الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي لم يتجرأ على حضور القمة العربية التي انعقدت مؤخرا بالمملكة العربية السعودية هو نفسه الذي سافر اليوم إلى لشبونة في زيارة رسمية للبرتغال بحثا عن تصريحات أو مواقف تدغدغ مشاعر الكابرانات. الدول العربية أنهت أحلامهم بإمكانية الاصطفاف إلى جانب الموقف المؤيد للانفصال في الصحراء المغربية، والمملكة الإسبانية صدمتهم قبل فترة عندما قررت العودة إلى الرشد وتبني مقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب، وفرنسا التي يحاول الكابرانات منذ زمن استمالتها لا تتوقف عن توجيه الصفعات إلى هذا النظام العسكري المتحجر. وطبعا لم يعد أمام تبون من وجهة أخرى بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والتزام الحليف الروسي بقدر عالٍ من الحياد. لم يعد أمام تبون من وجهة يمكن أن يسافر إليها للبحث عن انتصارات دبلوماسية وهمية غير الجارة البرتغالية؟ لكن الذي يتجاهله تبون هو أن الحكومة البرتغالية والرئيس البرتغالي تربطهما بالمغرب علاقات تاريخية متينة مبنية على حسن الجوار والتعاون، وتبادل المصالح منذ زمن. ومهما بذل نظام الكابرانات من مغريات أو حاول من ابتزازات فلن ينفع ذلك شيئا في تغيير موقف البرتغال التي عبّرت بدورها مرارا وتكرارا عن تأييدها لموقف الحكم الذاتي كحل سياسي عادل ونهائي للنزاع المفتعل. هذا يعني أن عزلة نظام الكابرانات تتفاقم، وأن منافذ التحرك والمناورة أضحت ضيقة إلى أبعد الحدود. وهذا ما يفسر الهزائم المتتالية التي يحصدها الكابرانات منذ بضع سنوات أمام المغرب في كل المواجهات الدبلوماسية القارية والدولية. وفي ظل هذه العزلة المتزايدة تصبح مناورات التهريج مثل تنظيم مباراة في كرة القدم يشارك فيها منتخب جمهورية الوهم رهانا وطنيا كبيرا تُسلّط عليه أضواء الإعلام والصحافة. كما تصبح مرافقة الطائرات المقاتلة لطائرة الرئيس حتى تغادر الأجواء الجزائرية خبرا يتصدر قائمة منشورات وكالة الأنباء الرسمية. لم يعد أمام الكابرانات من سلاح أو مناورة أو مبادرة غير هذه المشاهد الصغيرة التي تعكس هشاشة عميقة تخترق هذا النظام، الذي أفلس على جميع المستويات. حتى التظاهرات الرياضية التي ينظمها بغرض الدعاية والترويج لأطروحاته تنتهي بمهازل وإخفاقات صارخة، تتحول إلى نكات وأخبار مسلية على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ما الذي يعنيه ذلك في العمق؟ هذا يعني أن أزمة نظام الكابرانات أضحت مركبة جدا. ففي السابق كانت البحبوحة المالية التي يحققها هذا النظام تعني بالضرورة تنظيم مجموعة من الغزوات المزعجة للمغرب ولمكانته ومصالحه. حينها كانت اللوبيات الممولة من طرف هذا النظام بفضل فوائض البترودولار تنجح إلى حد بعيد في تنظيم حملات مربكة لبلادنا ومؤثرة على الصعيد الدولي أو القاري على الأقل. لكن الصدمة الكبرى التي يواجهها الكابرانات اليوم هي أن حقائب الدولارات لم تعد قادرة هي أيضا على تحقيق هذه الانتصارات مهما كانت صغيرة وظرفية. لقد حقق النظام الجزائري في العامين الأخيرين فوائض هائلة بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز، لكن تلك الموارد كلها أهدرت في عدد من محاولات الإساءة للمغرب دون جدوى. نتذكر جميعا كيف تحوّلت الحملة الممولة في إطار ما سمّي بفضيحة التجسس "بيغاسوس" إلى مهزلة حقيقية للإعلام الفرنسي والدولي الذي ساهم في هذه الكارثة. لقد صرفت المليارات من أموال الجزائريين على هذه الفضيحة من أجل الضغط على المغرب والإساءة إليه ثم انتهى الأمر في النهاية إلى خطأ مهني فادح ارتكبته وسائل الإعلام التي روجت لهذه الأكاذيب. بل حتى الأموال التي كان نظام الكابرانات يوجهها لتسيير حملات منظمة من طرف بعض المؤسسات الأوربية، وعلى رأسها البرلمان الأوربي، آلت في النهاية إلى حملات مضادة بعد أن تعرّض هذا النظام بدوره قبل أسبوع لقرار من هذا البرلمان ينتقد أوضاع حقوق الإنسان وحريات الصحافة في البلاد.