"إعمل نفسك ميت"، هذا هو شعار الكابرانات هذه الأيام بعد أن بدأ العرّاب الفرنسي حملة تأديب واضحة للنظام العسكري في الجزائر. تتوالى الصفعات واحدة بعد الأخرى إلى قيادة العسكر من السلطات الفرنسية التي كان آخرها مقال رئيسي في الصفحة الأولى لجريدة "لوموند"، المقرّبة من دوائر القرار في باريس، بعنوان "الجزائر تسير نحو عهد جديد من القمع" في عددها الصادر اليوم السبت. هذا المقال الذي يفضح الممارسات القمعية التي يرتبكها النظام الجزائري منذ أربع سنوات مضت ضد المعارضين والصحافيين والنشطاء الحقوقيين يأتي مباشرة بعد عملية تهريب الناشطة أمينة بوراوي من طرف السلطات القنصلية الفرنسية بتونس لتجد ملجأ لها من بطش الكابرانات في فرنسا. المقال المتزامن مع عدة حوارات وبرامج تلفزيونية تطرّقت لقضية أمينة بوراوي وللوضع الحقوقي المتردّي في الجزائر، يكاد يمثّل صدمة بالنسبة للقيادة في الجزائر، التي كانت تعتقد أن امتثال قائد الأركان السعيد شنقريحة مؤخرا لدعوة ماكرون لزيارة عاجلة إلى فرنسا واستقباله هناك يعد تشريفا لهذا النظام. لقد اتضحت الصورة الآن ويبدو أن هذه الزيارة كانت تقريعا للكابرانات ولقادتهم من التمادي في تقمص دور "القوة الضاربة" على العرّاب الفرنسي، الذي لا يزال يتعامل مع الجزائر كمقاطعة فرنسية تحت سيادة الجمهورية. وما سيزيد من وجع الكابرانات أنهم اعتقدوا لوهلة أن فرنسا يمكن أن تصطف إلى جانبهم في حملاتهم المغرضة على الوحدة الترابية للمغرب. لقد تناسى تبون وشنقريحة لوهلة أن الذي بيته من زجاج لا يمكن أن يحذف الناس بالطوب. فالصحيفة الحقوقية للنظام العسكري في الجزائر ملطّخة حدّ العار والخزي بما ارتكبته المصالح الأمنية وأجهزة المخابرات من انتهاكات واعتداءات وممارسة تنتمي إلى عهود بائدة، حيث دشنت منذ شهور حملة ممنهجة لمطاردة كل رموز الحراك الشعبي الذي عاشته الجزائري قبل سنوات. بدأت عملية اصطياد هؤلاء النشطاء واحدا واحدا، بعضهم تمكّن من الخروج إلى المنفى الاختياري، بينما سقط آخرون في شباك الأمن وأُودعوا في المعتقلات، ولا يزال البعض منهم ينتظر محاكمة قد تأتي ولا تأتي، في حين يتغنّى الكابرانات بأسطوانات مشروخة عن حق تقرير المصير ودعم القضايا العادلة، في الوقت الذي تزيد فيه فرنسا من تعرية سوأتهم الحقوقية المخجلة. إنهم يتذوّقون من الكأس نفسها التي كانوا يحاولون باستمرار أن يُذيقوا منها غيرهم، وخصوصا المغرب. لا يمكن أن ننسى أن الحملة المغرضة التي يخوضها اليوم بعض النواب في البرلمان الأوربي ضد المغرب هي مموّلة بالكامل من فوائض البترودولار الجزائري. ولا يمكن أبدا أن ننسى العدد الكبير من التقارير والمراكز والمنظمات التي موّلتها عصابة العسكر من أجل انتزاع مواقف مؤيدة للانفصال في الصحراء المغربية، وتسعى لتقسيم المغرب وتشتيت وحدته الترابية. لا مجال للتشفّي مما يحدث لهم، لأننا أيضا واعون في المغرب بأن معركتنا مع السلطات الفرنسية أيضا لا تزال مستمرة على مستوى آخر أكثر حدة وعمقا مما يحدث بينها وبين الكابرانات. لكن هذا هو ما جناه النظام العسكري الجزائري على نفسه. قبل فترة وجيزة أعاد الملك محمد السادس مجددا مدّ جسور المودّة نحو هذا النظام، ودعا القيادة الجزائرية إلى العودة إلى رشدها والجنوح إلى السلم والتعاون والتآزر بين البلدين. لكن الردّ كان عبارة عن مزيد من التكبّر والاستفزاز والإجراءات العدائية الموغلة في الحقد، والتي ظهرت بجلاء عندما رفضت السلطات الجزائرية مؤخرا استقبال طائرة مغربية تقلّ منتخبا لكرة القدم. واليوم لا يزال هؤلاء مصرّين على تجاهل الحقيقة الساطعة بأن المصير والمسار المشترك بين البلدين والشعبين يقتضي هدم كل الخلافات والانصراف نحو مستقبل واحد لرفع التحديات الراهنة والقادمة، والتي على رأسها توحيد الرؤية وتقوية الموقف المغاربي في مواجهة الشركاء الخارجيين وعلى رأسهم دول الاتحاد الأوربي. وفي ظل الصمت المطبق الذي دخله تبون ورؤساءه من الجنرالات، على الشعب الجزائري المسحوق أن يتجرّع هذه الإهانات الفرنسية من جديد، ويتقبّلَ راغما تدخل باريس في القضايا الداخلية للبلاد، وإملاءها لما ينبغي القيام به وما ينبغي تركه. ومن المؤكد أن القادم قد يكون أكثر ضغطا وتوغلا في كشف المستور وفضح المؤامرات التي يقف وراءها الكابرانات ليس فقط ضد حق الشعب الجزائري في الحرية والحقوق، بل أيضا تلك التي يحيكونها ضد الجيران في المنطقة المغاربية والإفريقية.