تبون يهرب إلى البرتغال بعد أن ضاق العالم بالكابرانات على الرغم من كل الدعايات التي سبقت زيارته إلى الجمهورية البرتغالية لم يحصد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شيئا غير الفراغ بعد أن حافظت الرئاسة البرتغالية على تصريحاتها ومواقفها الثابتة تجاه قضية الصحراء المغربية، التي تتجه نحو تأييد الحل السياسي المبني على مشروع الحكم الذاتي باعتبارها مقترحا جديا وواقعيا وذا مصداقية. وعلى الرغم من كل محاولات الإعلام الرسمي ليّ عنق التصريحات البرتغالية إلا أن الأسى بدا واضحا تماما على وجه تبون وهو يتحدث خلال الندوة الصحفية التي نظمت اليوم في أعقاب لقائه بالرئيس البرتغالي. لكن لماذا يضع تبون والكابرانات أنفسهم في مثل هذه المواقف أصلا؟ قضية الصحراء المغربية تتجه نحو الطي النهائي والحل الواقعي الذي يتمثل في السيادة المغربية الكاملة على تراب الصحراء، وتمتيع سكان الأقاليم الجنوبية بحقهم في تدبير شؤونهم بأنفسهم عبر نظام حكم ذاتي متطور وموسع. وغالبية الانفصاليين أنفسهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا الحصول على أكثر من ذلك بحكم التاريخ والواقع ومنطق الأشياء، وأن قضية الانفصال هي مجرد وهم تم توظيفهم لأجل استنباته في المنطقة مكايدة للمغرب لا أقل ولا أكثر. ولعلّ حرص الكابرانات اليوم على سماع تصريح واحد ولو على نحو تلميحي يتقاطع مع الأطروحة الانفصالية هو الهاجس الذي حرّك تبون لزيارة البرتغال في الظرفية الحالية، خاصة مع التراجع الكبير الذي عرفته الدبلوماسية الجزائرية، وتوج بتعديل حكومي قبل فترة أسقط وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة. ومنذ تولي وزير الخارجية الجديد أحمد عطاف مسؤولياته على رأس الوزارة يحاول الكابرانات تعزيز الحضور الدبلوماسي لرئيس البلاد من خلال زيارات للبحث عن انتصارات ولو صغيرة، لتجاوز المسافة الطويلة التي قطعها المغرب في هذا المجال، وسد الفجوة الهائلة التي تكرّست بين بلادنا وبين هذا النظام العسكري المستبد. ويعكس هذا المسعى أيضا المحاولات المتكررة للنظام الجزائري الخروج من العزلة التي وضع نفسه فيها سواء قاريا أو عربيا أو دوليا. لكن هذه المحاولات لم تعد تجد متسعا كافيا للمناورة بعد أن ضاقت مجالات حشد الدعم التي كان هذا النظام يجدها في الماضي. بل أضحى تبون يجد بصعوبة بالغة مناسبات أو مؤتمرات أو لقاءات يستطيع حضورها دون أن يتعرض لإكراهات المواجهة، مثلما حدث معه في القمة العربية الأخيرة. لذلك تبدو زيارة تبون إلى البرتغال نوعا من الهروب من المجالات التي أضحت الدبلوماسية المغربية تضيق فيها الخناق على الكابرانات، وبحثا عن مجالات أخرى لا يجد فيها هؤلاء أنفسهم محاصرين بحلفاء المغرب الذين يعبرون عن مواقف متزنة خصوصا فيما يتعلق بالقضية الوطنية. فمن المفارقات الصارخة التي يعيشها هذا النظام هو أن دبلوماسيته وزياراته وعلاقاته الخارجية كلها مكرسة لهدف واحد وأوحد هو معاكسة الوحدة الترابية للمغرب والنيل من سيادته. لم يسافر تبون إلى البرتغال من أجل الدفاع عن المصالح الجزائرية الخالصة أو تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين أو الترويج لثقافة ومعالم بلاده، وإنما فقط لأجل إيذاء المغرب والمغاربة والبحث عن أنصار لقضية الانفصال. لذلك يستحق الكابرانات ما يحدث لهم اليوم من تراجع كبير على مستوى مجالات النفوذ بما في ذلك في المناطق التي كانت إلى الأمس القريب معتبرة في إطار المناطق الحليفة والمؤيدة لخياراتهم وتوجهاتهم. ولعلّ الاستراتيجية الدبلوماسية التي نهجها المغرب من أجل تضييق هذه المجالات في أفق تصفيرها بشكل نهائي قد آتت أكلها ولم يعد الكابرانات يجدون من يدغدغ مشاعرهم ويروج لأفكارهم إلا في بعض الأنظمة المارقة المعدودة على رؤوس الأصابع. وحتى هذه الأنظمة أضحت اليوم في طريقها إلى العودة إلى رشدها والانعتاق من تأييد الأوهام ومناصرة الخرافات.