يبدو وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على شفا الإعفاء أو الإقالة أو حتى الطرد من على رأس الدبلوماسية الجزائرية. ولولا أن قرارا كهذا سيمثل اعترافا صريحا بهزيمة الجزائر النكراء أمام الدبلوماسية المغربية لما تردّد الكابرانات في اتخاذه في أسرع وقت عقب الصدمة الأخيرة التي تلقتها الجزائر من إسبانيا بعد اعتراف الأخيرة بأهمية وقيمة المقترح المغربي للحكم الذاتي كحل واقعي وناجع للنزاع المفتعل. بعد كل الخطابات والجولات المكوكية والمليارات التي صرفها الوزير النائم في المؤتمرات الدولية من أجل مكايدة المغرب واستدامة النزاع المفتعل في أقاليمنا الجنوبية وحشد اللوبيات في بعض الدول الكبرى ها هي ذي الدبلوماسية الجزائرية تتلقى صفعة مزلزلة سيكون لها ما بعدها. الوزير العجوز الذي لم تنفعه تجربته كأمين عام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية لسنوات طويلة يدفع بنظام الكابرانات نحو خسارة كل الحلفاء والأنصار الذين كانت الجزائر باستمرار تعوّل عليهم من أجل إحياء أطروحة الانفصال واستمرار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. لقد راكم رمطان الكثير من القرارات الغبية التي كان من بينها المحاولة الفاشلة لتأزيم الأوضاع الاقتصادية بالمغرب من خلال توقيف العمل بأنبوب الغاز "المغرب العربي". لقد ظن رمطان والكابرانات عندما اتخذوا هذا القرار أن المغرب سيغرق بلادنا في أزمة طاقة ستنعكس على الاقتصاد الوطني، لكن النتيجة جاءت عكسية فأصبحت الجزائر اليوم تواجه مشكلة في الوفاء بالتزاماتها تجاه إسبانيا واضطرت إلى تخصيص ميزانية إضافية لنقل الغاز بكلفة أكبر عبر السفن. وفتح هذا القرار النابع من العناد والغباء السياسي للكابرانات على الجزائر إكراهات جديدة تتعلق بتراجع حصصها المحتمل من السوق الإسبانية التي اتخذت قرارا استراتيجيا منذ إغلاق أنبوب المغرب العربي وهو التعويل على مزودين جدد على رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وتوسيع الواردات القادمة من وجهات أخرى. وبينما كانت السلطات الجزائرية تعتقد أن توجيه كل التزويد عبر الأنبوب المباشر إلى إسبانيا سيزيد من تبعية مدريد الطاقية للجزائر، جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتؤكد أن تنويع مصادر الطاقة من مزودين كثر سيتم اعتماده أوربيا كخيار استراتيجي. وبعد الصدمة التي مثلها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء تأتي اليوم الصفعة الإسبانية لتجهز على ما تبقى من هوامش المناورة أمام الخارجية الجزائرية. وكم كانت الحركة الدبلوماسية المغربية بالتغيب عن حضور اجتماع إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا ذكية جدا في مثل هذه الظرفية؟ لقد كانت الجزائر تنتظر اصطفاف المغرب إلى جانب الدول الغربية بشكل صريح في هذه القضية لمحاولة استثمار ذلك في انتزاع موقف روسي معادي للمغرب في قضية الوحدة الترابية. لكن الدبلوماسية المغربية كانت أذكى من أن تتيح هذه الفرصة لخصوم وحدتنا الترابية. وفي الوقت الذي صمتت فيه الخارجية الجزائرية عمّا يجري في أوكرانيا ولم تستطع اتخاذ موقف صريح، لم تتأخر في ارتكاب خطأ آخر من المحتمل أن تكون له آثار مستقبلية على صعيد العلاقات الجزائرية الروسية. لقد تسرّعت السلطات الجزائرية بمجرد اندلاع الحرب في أوكرانيا وأعلنت استعدادها لتزويد السوق الأوربية بكل ما تحتاجه من موارد الغاز، وكأنها تقدم نفسها كبديل عن المصادر الطاقية الروسية التي تعتمد عليها أوربا. لقد راكمت الخارجية الجزائرية في ظرف وجيز لا يتجاوز عاما واحدا أخطاء فادحة نالت من الموقف الجزائري وأضعفته، وتدفع قُدما الكابرانات نحو المزيد من العزلة الدولية والإقليمية، ولا أدل على ذلك الزيارة الخاطفة المفاجئة التي سارع رمطان لعمامرة للقيام بها إلى الصين منذ يومين ليتم من خلالها البحث عن سبل للخروج من هذه الورطة التي تعيشها الجزائر على مستوى الترويج لأطروحة الانفصال وربطها ظلما وعدوانا بقضايا عربية وقومية أخرى.