لم يعمر رمطان لعمامرة سوى 20 يومًا كوزير للخارجية الجزائرية وكنائب للوزير الأول، وهو المنصب الذي استحدث خصيصا له، ليقرر المتنفذون في دواليب الحكم بالجزائر إبعاده من المنصبيْن، ومن منصب المستشار الدبلوماسي لعبد العزيز بوتفليقة.. وقرّرت رئاسة الجمهورية الجزائرية التخلي عن خدمات رمطان لعمامرة، وإبعاده من المشهد السياسي، بعدما منحته بتاريخ 11 مارس الماضي منصبين: الأول كوزير للخارجية، والثاني جرى استحداثه لأول مرة في تاريخ الحكومات الجزائرية المتعاقبة، وهو منصب نائب وزير أول.
ويأتي استبعاد لعمامرة، الذي يعتبر من ألدّ أعداء المغرب ومن الأيادي الطيعة المنفدّة لمخططات النظام الجزائري بخصوص الصحراء المغربية، بعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة نور الدين بدوي، وهي الحكومة التي ضمت 27 وزيرا ضمنهم 6 وزراء من الحكومة السابقة..
ويرى المراقبون أن استبعاد رمطان لعمامرة يأتي بعد الانتقادات الحادة التي تعرض لها من طرف الحراك الشعبي الجزائري، على إثر سفرياته إلى كبرى العواصم كموسكو وألمانيا وجنيف، في عز الانتفاضة الشعبية التي تشهدها البلاد وذلك في محاولة لإقناع الأطراف الخارجية بأن ما يجري في الجزائر لا يعدو أن يكون حدثا عاديا وأن مصالح هذه الأطراف ليست في خطر إذا ما استمرت في دعم النظام الفاسد القديم..
تنقلات رمطان لعمامرة إلى الخارج رأى فيها الجزائريون استفزازا لهم وازدراء لمطالبهم، وهو ما ردّوا عليه في المسيرات الشعبية من خلال رفع لافتات وشعارات تطالب برحيل رمطان لعمامرة معتبرين إياه رمزا من رموز النظام الفاسد..
ويأتي استبعاد لعمامرة، كذلك، بعد فشل ندوة احتضنتها بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا للتضامن مع جبهة البوليساريو الانفصالية، والتي حضرها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، وممثلي بعض البلدان الأفريقية والآسيوية والأميركية التي لا تزال تناصر الطرح الانفصالي، بإيعاز من جنوب إفريقيا وريع النفط والغاز الجزائري..
وفي مقابل اجتماع بريتوريا الفاشل، عرف مؤتمر مراكش، الذي عقد في نفس الفترة، نجاحا باهرا حيث حضرته 38 دولة أفريقية وانتهى بالإجماع على حصر معالجة ملف الصحراء المغربية في الأممالمتحدة، وقطع الطريق أمام محاولات الجزائروجنوب إفريقيا عرقلة القرارات الأممية وكذا قرار القمة الإفريقية المنعقدة بنواكشوط والتي تدعو إلى جعل الاختصاص في معالجة ملف الصحراء المغربية بين أيدي منظمة الأممالمتحدة حصريا..
كما أن استبعاد لعمامرة من الحكومة الجديدة، التي حافظ فيها قايد صالح على منصبه كنائب لوزير الدفاع رغم دعوته لتطبيق الفصل 102 والإعلان عن شغور منصب الرئاسة، يأتي بعد المائدة المستديرة الثانية التي عقدت بجنيف بدعوة من المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء هورست كوهلر، والتي حضرت فيها الأطراف الأربعة المعنية بالنزاع المفتعل حول الصحراء بما فيها الجزائر، التي سارعت إلى تعيين رمطان لعمامرة كوزير لخارجيتها حتى يستطيع الحضور إلى جانب الانفصاليين للدفاع عن أطروحتهم المشروخة..
وكان لعمامرة من أشد أعداء الوحدة الترابية المغربية، وقد ساهم في استدامة هذا النزاع المفتعل من خلال دفاعه في المنتديات الدولية عن الأطروحة الانفصالية ودعمها من خلال لوبيات خارجية بمال الريع النفطي، وكذا العلاقات المتشعبة التي نسجها خلال أكثر من 30 سنة في دواليب الدبلوماسية الجزائرية بالخارج، حيث شغل منصب وزير الشؤون الخارجية الجزائري من 2013 إلى 2015 ثم وزيرا للدولة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي من 2015 إلى 2017، كما شغل لعمامرة منصب مفوض للسلم والأمن للاتحاد الإفريقي (2008-2013)، وكان رفقة ممثلي جنوب افريقيا يستصدرون القرارات ضد وحدة المغرب الترابية دون حسيب ولا رقيب، كما عين أمينا عاما بوزارة الشؤون الخارجية من2005 إلى 2007، وتقلد منصب سفير للجزائر بعدة بلدان على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية و جيبوتي و أثيوبيا.
كل هذه المناصب والمهمات كان استغلها رمطان لعمامرة لمعاكسة المغرب والوقوف في وجه القرارات الأممية بشأن الصحراء المغربية، وهو المسؤول الأول على وقف محادثات مانهاست، وقد عوّل عليه نظام بوتفليقة للاستمرار في أداء نفس اللعبة من خلال حضور مائدة جنيف الثانية وملتقى بريتوريا الداعم للانفصاليين، إلا أن الشعب الجزائري قال فيه كلمته النهائية وطالب برحيله كما باقي الرموز الفاسدة، وهو ما اضطرت الدوائر المتنفذة في النظام بالجزائر إلى تنفيذه مرغمة. ويعتبر بعض المتتبعين أن هذا التغيير في صالح المغرب وأن الأمر يسير في اتجاه تطبيع العلاقات مع المغرب والسير في طريق العودة إلى الشرعية الدولية في حل نزاع الصحراء، إلا أن تعيين صابري بوقادوم، أحد المتشددين والمناوئين لمصالح المغرب، مكان لعمامرة يكشف أن الأمر لم يتغير وأن التشكيلة الحكومية الجديدة ما هي إلا توافق بين الأجنحة المتصارعة داخل النظام الجزائري، وذلك بعد لقاء الجنرال احمد قايد صالح ممثلا عن الجيش بالسعيد بوتفليقة ومسؤولين على المخابرات وعلى رأسهم الجنرال طرطاق.
وتبقى الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح الأمور، كما أن الشعب الجزائري سيقول كلمته يوم الجمعة المقبلة، وسيكون موقفه هو الرفض كما جاء في مسيرات مساء الأحد مباشرة بعد إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة، وهو الرفض ثم الرفض والمطالبة برحيل النظام، وليس بتغيير الحكومة التي يهدف المسؤولون من ورائها إلى الالتفاف على مطالب الحراك، وإيجاد مخرج قانوني لتطبيق المادة 102 لأن رئيس مجلس الأمة لا يمكنه في حال شغور منصب رئيس البلاد، أن يعين الحكومة طبقا للفصل 104 من الدستور الجزائري..