من الضروري أن تكون النتيجة دائما انتصارا أو تأهيلا حتى نرضى عن هذه النخبة النسائية المكافحة في ميدان الرياضة أو عن هذه المواهب التي أبهرتنا وألهمت جيلا كاملا خاصة من الفتيات والنساء. المشاركة التاريخية للمنتخب النسائي في مونديال أستراليا ونيوزيلندا 2023 ستظل علامة فارقة في تاريخ المشاركات المغربية والعربية في كأس العالم للسيدات وسيكون لها ما بعدها. وما بعدها أهم بكثير منها وممّا قبلها. لبؤات الأطلس سجّلن أولا أسماءهن في هذا الحدث الرياضي العالمي كممثلات لهذا العالم العربي الفسيح الذي ما تزال حقوق المرأة فيه ملفا ساخنا يحتاج إلى المزيد من الشجاعة والجرأة في التناول والنقاش والمبادرة. المرأة المغربية وصلت إلى مونديال أستراليا ووضعت قدمها هناك في الوقت الذي ما تزال فيه الكثير من النساء في العالم العربي تصارعنَ من أجل أبسط الحقوق وأدنى درجات التقدير. المرأة المغربية وصلت إلى مونديال أستراليا بحجابها وأصالتها، وبانفتاحها وتقدّميتها أيضاً، تابعنا نهيلة بنزينة وهي تلعب إلى جانب زميلاتها في المنتخب الوطني بحجابها دون أن يخلق لها ذلك أدنى مركب نقص. بل وضعت لبؤات الأطلس مرة أخرى بصمة مختلف ومميزة كتلك التي وضعها نظراءهن من أسواد الأطلس في مونديال قطر 2022. الأداء الكروي القتالي إلى جانب القيم والثقافة المغربية الأصيلة. وهذه هي تركيبة النجاح التي حرصن عليها، وبرعن في إبرازها وإظهارها للعالم. ليس أمامنا اليوم سوى أن نشكر هؤلاء الفتيات ليس فقط لأنهن رفعن الراية المغربية خفاقة في مونديال كانت الكثير من المنتخبات الإفريقية والعربية تحلم بالمشاركة فيه، وإنما نريد أن نشكرهن أيضا على المسارات الشخصية التي قطعنها حتى بلوغ هذه المرحلة العالمية من المنافسة والمشاركة الكروية. لا يمكن أن تتخيلوا حجم النضال والعطاء والكفاح الذي ينبغي لامرأة شابة في مجتمع عربي وإفريقي أن تبذله كي تنتزع مكانتها وتقنع وسطها بأنها لاعبة كرة قدم. حتى في المجتمعات الغربية التي تقدمت فيها الحركات النسوية كثيرا في رفع المطالب وانتزاعها ما تزال نظرة المجتمع إلى المرأة التي تريد ممارسة كرة القدم نظرة مستغربة، فما بالك بما يحدث في المجتمعات العربية والإفريقية. لذلك لن نبالغ إذا اعتبرنا أن لبؤات الأطلس فزن بكأس العالم في اليوم الذي حققن فيه طموحهنّ وفرضن فيه رغبتهنّ في ممارسة هذه اللعبة والتفرغ لها والاحتراف فيها. صحيح أن الهزيمة في الدور الثاني من كأس العام قد تكون قاسية والإقصاء قد يكون مؤلماً، لكن النجاحات الشخصية التي حققتها لبؤات الأطلس تغني عن كل الألقاب والانتصارات الميدانية. لقد عشنا جميعا هذا الحلم الأسترالي الجميل ونحن نُمنّي النفس بخوض مباريات مشرّفة، فإذا بمنتخبنا الوطني يحقق المعجزة والإنجاز العربي التاريخي ويفوز بمباراتين في الدور الأول ويتأهل إلى الدور الثاني في أول مشاركة تاريخية له في المونديال. ما حققناه كان أكثر مما كنا ننتظره جميعا دون مبالغة. لقد كان أكثر المتفائلين يظن أن لبؤات الأطلس سيعدن إلى المغرب من الدور الأول دون أيّ انتصار في الغالب. ولهذا فقد فزن في نظرنا بكأس عالم أغلى ربما من تلك التي سيفوز بها متصدر مونديال أستراليا. يكفي لبؤات الأطلس فخراً أنهنّ فزنَ بكأس القلوب والأحلام العربية التي نجحنَ في إيصالها إلى أقصى طموحاتها وإنجازاتها عبر التاريخ.