في نهاية شهر أكتوبر الجاري سيتدارس مجلس الأمن الدولي وضعية بعثة المينورسو وملف النزع المفتعل حول الصحراء المغربية. هذا الموعد السنوي أصبح موعدا ثابتا ليس فقط لتداول الأممالمتحدة في القضية الوطنية، وإنما سياقا لما يسبقه من مناورات الجزائر والانفصاليين من أجل إحياء أوهام نزاع لا وجود له إلا في أرشيف الهيئة الدولية وأدراج المخابرات الجزائرية. هذا ما يفسر مشاهد "التسخينات" التي يطلقها مرتزقة الانفصاليين على الحدود المغربية الموريتانية وبالضبط، عند معبر الكركرات. سيستمر التشويش وافتعال مشاهد الاحتجاج وعرقلة حركة الناقلات إلى حين تدارس مجلس الأمن لقضية الصحراء وإصدار قرار جديد بخصوصها، ثم ينفض الجمع ويولون الدبر، بتعليمات من المخابرات الجزائرية، التي تسير بيادقها من بقايا الجبهة الانفصالية. نحن أمام مهزلة حقيقية يقف وراءها التخطيط "العبقري" للعسكر، الذين أنفقوا ولا زالوا ينفقون أموال الشعب الجزائري على مؤامرة فاشلة، فقط حقدا وحسدا، ضد جار لطالما احتضن الجزائر بثوارها ومقاوميها ولاجئيها. ومن الأوهام التي تدفع الجزائر إلى تعبئة الانفصاليين في الكركرات محاولة إقحام موريتانيا، وحشد تأييدها بحيث تتخذ قرارها بإغلاق المعبر الحدودي في وجه الحركة التجارية المغربية نحو العمق الإفريقي. فالكل يعرف أن الجزائر تحاول تسيير طريق موازي للذي يربط بين المغرب وجيرانه في غرب إفريقيا من باب العناد والمنافسة الفارغة. فلو كانت الجزائر تبحث عن تقوية تواجدها وحضورها الإفريقي بصدق، لخصصت ما تنفقه على اللوبيات عبر العالم وتسليح الانفصاليين وشراء بعض الأصوات لصالحهم، لتأهيل بنيتها التحتية ونسيجها الاقتصادي حتى تستطيع فعلا اقتحام الأسواق الإفريقية بمنتجاتها وخدمات وخبرات مقاولاتها، لا بحقائب البترودولار التي تدفع من تحت الطاولات. إن مهزلة الكركرات التي تحدث بين الفينة والأخرى لا تختلف كثيرا عن مشهد رقصة المذبوح. نحن أمام جبهة انفصالية هرمة شاخت قياداتها، ولم تعد لها قواعد تحمل شعارات "وهم الحرب الباردة"، وتتشبث عاجزة بقشة يمدها بها من هم أحوج إليها. إن علاقة البوليساريو بالجزائر بلغت مرحلة "استنجد غريق بغريق" ولم يجد الطرفان غير قشة الكركرات لكسب المزيد من الوقت وإطالة أمد سراب لم يعد له وجود. إن كل مقومات ومبررات النزاع المفتعل قد اختفت. لم تعد هناك حرب باردة ولا صراعات إيديولوجية ولا طموحات قومية عبر العالم. نحن أمام عالم جديد أكدت جائحة فيروس كورونا أنه عالم الدول القوية والمتماسكة القادرة على ضبط الاستقرار وتوفير الاحتياجات الأساسية وإغلاق الحدود وحماية المواطنين. عالم لا يمكن أن تعيش فيه الجماعات وأشباه الدول والأقاليم المنفصلة والجهات والطوائف والأحزاب قائمة بذاتها، ما لم تستند إلى مرجع الدولة بكل مؤسساتها وإمكاناتها ورؤاها العابرة للأزمات. هذا الواقع الجيواستراتيجي الجديد تعيه قيادات الجزائر جيدا، لكنها تتحداه بالتجاهل ودفن رأسها في الرمل هربا من الحقيقة الصادمة. هذه الحقيقة هي التي يكتشفها المواطن الجزائري البسيط كل يوم عندما يدرك أن البحبوحة النفطية لم تخلق له وطنا يتمتع فيه بالرخاء والمساواة والعدالة، بينما تنفق أمواله في التحريض وتأجيج النزاعات التي لا حاجة له بها. بل إن القلق الجزائري الأزلي من غياب دولة حقيقية ومتجذرة، يتنامى اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد أن كشف ربيع الجزائر أن النظام البائد كان يتاجر بقيم النخوة والأنفة الجزائرية من أجل الإبقاء على استقرار وهمي ولو في ظل نظام عسكري متخلف يستورد كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ.