كما كان متوقعا لم يستطع كابرانات الجزائر إخفاء غيرتهم وغيظهم من الحدث العسكري الضخم الذي انطلق في المغرب اليوم بمشاركة 7 آلاف عسكري و18 دولة من خلال مناورات الأسد الإفريقي. هذه المناورات التي ستستمر حتى 30 يونيو وتشارك فيها دول حليفة وصديقة للمغرب على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية أضحت تمثل بالنسبة للعسكر في الجزائر مناسبة تذكرهم بمشاهد الفشل التي حصدوها في السنوات الماضية في مواجهة المغرب سواء على مستوى الساحات الدبلوماسية أو على مستوى الساحات الميدانية العسكرية منذ أن تم تحرير منطقة الكركرات من أذنابهم من الانفصاليين المغامرين واستقطاب المزيد من الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء. مناورات الأسد الإفريقي أضحت تمثل وصلة تعذيب سنوية لشنقريحة وأقطاب نظامه العسكري، كما أنها تكشف عن ضيق الأفق السياسي الذي ابتليت به هذه العصابة وهي تحاول جاهدة بسلوكات طفولية مجاراة المغرب بمنطق التسابق والمنافسة الخرقاء بتنظيم تمارين عسكرية في منطقة تندوف. وتؤكد ردود أفعال العسكر في الجزائر تجاه مناورات الأسد الإفريقي أن هناك إحساسا عميقا بالعزلة وفقدان القدرة على المواجهة مع المغرب، خصوصا مع تزايد الدول المشاركة في هذه المناورات سنة بعد سنة، والإشعاع الدولي المتنامي الذي تحققه عاما بعد عام. لكننا نعلم جيدا أكثر ما يغيظ السلطات الجزائرية في هذا الحدث العسكري الدولي هذه السنة. مصدر الغيظ الحقيقي هو أن هذه المناورات ستدور من قلب الأقاليم الجنوبية في منطقة المحبس بالقرب من المنطقة العازلة، التي كانت الجزائر وأذنابها من الانفصاليين يروجون أنها مناطق محررة ولا يمكن للمغرب أن يقربها. لكن هذه الأسطورة انكسرت منذ نونبر 2020 تاريخ حسم القوات المسلحة الملكية بتدخلها المحترف في مسألة تأمين الحدود المغربية الموريتانية وطرد مرتزقة الانفصاليين منها إلى غير رجعة. ولن نبالغ إذا قلنا إن هزيمة الكركرات لا تزال غصة في حلق العسكر ومنذ أن حصدوها وهم يبحثون عن انتصارات وهمية تجسدها التداريب والتمرينات العسكرية التي يتم تنظيمها بين الفينة والأخرى بالذخيرة الحية أو دونها. لكن من الواضح أن مشكلة هذا النظام هي أزمة العزلة، هل يستطيع النظام الجزائري القائم اليوم أن يحشد لتمرين أو مناورات عسكرية بمشاركة عشرات الدول والخبراء والقادة العسكريين؟ بالطبع هذا غير ممكن بالنسبة لنظام طوّق نفسه بجدران من أوهام القوة المزعومة وادعاء البطولة في الوقت الذي يواجه يوما بعد يوم هزائم دبلوماسية مهينة كان آخرها الصفعة التي تلقاها من المملكة الإسبانية المجاورة. وقد اتضح أن أقصى ما يمكن أن تنظمه الجزائر على أراضيها من مناورات عسكرية هو تلك التي تشرف عليها حليفتها روسيا المنشغلة اليوم بحربها المفتوحة مع أوكرانيا ومع الدول الغربية. إن التقليد العسكري الراسخ الذي أضحت تمثله مناورات الأسد الإفريقي لا يغيظ فقط الجزائر بل يخيفها أيضا. ومن الطبيعي أن يصاب نظام شنقريحة الخوف في ظل التطور الكبير الذي تعرفه منظومة القوات المسلحة الملكية بفعل احتكاكها السنوي بمنظومات عسكرية جد متقدمة كالجيش الأمريكي وغيره من الجيوش المحترفة. فمناورات الأسد الإفريقي لا تعتبر تعاونا عسكريا بروتوكوليا بين البلدين فقط، بل هي تمرين حقيقي يساعد الجيش المغربي كثيرا في تأهيل قدراته القتالية والتكتيكية، وهي بالمناسبة فرصة لا تتاح للكثير من الجيوش في العالم اليوم. وإذا كان نظام الكابرانات يقوم في نواته الصلبة على المؤسسة العسكرية المتباهية بترسانتها وفوائضها المالية فإن ما تتيحه التداريب العسكرية الدولية من قبيل مناورات الأسد الإفريقي من فرص التأهيل والاحترافية لا يمكن بأي حال من شرائه أو استيراده بتوقيع عقود أو إنفاق مليارات البحبوحة النفطية.