يمرّ نظام الكابرانات بمنعطف تاريخي بعد أن أطبق خناق العزلة على مفاصله، وكشفت الفضائح الدبلوماسية المتتالية عورته، وأضحى فاقدا للبوصلة والثبات الانفعالي في ظل ظروف دولية متقبلة، تهدد بإعادة قلب محاور التحالفات وموازين العلاقات والقوى. وقد جسدت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو ومشهد جلوسه وتوسّله المذلّ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوج هذه الورطة التي يعيشها النظام الجزائري، إلى درجة دفعته إلى المقامرة بما تبقى من أوراقه على طاولة خاسرة قد تمتد تداعياتها إلى أبعد الحدود. وفي ظل هذا الضياع الذي يعيشه هذا النظام تتقلص أمامه خيارات المناورة والفعل. كيف يمكن أن يواجه هذا النظام التحديات الأمنية والجيواستراتيجية في السنوات القليلة المقبلة؟ عمليا لم يعد نظام الكابرانات يملك أيّ خيارات بديلة، بعد أن توترت علاقاته الدبلوماسية مع جلّ القوى الدولية الفاعلة، التي كان يعتمد عليها في الماضي من أجل حشد المواقف لدعم مبادراته وتحركاته التي كانت تدور بالأساس حول اللعب بورقة الصحراء المغربية. هذه الورقة نفسها خرجت تماما من يد هذا النظام على الرغم من أنه ما يزال يحتجز على أراضيه آلاف الصحراويين، ويرهن قيادة البوليساريو التي تقع تحت طائلة الابتزاز والتهديد من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية. وما يؤكد فقدان الجزائر لهذه الورقة هو الاتجاه الدولي المتسارع نحو دعم مغربية الصحراء وتفضيل خيار الحكم الذاتي. عندما اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمغربية الصحراء في مرسوم أصدره بشكل رسمي، لم تستطع السلطات الجزائرية أن تقدم أو تؤخر، أكثر من بعض كلمات الاحتجاج الدبلوماسية اللبقة مخافة رد فعل واشنطن. وعندما قام رئيس الحكومة الإسبانية بالأمر نفسه وخضع للإرادة المغربية واعترف بأهمية مبادرة الحكم الذاتي، حاول نظام الكابرانات ابتزازه من خلال وقف أشكال التعاون التجاري، لكن ذلك لم يؤد في النهاية الغرض المتوخى منه، وظلت مدريد تفضل إرضاء المغرب بدلا من الارتماء في أحضان الكابرانات. ولم ينجح هؤلاء في ثني كل الدول والأنظمة العربية والإفريقية عن تأييد القضية الوطنية والوحدة الترابية لبلادنا، سواء في المؤتمرات العربية كما هو الحال في القمة العربية التي احتضنتها الجزائر أو على صعيد الاجتماعات الإفريقية. بل عجز الرئيس الجزائري على الرغم من كل فروض الولاء والطاعة التي قدّمها للرئيس بوتين على مرأى ومسمع من العالم أن ينتزع من موسكو ولو تصريحا واحدا مؤيدا لخيار الانفصال أو داعما لأطروحة الجزائر والبوليساريو. وحدث الأمر نفسه من قبل في زياراته للبرتغال وإيطاليا وغيرها من البلدان. هذه المشاهد الدبلوماسية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن صوت الجزائر فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية لم يعد مسموعا، وأن الأسطوانة التي اعتاد نظام الكابرانات ترديدها هنا وهناك في مختلف المنتديات لم تعد تجد الصدى والقبول الذي كانت تجد في مراحل سابقة لاعتبارات عديدة كان من أهمها تأثير حقائب البترودولار. هذه الحقائب لم تعد تؤثر إلا في قلة من الأنظمة اليتيمة التي رهنت نفسها لعصابة الكابرانات ومن بينها على سبيل المثال نظام الرئيس التونسي قيس سعيد. باستثناء هذا الرئيس الذي سقط سهوا فإن إغراءات الكابرانات لم يعد لها أيّ أثر بعد أن حققت العديد من الدول الإفريقية والعربية قدرا كبيرا من الاستقلالية والتأهيل الاقتصادي الذي يفوق أصلا ما تجنيه الجزائر من موارد الغاز والبترول. لقد كان الكابرانات على سبيل المثال يعتقدون أن القطيعة التجارية مع إسبانيا يمكن أن تؤثر في حكومة بيدرو سانشيز وتدفعها إلى الخضوع لإملاءاتهم. ويمثل هذا الوهم مثالا نموذجيا عن الورطة الاستراتيجية التي يعيشها هذا النظام بسبب عجزه عن تحديث تصوراته وقراءاته للواقع الدولي والإقليمي. ما الذي تمثله حصة الجزائر في سلم العلاقات التجارية الإسبانية؟ من المؤكد أنها لا تصل حتى إلى 0,5 في المائة في اقتصاد بلد مثل إسبانيا يصدر منتجاته إلى أبعد نقطة في هذا العالم، ويعتبر من أكثر اقتصاديات أوربا نموا وحركية بفعل تعدد قطاعاته النامية والواعدة. هذا العجز عن استيعاب التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم هو الذي أوصل نظام الكابرانات إلى ما وصل إليه اليوم ويدفعه دفعا نحو الخضوع قريبا للمنطق، لكن نخشى أن يحدث ذلك بعد فوات الأوان.